السعودية تعزز نفوذها في جنوب أفريقيا باستثمارات مليارية

السعودية تعزز نفوذها في جنوب أفريقيا باستثمارات مليارية
حاويات متراصة بأحد الأرصفة في ميناء ديربان في جنوب أفريقيا. "بلومبرغ"

توج عامٌ من اللقاءات المكثفة بين السعودية وجنوب أفريقيا، باتفاقات قيد التوقيع وأخرى موقعة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، تصب جميعها في أكبر بلد صناعية بالقارة السمراء، وسط زخم مرتقب على صعيد الشركات.

هذا الاندفاع في إبرام الصفقات يندرج ضمن توجه أوسع من دول الخليج، وتحديداً الإمارات والسعودية، نحو تعزيز حضورها في القارة الأفريقية، عبر استثمارات تتركز في قطاعات التعدين والطاقة المتجددة والزراعة.

وتعد جنوب أفريقيا، بثرواتها المعدنية الهائلة، نقطة جذب للمستثمرين بفضل ما تملكه من بنية تحتية توازي ما هو موجود في الدول المتقدمة، إلى جانب شركاتها المُدارة بكفاءة، والتي تُعرض بأسعار تُعتبر زهيدة مقارنة بمثيلاتها في مناطق أخرى.

روڤن نايدو، رئيس قسم الاندماج والاستحواذ في بنك "إنفستيك" (Investec Bank Ltd)، قال: "هناك فجوة واضحة في التقييمات بين جنوب أفريقيا والأسواق الأخرى، ما يجعلها فرصة استراتيجية أمام المستثمرين أصحاب النظرة طويلة الأمد. نمتلك فرق إدارة عالية الكفاءة وملكية فكرية متميزة، وشركات تجيد ما تقوم به، ما يجعل من هذه السوق خياراً جديراً بالاهتمام".

طريق تجاري جديد يُرسم بين السعودية وجنوب أفريقيا

منذ اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في عام 2022، بمشاركة مئات رجال الأعمال، تتوالى الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الدولتين وقادة الأعمال كل بضعة أشهر، ما أسفر عن مفاوضات واستثمارات تقدر بنحو 5 مليارات دولار تشمل الطاقة المتجددة، واللوجستيات، ومحطات الوقود، والقطاع العقاري بعضها تم توقيعه، وأخرى لا تزال قيد النقاش.

الرحلة الجوية التي تستغرق 10 ساعات بين العاصمتين تشهد إقبالاً متزايداً، ما دفع الخطوط الجوية الجنوب أفريقية إلى بحث تدشين خط مباشر بين الرياض وجوهانسبرغ، وفقاً لمصادر مطلعة. وأكد متحدث باسم الشركة أنه لم يتم إعلان رسمي بعد بشأن هذا الأمر.

كريسپن فيري، المتحدث باسم وزارة العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا، قال إن العلاقات الثنائية "تعززت بشكل كبير خلال السنوات الماضية"، مع ازدياد "استثنائي" في الاستثمارات السعودية. وأضاف أن وزير التجارة الجنوب أفريقي سيترأس الشهر المقبل في الرياض الدورة العاشرة للجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين.

وأكد حسام الغريمل، الملحق التجاري السعودي في جوهانسبرغ، أن هناك تعاوناً حكومياً رفيع المستوى في مجالي التجارة والأعمال، لكنه أشار إلى تحديات لا تزال قائمة، أبرزها غياب اتفاقيات استثمار ثنائية، إلى جانب "متطلبات بيروقراطية معقدة تفرضها بعض الفرص الحكومية على الشركات السعودية".

وفي الوقت ذاته، تواجه السعودية ضغوطاً مالية جديدة بسبب تراجع أسعار النفط، ما قد يعرقل جهودها الاستثمارية في الخارج. وأشار محللون إلى أن صندوق الاستثمارات العامة — المحرك الرئيسي للاستثمار داخل الاقتصاد السعودي — أصبح يخصص حالياً مزيداً من الأموال محلياً مقارنة بالخارج، بل وقد يتجه إلى بيع أصول دولية لتوفير السيولة.

طاقة متجددة وموانئ

استثمرت شركات سعودية من بينها "أكوا باور" و"محطة بوابة البحر الأحمر للموانئ" — وكلاهما مدعوم من صندوق الاستثمارات العامة البالغ أصوله 925 مليار دولار — في جنوب أفريقيا، أو تسعى للاستحواذ على أصول داخلها. وبفضل حصة الصندوق السيادي البالغة 44% في "أكوا"، أصبحت المملكة أكبر مستثمر في قطاع الطاقة المتجددة بجنوب أفريقيا، بحسب "ستاندرد بنك جروب".

ناندو بولا، المدير الإقليمي لـ"أكوا باور" في جنوب أفريقيا، قال إن الحكومة الائتلافية الحالية في البلاد "تمنح قدراً من اليقين الاقتصادي والسياسي وتجدد ثقة المستثمرين"، مشيراً إلى أن "القدرة المصرفية المحلية العالية" تُسهل على الشركات التوسع في أنشطتها. وأضاف أن "أكوا" ضخت حتى الآن استثمارات بقيمة 1.9 مليار دولار في مشاريعها الثلاثة داخل البلاد، موضحاً أن استقرار إمدادات الكهرباء يسهم بدوره في جذب المستثمرين الأجانب.

وتخطط "أكوا باور" لاستثمار ما يصل إلى 7 مليارات راند (نحو 378 مليون دولار) في قطاعي المياه والطاقة بجنوب أفريقيا خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.

موانئ ولوجستيات ومحروقات

تستعد شركة "بوابة البحر الأحمر للموانئ" لتقديم عرض قد تتجاوز قيمته 600 مليون دولار للاستحواذ على أكبر ميناء في أفريقيا جنوب الصحراء بمدينة ديربان، بحسب مصادر مطلعة. وتبقى الصفقة معلّقة بسبب طعن قانوني على مناقصة أُعلنت نتائجها قبل عامين.

وقال غاغان سيكساريا، مدير الاستثمارات العالمية في الشركة، إن "محطات الحاويات في جنوب أفريقيا تُعد من أكثر الفرص الاستثمارية جاذبية في القطاع على مستوى العالم". وأوضح أن المجموعة مهتمة أيضاً بالتقدم بعرض حال تم طرح مناقصة لتشغيل ميناء كيب تاون.

وفي قطاع اللوجستيات ومحطات الوقود، أعادت "مجموعة زاهد" السعودية، ومقرها جدة، الشهر الماضي فتح باب المفاوضات مع مساهمي "بارلوورلد ليمتد" لزيادة حصتها في الموزع الحصري لمعدات "كاتربيلر" في القارة، مقدّرةً قيمة الشركة بنحو 1.25 مليار دولار.

كما تسعى "أرامكو السعودية" إلى شراء شبكة محطات الوقود التابعة لشركة "شل" في جنوب أفريقيا، في صفقة تقدر بنحو مليار دولار، وفق تقارير سابقة لـ"بلومبرغ".

وفي المعادن، يخطط الملياردير السعودي عجلان بن عبدالعزيز العجلان لاستثمار 500 مليون دولار في إنشاء مصفاة لصهر وتكرير البلاتين في إقليم ليمبوبو الجنوب أفريقي.

كذلك، استكملت "إس تي سي" (عبر إحدى شركاتها) العام الماضي الاستحواذ على 49% من "CMC Networks" الجنوب أفريقية، دون الكشف عن قيمة الصفقة.

"رؤية 2030" تفتح آفاقاً جديدة

استضاف منتدى الأعمال السعودي الجنوب أفريقي هذا الشهر في الرياض وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط للشؤون الاقتصادية الدولية، البراء الإسكندراني، وذلك بعد زيارة سابقة في فبراير ضمّت نحو ستة مسؤولين سعوديين، من بينهم الإسكندراني، إلى بورصة جوهانسبرغ، ومؤسسة التنمية الصناعية، وعدد من الشركات الأخرى في جنوب أفريقيا.

واتفق الطرفان، وفقاً لمصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هويتها، على إعداد قائمة جديدة بفرص استثمارية محتملة في جنوب أفريقيا.

تتسق هذه التحركات مع "رؤية 2030" التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط. وكانت المملكة قد أعلنت مطلع هذا العام عن نيتها استثمار 41 مليار دولار في قطاعات متنوعة داخل أفريقيا، تشمل الموارد الطبيعية والأمن الغذائي والطاقة المتجددة، في خطوة تهدف لتعزيز موقعها التنافسي في القارة في مواجهة دول الخليج الأخرى.


شراكة رابحة للطرفين

قال ستافروس نيكولاو، الرئيس المشارك لمنتدى الأعمال السعودي الجنوب أفريقي، إن تدفق الصفقات الحالية من شأنه دعم مالية جنوب أفريقيا وتعزيز روابطها مع دول الخليج والشرق الأوسط. وأضاف أن دول الخليج استثمرت منذ عام 2014 أكثر من 100 مليار دولار في أفريقيا، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي.

وأشار إلى أن هناك خططاً لعقد شراكات بين السعودية وشركات جنوب أفريقية في قطاع الأدوية، في وقت تجري فيه محادثات بشأن تصدير منتجات جنوب أفريقيا من السيارات، والخدمات المالية، والسلع الأساسية، والمنتجات الزراعية إلى السوق السعودي.

وارتفعت صادرات جنوب أفريقيا إلى السعودية إلى 7.3 مليار راند العام الماضي، مقارنة بـ6.6 مليار راند في العام السابق.

وقال نيكولاو: "حين تنظر إلى فرص توسيع الاقتصاد، كما هو الحال بالنسبة لجنوب أفريقيا، فإن الأسواق ذات القيمة المرتفعة مثل الاتحاد الأوروبي تظل جذابة، لكنها أسواق ناضجة. أما مع السعودية، التي بدأت مؤخراً في تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، فهناك سوق كبيرة تتكامل معها منتجاتنا بشكل فعّال".

الأكثر قراءة