تهيئة مكة المكرمة لصناعة الاقتصاد الجديد
قبل سنوات قريبة وحتى مطلع عام 2007 كانت منطقة "جبل عمر" بمكة المكرمة القريبة من الحرم عبارة عن عشرات المنازل الشعبية الغارقة في العشوائية، وبعض العمائر الحديثة التي يقوم أهلها بتأجيرها خلال موسم الحج مقابل مبالغ مالية زهيدة تتناسب مع الخدمة المقدمة في حي تغمره الفوضى والعمالة رغم موقعه الاستراتيجي المجاور للحرم.
لكن الإرادة حولت هذا الحي البائس إلى صرح تنموي مشهود بمشاركة مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من خلال تأسيس "مشروع جبل عمر" ومساهمة السكان الأصليين وفق عمل مؤسسي جبار جعله في مصاف المشاريع العالمية، حيث تؤكد الأرقام أن المبالغ المستثمرة وصلت إلى 33 مليارا لبناء واستثمار 38 برجا فندقيا تحوي 11500 غرفة فندقية و200 فيلا يتم تشغيلها من قبل شركات عالمية (هيلتون، وشيراتون، وحياة ريجنسي، وماريوت، وسوفتيل، ووستن، وراديسون، وهوليداي إن، وكراون بلازا) بما يكفي لاستيعاب وإسكان 36000 زائر، كما يسهم المشروع الذي سيتم تدشين المرحلة الأولى منه مطلع العام القادم في توفير قرابة 7000 وظيفة لأبناء مكة المكرمة.
هذا النموذج الذي تحقق في "مشروع جبل عمر" رغم ما واجهه من معارضة وتشكيك وعوائق، يجب أن يكون مثالا يحتذى به في الشراكة بين القطاعات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص لتتواكب مع "رؤية المملكة 2030" التي تجعل من مكة المكرمة مركزا اقتصاديا وتنمويا عالميا يستقطب 30 مليون معتمر وخمسة ملايين حاج من أقطاب الأرض كافة وما زلت أكرر في مقالاتي أن تكون الرؤية الاقتصادية في مكة المكرمة تحت إشراف "مجلس الاقتصاد والتنمية" لمراجعة أداء الأجهزة الحكومية كافة ومراجعة التشريعات القائمة من أجل ضمان تحول وطني فاعل يسهم في صناعة مؤسسات عملاقة قوية ومؤثرة ومواكبة للتغيير.
وسبق أن أشرت في المقالين السابقين إلى سيطرة المؤسسات الفردية ذات الأداء الرتيب، والطابع الاحتكاري، على معظم الأنشطة الاقتصادية في مكة، وأسهم هذا في تشكيل مجموعات "لوبيات" منتفعة، وغلبة المصالح الفردية، وكثرة الالتفاف على الأنظمة، وارتفاع أرقام البطالة، وتزايد شبهات الفساد، ما يجعل من تحقيق التحول الوطني أمرا صعبا في المرحلة المقبلة، وتظل الحاجة ماسة جدا إلى معالجة هذا التشوه الاقتصادي من خلال تأسيس شركات مساهمة وقابضة في خدمة الحجاج والمعتمرين في مجال السكن، والإعاشة، والنقل، وسياحة ما بعد العمرة، ومشاريع هدايا الحجاج والمعتمرين، لتعمل بشكل تنافسي وأداء احترافي يليق بطموح الدولة والمجتمع.
وإذا كانت المنطقة الشرقية هي قبلة الاقتصاد الوطني خلال السنوات السابقة بما تضم من ثروات نفطية فإني أرى"مكة المكرمة" قبلتنا الاقتصادية المقبلة متى ما تحققت رؤية المملكة لتعزيز الاستثمار في الإنسان والمكان.