حلب .. ومغول العصر
إن حادثة حلب التي لم يشهد العالم الحديث شبيها لها جعلتنا نقف مذهولين متشنجين؛ فقد تعدت حدود الحرب المتعارف عليها، وأظن كل اللغات تعجز في أن تضع مصطلحا مناسبا لما يحدث في حلب. فلم يعد الأمر صراعا مسلحا بين فئتين، بل أمر يخص الإنسانية برمتها، والعيب كل العيب على كل إنسان يعيش على أرضنا هذه بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه أن يرى ويسمع أحداث حلب ويبقى صامتا.
نحن لا ننكر الحروب ولا نتعجب من الصراعات بين الأمم والشعوب؛ فهي سنة كونية وسلوك بشري قديم قدم الخليقة، ولكننا نستغرب هذا الحقد وهذا التعامل البشع وهذا الهجوم الشرس، الذي يخالف جميع ما عرفته البشرية؛ فهناك أخلاقيات للحرب تعرفها كل الأطراف المتحاربة. حتى نعرف بالضبط أين وصل إليه مغول هذا العصر دعونا نأخذ لمحة عن أخلاقيات الحروب والخصومات والصراعات في عصر الجاهليات البائدة، ونقارن بين ما رأيناه في حلب وبين ما وصل إلينا من موروث الحروب في الجاهلية الأولى.
دعونا نعرض سلوك أعنف وأصلب عدو في الجاهلية، وهو عمرو بن هشام، الذي كان يلقب بأبي الحكم ثم لقبه المسلمون بأبي جهل، وكان أشد أعداء نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- لنرى أخلاق هذا الطاغية وقت الصراع والحروب، ونقارنه بما يفعله أعداء الوجود في حلب هذه الأيام. فقد قيل لأبي جهل كيف تركت محمدا يخرج من بين أيديكم ليلة الهجرة ويلحق بأصحابه؟ لمَ لمْ تكسر الباب عليه وتأخذه من مرقده؟ فأجاب وهل ترضى أن تقول العرب روع عمرو بن هشام بنات محمد وهتك حرمة بيته؟ انظروا يا شبيحة الشام كيف يقف أبو جهل المشرك الطاغية خلف الباب، ولا يتجرأ في دخول البيت لأنه يستحي أن يقال عنه إنه هتك الأستار وروع من في الدار.
في أحد الأيام، وبينما كانت أسماء بنت أبي بكر ــ رضي الله عنها ــ نائمة أيقظها طرق قوي على الباب وعندما فتحت كان أبو جهل واقفا والشر والغيظ يتطايران من عينيه فسألها عن والدها فأجابت: إنها لا تعرف عنه شيئا فلطمها على وجهها. وفي الطريق قبل أن يعود إلى بيته طلب من رفقته أن يكتموا عليه فعلته حتى لا تعيره العرب، وتقول إن رجلا يدعى عمرو بن هشام ضرب امرأة. انظروا يا أعداء الحياة إلى أبي جهل، وهو في شدة غضبه وحقده طرق الباب ولم يخلعه ـــ كما تفعلون في حلب ـــ ولو لم تفتح له أسماء الباب لما تجرأ على أن ينتهك حرمة البيت ويدخله دون موافقة أهله ولو كانوا أعداءه.
وعلى حين يهاجر النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، وأصحابه تاركين وراءهم نساء وأطفالا وشيوخا وعجائز، لم يكونوا يخشون أن يعتدي عليهم أبو جهل أو غيره، ولا أن يستبيح حرماتهم، ولا أن تهجم عليهم عصبة من المنحرفين، والشبيحة، والبلطجية، وقطاع الطرق، لهتك أستارهم، والنكاية بهم، فالمسلمون يهاجرون وهم مطمئنون على أعراضهم وأموالهم عند أعدائهم ولم يخطر ببالهم أن هناك من سيعتدي عليها.
هذه أخلاق الجاهلية وهذه أخلاق سيدهم أبي جهل زعيم المشركين فرعون هذه الأمة كنا ننكرها ونستعظمها ونظن أنها أحط أخلاقيات الحروب وما وصلت إليه الإنسانية حتى رأينا مغول العصر كيف يفعلون بالرجال والحرائر في حلب.
أين أنتم يا شبيحة الأسد من أخلاق الجاهلية؟ لا نريد منكم سمات محمد ومن معه، ولا سجايا علي- كرم الله وجهه- ولا رحمة الحسين وخصاله، فهذه ليست في قواميسكم ولن تبلغوها بل نريد منكم فقط أن تصلوا إلى أخلاق الجاهلية الأولى؟ نحن نعرف نوايا إيران، ولا نلوم روسيا فهي تتبع مصالحها، ومثلها حزب الشيطان فقد ولوا وجوههم شطر الحوزة العلمية في مدينة قم، إننا نلومكم أنتم يا عرب سورية. ألستم ترفعون شعار القومية العربية منذ عرفناكم "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" فطالما أنكم لا تؤمنون بدين ولا يردعكم قانون وارتضيتم بالعروبة شرعة ومنهاجا فهذه أخلاق أبي جهل بين أيديكم فأين أنتم منها؟!
هل تتوقعون يا ذئاب الليل أن يقوم أبو جهل بوثق أعدائه من معاصمهم وأقدامهم وإشعال النار في أجسادهم؟ هل يمكن لصاحب هذا الخلق أن يأخذ الحرة العفيفة الطاهرة من أحضان أهلها ودفء مضجعها لينتهك عفتها ويستبيح شرفها؟ لا لن يفعل ذلك أبو جهل فقد طرق الباب على ابنة عدوه ولو لم تفتح له لرجع إلى بيته مهزوما مكسور الوجدان. هل يخطر ببالكم يا مغول العصر أن يقوم أبو جهل بقتل الرجال أمام زوجاتهم وأبنائهم والتمثيل بهم؟ هل تتوقعون يا عبدة الطاغوت أن يمارس فرعون هذه الأمة الرذيلة بالنساء أمام أعين أزواجهن وآبائهن؟ لا لن يفعل أفعالكم أبو جهل لأنه يستحي ولديه قيم يلتزم بها ونخوة عربية تجري في دمه.
ما أجمل شيم العرب، حتى في جاهليتهم، فأين منهم اليوم شرذمة يخلعون الأبواب ويهتكون حرمة البيوت ويروعون الأنفس. إن الحرائر في حلب يتمنين عربا بأخلاق الأمس ليصدوا عنهم شذاذ الشام ومغول العصر الذين أدخلوا الصفويين ديارهم وجلبوا روسيا بعتادها العسكري الكبير إلى أرضهم ودعوا المنافقين من حزب الشيطان إلى أوطانهم، "ألا أن حزب الشيطان هم الخاسرون".