أساليب الموظفين في تعطيل عمل البصمة

أريد أن أعود إلى موضوع البصمة مرة أخرى لسببين رئيسين؛ الأول كراهيتي لهذا الأسلوب الرقابي المقيت. والآخر لأبرهن لهؤلاء الذين يتغنون بجودة عمل جهاز البصمة، وأكشف لهم ما يحدث في الظل من قبل الموظفين الذين يسعون دائما لتعطيل عمل أجهزتهم باهظة الثمن، لعل المكابرين يعودون إلى صوابهم والمغفلين يدركون أخطاءهم، ويعلمون أن دخول التقنية كأداة رقابية لا تليق أبدا بموظفي الدولة وقطاع الأعمال، وأن تطبيق الأساليب الإدارية المؤصلة في مجال الإدارة والأعمال أصبح أمرا حتميا لا مناص منه.
إن طرق الاحتيال المضادة لعمل البصمة تأتي بشكل تلقائي أي بمحض المصادفة، ولهذا يقوم الموظفون بالتلاعب بجهاز البصمة بعدة طرق، منها ما هو مشاع بينهم، ومنها ما يمارس بطريقة منفردة ينفرد بها موظف لذاته، ولا يخبر البقية، ويظل يمارس هذا التحايل الذي اكتشفه مصادفة، دون أن يطلع أحدا عليه لا زملاءه في العمل ولا رفقاءه خارج بيئة العمل. وفكرة التلاعب بجهاز البصمة لم تتم بناء على اتفاق بين الموظفين، فكل موظف يمارس ما يراه مناسبا عن طريق التجربة والخطأ، ومع الوقت تتم معرفة ما هو أفضل أسلوب يعوق عمل هذا الجهاز.
فعلى سبيل المثال اكتشف البعض أن الأصبع المصابة بجرح ظاهر تؤدي إلى إعاقة عمل الجهاز. جزء آخر من الموظفين يقومون بالتلاعب بالجهاز بشكل يومي، لإقناع المسؤولين بأنه يعاني مشكلة معينة تعوق تعرف الجهاز على بصمة إصبعه، ليتم إعفاؤه من البصمة لاحقا، ومنحه رقما خاصا عوضا عن البصمة ما يلبث أن يعهد به لمن حوله من أصدقاء العمل المنضبطين ليتم تسجيل حضوره في الموعد المحدد.
وهذا ليس مقتصرا على الموظفين؛ فالموظفات لديهن طرقهن في تعطيل عمل البصمة، وقد توصلن إليها مصادفة أيضا. منها على سبيل المثال مادة "الكلور" التي تكون ضمن منظفات أوعية الطعام. فمادة "الكلور" التي تستخدم في إزالة بقايا الطعام من الأوعية معطل قوي لجهاز البصمة، وتستخدم بالفعل من قبل الموظفات في التستر على التأخير الذي يسجله جهاز البصمة غير المرحب به لتصبح عادة غسيل الأطباق من ألذ العادات. ولم يقتصر استخدام "الكلور" على الموظفات بل تسرب الخبر إلى الموظفين فقاموا باستخدام هذا السائل في مساعدتهم على التمرد على هذه الطريقة البوليسية في مراقبتهم، وقد يتطوع الرجال بغسل أوعية المطبخ قبل ذهابهم إلى عملهم، وقد يتعارك الزوجان - إذا كان كلاهما موظفين - كل صباح من أجل من يقوم بتنظيف أوعية الطعام للظفر بملامسة هذا السائل العجيب جسده، وقد يتقاسمان هذه المهمة التي كانت من قبل بغيضة، ولكنها الآن أصبحت محببة للنفس، حيث تؤدي خدمة جليلة للطرفين.
كما توصلت الموظفات أيضا إلى طريقة أخرى لتعطيل عمل البصمة تتمثل في استخدامهن العطور والكريمات. فقد اكتشفن - مصادفة أيضا - أن وضع العطور أو الكريمات على الأصابع يعوق عمل الجهاز، لتتحول هذه المواد لاحقا إلى خلطة سحرية تنقذ كثيرا منهن من تتبع هذا الرقيب.
وقد يكون سبب عدم اكتشاف هذه الحيل مبكرا من قبل الجهات الرقابية وإدارات المتابعة في الأجهزة الحكومية وغيرها أنها لا تمارس بشكل يومي، وإنما يقتصر العمل بها عند الحاجة والضرورة فقط، و"الحاجة" هنا تقدر بحسب الضرر الذي يلحق بالموظف/الموظفة من التأخير في الحضور أو التبكير في الانصراف.
ولكن هذا لا يعني أن بعض هذه الحيل لم يتم ضبطها. فهناك كثير من الحيل تم ضبطها، وتم اتخاذ إجراءات وقائية من قبل بعض المنظمات الحكومية ومنظمات الأعمال. فعلى سبيل المثال يتم اللجوء للكاميرات كوسيلة إضافية للتحقق من حضور الموظفين أو قد يعطى الموظف إنذارا إذا تم ضبطه متلاعبا بأنظمة البصمة، وعند تكرره تتم إحالته للجنة تحقيق خاصة. ورغم كل هذه الاحتياطات الرقابية التي تحيط بالموظف من كل جانب فإنها لم توقف موجة التلاعب، خصوصا أن أجهزة تعطيل عمل جهاز البصمة أصبحت ميسرة وتباع في الأسواق الإقليمية والدولية تستخدم في إلغاء القراءات على النظام بكل كفاءة أو إعطائه قراءات غير صحيحة.
وسيظل الأمر بهذا الشكل - ما بين كر وفر - طالما القيادات في المنظمات توظف أساليب رقابية يرى الموظفون أنها أدوات تجسسية، وليست رقابية فيقومون (الموظفون) بدورهم ويعاندون ويتمردون ويبحثون عن ثغرات يمكن توظيفها لدفع الضرر وتشويه وتضليل التقنية بتقنية مضادة أو بأساليب تظهر لهم مصادفة.
وهنا يظهر السؤال الذي أريد الإجابة عنه من قبل أصحاب بطولات البصمة من القياديين في منظماتنا: طالما أن هناك صراعا بين القياديين والموظفين في تقبل عمل البصمة؛ فلماذا لا يتم اختصار الطريق واللجوء إلى الأساليب العلمية المؤصلة في مجال إدارة الموارد البشرية التي تمارس في كثير من مؤسسات العالم - الشرقية والغربية - من دون هذا الأسلوب المشبوه في الرقابة؟ إن تطبيق الأساليب العلمية ليس فقط سيزيد من ولاء الموظفين لمنظماتهم، بل سيخفض تكاليف الرقابة التقليدية أو الإلكترونية التي تصرف على تتبع حضور وانصراف الموظفين. فتكاليف الرقابة التي تبذلها المنظمات عالية للغاية، ولكن إذا تم الاستغناء عنها وإحلال الرقابة العلمية فإن ذلك سيوفر مبالغ باهظة يتم توجيهها في أوجه نافعة تخدم المنظمات ومنسوبيها وستعيد للموظف إنسانيته وحريته، وعندها سيتوقف عن تعطيل أجهزة باهظة الثمن يرى أنها جهزت لقمعه والتجسس عليه وليس لقياس أدائه.
وعندما يقتنع رواد عمل البصمة من القياديين في المنظمات بضرر ما يقومون به؛ فيمكن أن نتقدم خطوة في هذا الموضوع، ونعرض الأدوات التي تضبط قياس أداء الموظفين، وفي الوقت نفسه تجعلهم يبذلون أقصى ما لديهم من أجل المكان الذي يعملون فيه لأنه يشعرهم بالانتماء فيقدمون له كامل الولاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي