أمير «الشمالية» .. واستحضار فكر الملك المؤسس
وجهات نظر متعددة حيال طبيعة الاحتفالات باليوم الوطني، وكيفية استثمارها لتعزيز الوطنية بمفهومها الواسع الذي يشمل العمل الفاعل لخدمة الوطن والمجتمع، إضافة إلى التعبير عن مشاعر الحب، والولاء، والانتماء للوطن وللقيادة بالقصائد، والمسيرات، والفنون الشعبية، الأوبريتات، والحفلات الغنائية الوطنية، وغير ذلك من أساليب التعبير عن هذه المشاعر الجياشة.
حب الوطن أمر محسوم بالفطرة، وطرق التعبير عن حب الوطن متعددة تبدأ بمشاعر الفرح والبهجة والسرور، إلى تقديم التضحيات بالمال والنفس والولد لتنميته وحمايته، مرورا بالقيام بالمهام الموكلة لكل مواطن كل من موقعه ومسؤولياته المهنية، والاجتماعية والتربوية، والثقافية، ولكن ما هو ليس فطريا، كما يبدو لي، ويتطلب جهودا نوعية وكمية لتعزيزه هو "الذكاء المعرفي" لدى المواطنين ليدركوا كيفية المشاركة بالعمل الفاعل المتقن في خدمة المواطن والمجتمع في إطار توجهات القيادة رعاها الله، وهنا حسب اعتقادي مساحة الاستثمار العميقة لمناسبة اليوم الوطني لغرس المفاهيم السليمة التي تعزز "الذكاء المعرفي" وتدعم "الذكاء الفطري" لدى المواطنين ليسهموا بشكل فاعل في خدمة الوطن والمجتمع.
في كلمة الأمير فيصل بن خالد بن سلطان أمير منطقة الحدود الشمالية في حفل أهالي المنطقة بمناسبة اليوم الوطني الـ 87 لاحظت هذا النوع من الاستثمار لغرس المفاهيم السليمة بربط مناسبة اليوم الوطني التي نستذكر بها تاريخ وإنجازات المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ـــ طيب الله ثراه ـــ وكذلك قيمه ومفاهيمه، وبين المفاهيم المراد غرسها في نفوس المواطنين، حيث ربط أمير الحدود الشمالية بين مقولة الملك المؤسس ـــ رحمه الله ـــ "كل أمة تريد أن تنهض، لا بد لكل فرد فيها أن يقوم بواجبات ثلاثة: أولها واجباته نحو الله والدين، وثانيها واجباته في حفظ أمجاد أجداده وبلاده، وثالثها واجباته نحو شرفه الشخصي"، وبين ما يريد أن يرسخه كأمير منطقة شاب متحفز للإنجاز التنموي من مفاهيم بهذه المناسبة الوطنية في نفوس مواطني المنطقة وخصوصا المسؤولين والشباب منهم.
وقبل الخوض في هذا الربط الذي أعجبني كثيرا أود أن أوضح مصطلح "الشرف الشخصي" وهو مصطلح كما يدخل في معناه العفة والمحافظة على العرض يدخل في معناه أيضا كثير من القيم السلوكية الإنسانية العليا التي حثنا عليها الدين الإسلامي كالأمانة، والصدق، والاحترام، والعمل المتقن، والكسب الحلال، والتواضع والتراحم، والمروءة، والكرم والعطاء، وحب الوطن، والتضحية، والشرف وهو "العلو والمجد" لا يتبوأه أي إنسان إلا بما يحمله من قيم الشرف، وتجنبه لكل ما يخالف القيم الأخلاقية من رذائل كالكذب، والخيانة، وازدراء الناس، والكبرياء، والبخل، وعدم العمل والجد والاجتهاد والاعتماد على الآخرين في المعيشة.
الربط بين كلمة الملك المؤسس التي تضمنت واجبات المواطن تجاه "الله والدين" وتجاه "أمجاد بلاده وأجداده"، وتجاه "شرفه الشخصي" وما أراد أمير المنطقة أن يرسخه في أذهان مواطني الحدود الشمالية انطلاقا من هذه المقولة الخالدة للتمسك والعمل بمفاهيم الوطنية العميقة ربط واضح وموفق، وكلي ثقة أن مواطني المنطقة ومسؤوليها وشبابها على وجه الخصوص سيلتقطون الرسائل، ويعملون في إطار مفاهيمها للتكامل مع أمير المنطقة "رأس الهرم الإداري" لتحقيق الأهداف التنموية المستهدفة، فالعمل يجب أن يكون تكامليا، والإنجاز ينعكس على الجميع بكل تأكيد.
ورسالة أمير المنطقة التي تشي برغبته في العمل الجماعي التعاوني التكاملي بالاستناد لمفاهيم الملك المؤسس يتضح بقوله "لنتشارك جميعا في بناء غد واعد مشرق ومزدهر لبلادنا عموما ولمنطقتنا العزيزة "الحدود الشمالية" خصوصا كل من موقع مسؤوليته في إطار "رؤية بلادنا 2030" وبتأكيده أن "لكل مواطن دور مهم وحيوي في معادلة البناء والتنمية ولتتضافر جهودنا التنموية"، وبتركيزه على فئتين مهمتين، الأولى: فئة المسؤولين الذين أكد على أهمية التزامهم بخدمة المواطن والمقيم بأعلى جودة وكفاءة، والثانية: فئة الشباب من الرجال والنساء على مقاعد الدراسة وفي مواقع العمل الذين استحثهم لنهل العلوم والمعارف واكتساب المهارات ليكونوا منتجين، ومنافسين على الوظائف والاستثمارات، وقادرين على رفع كفاءة الأجهزة والمؤسسات التي يعملون بها.
ودون أدنى شك لو التزم المسؤولون بأداء مهامهم بالجودة والكفاءة، ونهل الطلاب من العلوم والمعارف واكتسبوا المهارات وأصبحوا منافسين، وحرص الموظفون على التعلم المستمر لأصبح لدينا منظومة عمل بشرية تؤصل لبيئة محفزة تدعم مواردنا البشرية كل من موقعه لأداء واجباته بأعلى درجات المهنية والإتقان، الأمر الذي سينعكس إيجابا على نهوض كل الأجهزة الحكومية، ومنشآت القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني بمهامها على أكمل وجه، وبالتالي التسريع في تحقيق الأهداف التنموية بالمنطقة وفق "رؤية 2030" وبرامجها التنفيذية.
وخصوصا أن المفاهيم السليمة التي يتبناها الإنسان تدفعه للعمل بمسارات استراتيجية فاعلة وموفقة دون الحاجة إلى التخطيط، ولذلك يحرص القادة على غرس المفاهيم السليمة في نفوس المواطنين كي ينهجوا المسارات السليمة في مرحلة التأهيل في سنوات التلقي والدراسة، وفي مرحلة العمل والتعلم المستمر كموظفين مرؤوسين، وفي مرحلة العمل والعطاء كمسؤولين رؤساء، ودون أدنى شك استيعاب المواطنين المفاهيم السليمة، وبالتالي انتهاجهم المسارات الاستراتيجية الصحيحة يعزز قوة محركات التنمية البشرية في المنطقة، ويوحد جهودها، ويوجهها نحو الهدف للوصول إليه بأقل جهد، ووقت، وتكلفة، وبأعلى جودة ممكنة.
ختاما، في اليوم الوطني ترق أسماع المواطنين لسماع قادة البلاد من مواقعهم كافة، والقادة هم الفئة الأكثر تأثيرا في تشكيل المفاهيم، والمواقف، والسلوكيات الإيجابية، ولا شك أن استثمار أمير الحدود الشمالية مناسبة اليوم الوطني لاستحضار مفاهيم المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ـــ طيب الله ثراه ـــ وربطها بالمفاهيم المراد غرسها في نفوس المواطنين اليوم ليكونوا سواعد بناء مميزة ومتكاملة مع جهود الدولة استثمار موفق سيكون له أثر كبير في تسريع عجلة التنمية في المنطقة ـــ بإذن الله.