المغرب .. تحرير العملة مغامرة محفوفة بالمخاطر

المغرب .. تحرير العملة مغامرة محفوفة بالمخاطر
المغرب .. تحرير العملة مغامرة محفوفة بالمخاطر

قرر المغرب، وبشكل مفاجئ؛ بداية من 15 كانون الثاني (يناير) الماضي، خوض غمار تجربة تحرير عملته الوطنية، عمدت الحكومة بعد استطلاع رأي بنك المغرب إلى اعتماد نظام صرف مرن للدرهم، يقضي بتوسيع نطاق تقلب سعر الصرف. بعدما كانت نسبة هذا النطاق محدودة في 0.3 في المائة في ظل سعر صرف شبه ثابت؛ على أساس سلة من العملات المرجعية، تضم كلا من الأورو (بنسبة 60 %)، والدولار (بنسبة 40 %)، انتقلت اليوم إلى مجال تقلب يراوح ما بين 2.5 %.
تعمدت الحكومة عنصر المفاجئة لدى اتخاذها لهذا القرار، مبررة ذلك بسعيها لتجنب المضاربة في العملة، كما حدث في شهر حزيران (يونيو) المنصرم، عندما أعلن والي بنك المغرب عن موعد فاتح تموز (يوليو) لاعتماد سعر صرف مرن. فلجأت البنوك إلى شراء مبالغ ضخمة من العملة في ظرف وجيز، فاقت 42 مليار درهم، بهدف تحقيق أرباح سريعة تحسبا لانخفاض الدرهم.
اختارت السلطة المالية بالمغرب التدريج في تنزيلها لمشروع تحرير سعر الصرف، وذلك وفق خطة تمتد على مرحلتين:
مرحلة التعويم المحكوم؛ يعمل من خلالها البنك المركزي على تحرير تدريجي للسعر، بوضع حدود عليا ودنيا (2,5 %)، مع الاحتفاظ بحق التدخل في حال تجاوزها. إضافة إلى تبني سياسة تستهدف مستوى محدد للتضخم، بهدف ضبط الأسعار التي ستتأثر بالتعويم التدريجي للعملة.
مرحلة التعويم الكلي؛ سيصبح فيها سعر صرف العملة محررا بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديده. وإنما يفرز تلقائيا في سوق العملات؛ وفق قانون العرض والطلب، الذي سيسمح بتحديد سعر صرف الدرهم مقابل العملات الأجنبية. وبذلك تتقلب أسعار العملة المحررة، باستمرار مع كل تغير في السوق، لدرجة يمكنها أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد.
برر محافظ البنك المركزي الهدف من وراء هذا الانتقال، بالسعي نحو تحسين قدرة الاقتصاد المغربي على الصمود أمام الأزمات الخارجية، والعمل على منح إشارة ثقة للشركاء الخارجيين. أكثر من ذلك، دافع عن صواب هذا التوجه، معتبرا أن المغرب؛ إلى جانب بلدان قليلة في العالم، اختار تبني هذا النهج بقرار إرادي، وليس تحت تأثير أزمة ضاغطة على نظام الصرف.
كلام المحافظ هذا يؤخذ منه ويرد، لأن قرار التعويم شرع في التحضير له بتنسيق مع لجنة فنية من خبراء البنك الدولي، منذ أواخر عام 2015. وتمت دعوة المغرب رسميا إلى تنبي نظام صرف مرن، في ندوة عقب منح البنك للمغرب خطا ثالثا للوقاية والسيولة، بقيمة 3.47 مليار دولار. وأيضا لأن ادعاء اختار المغرب للفرصة المواتية، قصد التحول إلى نظام صرف مرن، عكس مصر التي كانت مضطرة، أمر نسبي إلى حد كبير.
يكشف استقراء بسيط لمختلف التجارب الحديثة على مستوى العالم لتعويم العملة الوطنية، أن الدول الناجحة أقلية (الصين والهند) ضمن ثلة من البلدان التي عانى اقتصادها، وبشدة قرار اعتماد نظام صرف مرن (فينزويلا، نيجيريا، روسيا، ماليزيا، كازاخستان...). نجاح تلك الدول يعزى إلى ما أتاحه نظام الصرف الجديد، من فرص أمام اقتصاديات هذه البلدان، بفضل الصادرات المرتفعة، وتدني أسعار منتجاتها، ما عزز الإقبال عليها خارجيا ومحليا، وجذب الاستثمارات الأجنبية، نتيجة انخفاض سعر العملة المحلية.
بالعودة إلى السياق المغربي، نجد أن العوامل المساعدة على نجاح تحرير سعر الصرف في التجارب المقارنة مفتقدة فيه، ما يجعل هذا القرار مغامرة غير محسوبة العواقب، في بلد يتزايد فيه منسوب الاحتقان الاجتماعي يوما بعد آخر، وتدق فيه التقارير الرسمية نواقيس الخطر بخصوص المسألة الاجتماعية.
فكيف تقدم السلطات المالية بالمغرب على مثل هذا الإجراء في وقت:
• تتسم فيه الأجهزة والمؤسسات المالية بالضعف، وعدم القدرة على المغامرة، فالبنك المركزي دائما ما يخطئ في تحديد نسبة النمو الاقتصادي، بهامش كبير جدا. ما حدث أخيرا يزكي هذا القول، ونقصد المحاولة الأولى قصد التحرير؛ منتصف السنة الماضية، قبل التراجع عنها في اللحظة الأخيرة، دون تقديم توضيحات ولا مبررات مقنعة لقرار التراجع.
• لا تزال السلطات المالية بالمغرب تفتقد إلى آليات الضبط والتحكم في المجال المالي بالمغربي، مما سيزيد من خطر المضاربات، خاصة وأن العملة ستصبح مصدر ربح للبنوك؛ وقد كان ذلك سببا وراء إلغاء مشروع التحرير في موعده الأول. وبذلك، يخضع تسعير الدرهم لمتطلبات الاقتصاد، فتصبح العملة سلعة، ينخفض ثمنها متى توافر، ويرتفع متى قلت.
• ارتفعت فيه مديونية المغرب الداخلية والخارجية، وبلغ الاقتصاد مرحلة هشاشة حقيقية؛ بعدما لم يعد يتجاوز 2 في المائة من النمو. فيما بدأ عجز الميزان (189 مليار درهم) ينتقل إلى عجز بنيوي مع زيادة 2.6 في المائة تقريبا كل سنة؛ بسبب ارتفاع الواردات (434 مليار درهم)، وتتراجع الصادرات (244 مليار درهم).
• لم تجد فيه الحكومة أي حل سوى اللجوء إلى رفع قيمة الضرائب، بنسبة 90 في المائة على الواردات التركية من منتوجات النسيج والألبسة، بدعوى حماية صناعة النسيج والألبسة المحلية، والحفاظ على القدرة التنافسية لقطاع النسيج المغربي.
• يفتقد فيه العالم حتى اللحظة لتجربة دولة نامية، قررت خوض غمار تجربة تحرير العملة، ونجحت في ذلك. الاقتصاد المغربي في وضع شديد الصعوبة؛ سمته تدهور قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والتشغيل ... فإلى أي مرتكز يستند من يتوقعون أن يصبح الدرهم المغربي قويا؟
تاريخيا، تختار الدول الضعيفة اقتصاديا تبني سعر صرف ثابت للحفاظ على الاستقرار المالي، لما يتيحه ذلك من فرص لتحكم في التضخم. ويرتاح المستثمرون الأجانب حين يعلمون أن استثماراتهم لن تتغير فجأة بتغير قيمة العملة أو انهيارها. ولا تنتقل هذه الدول إلى تحرير عملتها، حتى تكون قد بنت اقتصادا قويا يؤهلها للمنافسة على الصعيد الدولي، وبالتالي فك الارتباط والتبعية الاقتصادية للخارج.

الأكثر قراءة