توطين الشهادات الاحترافية كفرصة استثمارية

أصبح الحصول على شهادة احترافية بطاقة العبور إلى الوظائف في عالم الأعمال اليوم، ليس في القطاع الخاص فقط ولكن في القطاع الحكومي أيضاً. " عندك شهادة حاسب؟ تراها تساعد" عبارة يسمعها كثير من المتقدمين للوظائف. والمقصود في مقالي هذا ليست شهادات حضور الدورات أو اجتيازها والمصدقة من جهات معينة مثل التعليم الفني والتدريب المهني، والتي وللأسف لا تحظى بأهمية كبيرة لدى أرباب العمل لأنها وببساطة ليس لها مرجعية لمستوى الإتقان يمكن أن يستند عليه، وإنما أقصد هنا شهادات الاحتراف مثل الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي، ونتائج الاختبارات القياسية كاختبار القدرات و التوفل وغيرها.
فشهادة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي مثلاً تعني أن حاملها لديه الكفاءة في سبعة حقول في الحاسب الآلي كمعالجة الكلمات، و الجداول الإلكترونية، إعداد وتقديم العروض، ومن أجل الحصول على هذه الرخصة فإن المتقدم يخضع لبرنامج تدريبي وضع خصيصاً ليساعده على اجتياز اختبارات الرخصة، وعلى أكتاف هذه الرخصة تفتح المعاهد والشركات التدريبية وتوضع الكتب والاختبارات التجريبية.
وفكرة المقال هو تبني مثل هذه الشهادات الاحترافية لتكون وطنية خالصة، بحيث يعود ريع اختباراتها وموادها وتأهيل مدربيها والتدريب عليها على أبناء الوطن على هيئة وظائف أو استثمار لرجال الأعمال. والأهم من ذلك هو أن الاعتراف بهذه الشهادات الاحترافية من قبل القطاع الحكومي سيدفع بعملية الاحتراف المهني إلى مستويات عالية بحيث يكون هناك جهات تأهيل وتدريب على المواصفات الوطنية لمهنة ما، كما تقوم جهات أخرى بعمل الاختبارات وتقديم الرخصة أو الشهادة للمتدرب المؤهل، ضامنة ومتعهدة إتقانه لهذه المهارات.
ولعلي أسوق سيناريو لهذه الفرصة الاستثمارية: فماذا لو تبنت المؤسسة العامة للتدريب الفني دعم مؤسسة وطنية من أجل إصدار الرخصة الوطنية لقيادة الحاسب بحيث تتلاءم متطلبات هذه الرخصة مع احتياجات السوق هنا، لتركز على المفاهيم الأساسية لتقنية المعلومات وإدارة الملفات، وسرعة الطباعة، ومعالجة الكلمات، وإعداد وتقديم العروض، والشبكات والإنترنت والبريد الإلكتروني، وتدخل هذه الشهادات في مفاضلات وزارة الخدمة المدنية والعسكرية في الترقيات أو عند احتساب نقاط التدريب. فعلى الرغم من أن المنطق يقول بأن على شركة البرمجيات كـ" مايكرو سوفت" التي تستخدم برمجياتها في هذا البرنامج التدريبي أن تدعم هذه البرامج التدريبية، لأن خريجيها سيطالبون بهذه البرمجيات للعمل عليها أو ما يسمى بالولاء للمنتج، إلا أننا نلاحظ أن المتدرب يدفع مبلغا لبرمجيات التدريب ومبلغ للاختبار، وتدفع مراكز التدريب مبالغ لتكون مراكز اختبار معتمدة تصب غالبيتها في مصلحة رأس المال الأجنبي، علماً بأن قيمة هذه الشهادة في رأيي لا تتجاوز حدود المملكة إلا في بعض المجالات الفنية المتقدمة. وهذا الإجراء مطبق في مختلف دول العالم فمثلا دول كأستراليا أو بريطانيا لديها اختبار لمدى القدرة على التحدث باللغة الإنجليزية غير التوفل، ومن أجله أوجدت الفرص الوظيفية والاستثمارية الكبيرة. وفي حد علمي فإنه لا يوجد اختبار مماثل للتوفل في اللغة العربية، وإيجاد مثل هذه الشهادات في معاهد اللغة العربية في الجامعات سيكون له مردود ليس ماديا فقط، ولكن ثقافي بنشر استخدام اللغة العربية، وبالتالي التواصل مع الثقافات الأخرى.
والفرص الاستثمارية في هذا المجال كثيرة وذلك لكثرة المجالات التي تحتاج إلى شهادات احترافية كاختبار القدرات وقبول الكليات الصحية والتمريض والمحاسبة وإدارة المشاريع الحكومية وغيرها، وهي بحاجة إلى تبنيها من مؤسسات الدولة المختلفة كمعيار للقبول والتوظيف وخلافه لضمان إيجادها من العدم، إلا أن البناء العلمي السليم أساس أيضا لنجاح هذه الفكرة ليتقبلها القطاع الخاص ويعمل بها، ومن ثم تجد القبول الإقليمي والعالمي.

---------------------------------
* دكتوراه في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي