العرف التجاري: أهميته والجهة المختصة بتحديده

العرف هو أحد مصادر الأحكام في معظم الشرائع، وهو أيضا أحد مصادر القانون الدولي العام، ونتناول بإيجاز في هذا المقال العرف بالقدر اللازم لتوضيح أهميته في المعاملات التجارية وكيفية تحديده وإثباته.
تكمن أهمية العرف التجاري في أنه المصدر الثاني للقانون التجاري بعد التشريع بل إن كثيرا من الأحكام القانونية التجارية المكتوبة نشأت قبل تقنينها كأعراف بين التجار.
وتعددت اتجاهات فقهاء القانون التجاري بشأن تعريف العرف التجاري ولكنها متشابهة ومنها أن العرف التجاري هو (ما درج عليه التجار من قواعد في تنظيم معاملاتهم التجارية بحيث تصبح لهذه القواعد قوة ملزمة فيما بينهم شأنها شأن النصوص القانونية). ولذلك فقد استقر رأي فقهاء القانون بأن للعرف ركنين، مادي ومعنوي، ويقصد بالركن المادي اعتياد الناس على اتباع قواعد معينة في معاملاتهم مدة طويلة، ويقصد بالركن المعنوي اعتقاد الناس بوجوب اتباع واحترام القاعدة التي تعارفوا على اتباعها، والعرف قد يكون عاما متبعا في جميع أنحاء الدولة. وقد يكون العرف خاصا بمكان معين أو بتجارة معينة دون غيرها.
والمستقر عليه فقها وقضاء أن القاعدة العرفية واجبة الاحترام إن لم يوجد اتفاق رضائي على مخالفتها فمثلا لو أن العرف جرى على أن عملة السمسرة في تجارة سلعة معينة هي 2 في المائة من قيمة الصفقة ولكن تم الاتفاق بين البائع والسمسار على زيادة هذه العمولة بحيث تكون 4 في المائة فإنه يجب في هذه الحالة تطبيق العمولة الاتفاقية, كما أنه من المستقر عليه فقها وقضاء أنه في حالة وجود تعارض بين النصوص التشريعية التجارية الآمرة والعرف التجاري فإنه يجب تطبيق النصوص التشريعية.
وتجيز الشريعة الإسلامية السمحة التعامل بالعرف إن لم يكن مخالفا لنص شرعي لقول الحق سبحانه وتعالى (خذ العفو وأمر بالعرف) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم، (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن). ولذلك ظهرت قواعد فقهية تؤكد أهمية العرف ووجوب احترامه في المعاملات مثل قاعدة (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) وقاعدة (التعيين بالعرف كالتعيين بالنص) وقاعدة (المعروف بين التجار كالمشروط بينهم).
ولعل من المناسب في هذا الصدد أن نشير إلى أن الإمام الشافعي، يرحمه الله، عندما انتقل إلى مصر من العراق أجرى تعديلا وتغييرا في بعض أحكامه القديمة التي كانت تتفق مع أعراف المجتمع العراقي ولكنها لا تلائم أعراف المجتمع المصري.
ولقد حدد مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي شروط العرف الصحيح الجائز شرعا اتباعه حيث قرر في قراره المتخذ في دورة مؤتمره الخامس في الكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 ما يلي:
أولا: يراد بالعرف ما اعتاد الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، وقد يكون معتبرا شرعا أو غير معتب.
ثانيا: العرف إن كان خاصا، فهو معتبر عند أهله، وإن كان عاما، فهو معتبر في حق الجميع.
ثالثا: العرف المعتبر شرعا هو ما استجمع الشروط الآتية:
أ‌- ألا يخالف الشريعة، فإن خالف العرف نصا شرعيا أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف فاسد.
ب‌- أن يكون العرف مطردا (مستمرا) أو غالبا.
ج- أن يكون العرف قائما عند إنشاء التصرف.
د- ألا يصرح المتعاقدان بخلافه، فإن صرحا بخلافه فلا يعتد به.

رابعا: ليس للفقيه – مفتيا كان أو قاضيا – الجمود على المنقول في كتب الفقهاء من غير مراعاة تبدل الأعراف.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن تحديد وإثبات العرف التجاري أمام المحاكم والهيئات القضائية؟ يمكن الإجابة عن هذا السؤال بأن على المحاكم كقاعدة عامة أن تستعين بأهل الخبرة في مجال نوع العمل التجاري محل المنازعة، وهذا ما استقر عليه القضاء التجاري في ديوان المظالم حيث قررت هيئة التدقيق في قرارها رقم 1/ت/ع، لعام 1412هـ، أن على الدائرة التجارية ـ إن هي رأت الاستناد إلى عرف معين ـ أن تأخذ رأي أهل الخبرة فيه لما هو معلوم أن العرف يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.
وفي بعض الدول أناط القانون بالغرف التجارية مهمة تحديد العرف التجاري فمثلا حددت المادة الأولى من القانون المصري الخاص بالغرف التجارية اختصاصات هذه الغرف ومنها (تحديد العرف التجاري). ويرى بعض فقهاء القانون التجاري المصري أن هذا الاختصاص محدود بحدود الاختصاص المكاني للغرف التجارية، فلا يجوز لأي غرفة تجارية أن تحدد العرف في غير مكان اختصاصها. أما في السعودية فإن نظام الغرف التجارية الصناعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 30/4/1400هـ، لم ينص صراحة على أن من اختصاصات الغرف التجارية تحديد العرف التجاري وإنما استنبط بعض فقهاء القانون التجاري السعودي هذا الاختصاص من الفقرة (ج) من المادة الخامسة من النظام المذكور حيث تقرر اختصاص هذه الغرف بإمداد الجهات الحكومية بالبيانات والمعلومات في المسائل التجارية والصناعية. وفي إحدى القضايا التجارية أيدت هيئة التدقيق في ديوان المظالم بموجب قرارها رقم 16/ت/4 لعام 1412هـ استطلاع الدائرة التجارية عن طريق الغرفة التجارية رأي التجار بشأن العرف التجاري بخصوص المسألة موضوع النزاع.
وأقترح أن يتضمن النظام الجديد للغرف التجارية الصناعية ـ المعروض على الجهات المختصة لإقراره ـ نصا يقرر صراحة اختصاص الغرف التجارية الصناعية في تحديد العرف التجاري، لأن من شأن هذا النص أن يزيل أي شك في اختصاص الغرف التجارية في هذا الشأن، فضلا عن أنه يمنح آراء الغرف التجارية ثقلا معنويا معتبرا في تحديد وإثبات العرف التجاري أمام المتنازعين والمحاكم التجارية المختصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي