مشهد اقتصادي جديد .. وعمل تعددي
جميعنا يعلم بأداء إندونيسيا الرائع على مدار جيل كامل، ما أدى إلى الحد من الفقر، وزيادة مستويات الدخل، وتحقيق الاندماج بسرعة في الاقتصاد العالمي.
وخلال الأيام القليلة الماضية، ازداد إعجابي بشجاعة إندونيسيا ودرجة صلابتها في مواجهة الكوارث الطبيعية التي ضربت جزيرتي لومبوك وسولاويسي. واسمحوا لي نيابة عن صندوق النقد الدولي، بأن أعرب مرة أخرى عن عميق تعاطفي وخالص عزائي لكل من فقد عزيزا. لقد ظل قادة إندونيسيا يعملون ليلا ونهارا للتخفيف من حدة المعاناة التي جلبتها هذه الأحداث المأساوية. ومع ذلك، فإنهم استمروا في إبداء حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة، وسمو الخلق في تعاملهم معنا منذ وصولنا.
حقيقي أن الاقتصاد العالمي يواصل نموه القوي، لكن هذا النمو موزع على نحو غير متوازن بين مناطق العالم وشعوبه، ويتجه حاليا نحو الثبات. وهناك بعض المخاطر آخذة في التحقق، مخاطر تهدد الاستقرار الاقتصادي والرخاء، مخاطر تهدد المبادئ والمؤسسات التي يرتكز عليها التعاون الدولي، التي عادت بالنفع الكبير على كثير من الناس سنوات عديدة.
حتى في فترة أقرب، كان هذا التعاون هو ما ساعد على إنقاذ العالم من السقوط من حافة هاوية الأزمة المالية العالمية، وهو ما يواصل دفع عجلة النجاح المذهل، الذي يتحقق في منطقة آسيان في الوقت الراهن.
ومما لا شك فيه أن هذا المنهج التعاوني، الذي تتبعه منطقة آسيان، يحمل لنا في طياته دروسا مهمة في الوقت الحالي. لماذا؟ لأننا ونحن ننظر إلى العالم اليوم، نواجه تحدي المشهد الاقتصادي الجديد على بعدين:
يشمل البعد الأول، وهو مألوف بشكل أكبر، المستويات النقدية والمالية العامة والمتعلقة بالقطاع المالي في تعاملاتنا الاقتصادية. ويتألف البعد الثاني، وهو أكثر صعوبة، من عناصر عدم المساواة والتكنولوجيا واستمرارية الأوضاع. وكلا البعدين مؤثران في الاقتصاد الكلي.
وفي سياق التعامل مع هذه المشكلات، نجد أن السياسات الداخلية السليمة تشكل بالتأكيد مطلبا ضروريا، ولكن خوض هذا المشهد الجديد يتطلب التعاون على المستوى الدولي، تعاونا مختلفا عن ذلك الذي عهدناه في الماضي.
وهذا ما أسميه "العمل التعددي الجديد". إنه عمل أكثر شمولا لجميع الأطراف، وأكثر تركيزا على البشر، وأكثر توجها نحو تحقيق النتائج.
اسمحوا لي بتفسير ما أعنيه:
1 - التحديات الاقتصادية الكلية والعمل التعددي الجديد
أولا، التحديات المألوفة أكثر. فلننظر إلى التجارة، شريان الحياة لاقتصاداتنا.
حتى على الرغم من أن التعاون التجاري كان القوة الدافعة وراء فترة غير مسبوقة من النمو والرخاء على مدار أكثر من 70 عاما، فإنه يشهد حاليا ردود فعل عكسية، ما يرجع جزئيا إلى إغفال أعداد كبيرة جدا من الناس. وتشير تقديراتنا إلى أن تصاعد التوترات التجارية في الوقت الراهن يمكن أن يخفض إجمالي الناتج المحلي العالمي 1 في المائة تقريبا على مدار العامين المقبلين.
ومن الواضح أن علينا نزع فتيل التصعيد في هذه النزاعات، ولكن من الواضح أيضا أننا نحتاج إلى إصلاح النظام التجاري العالمي؛ ليصبح أكثر كفاءة وعدالة وقوة لمصلحة كل الأمم والناس جميعا.
ويعني هذا أن نعمل، معا، على إصلاح النظام، وليس تدميره.
والأمر نفسه يسري أيضا على الاختلالات العالمية. فنحن نعلم أن عجز الحسابات الجارية الكبيرة هو انعكاس لفوائض كبيرة في الحسابات الجارية. لذا، فإن حماية الاستقرار الاقتصادي تقتضي عمل بلدان العجز المفرط والفائض المفرط على نحو تعاوني. وقد أكد الصندوق هذه النقطة في إصداره الأخير من "تقرير القطاع الخارجي".
وهناك تحد آخر مرتبط بهذا الأمر، وهو تصاعد مدى التعرض لمخاطر الديون. وقد أشرنا أخيرا إلى بلوغ حجم الدين العام والخاص رقما قياسيا قدره 182 تريليون دولار؛ أي 224 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، بزيادة قدرها 60 في المائة تقريبا مقارنة بعام 2007. ومع تضييق الأوضاع المالية قد ينعكس اتجاه الريح، خاصة بالنسبة للاقتصادات الصاعدة، ما يتسبب في انعكاس مسار التدفقات الرأسمالية. وقد تتسارع وتيرة هذا الوضع وتنتقل آثاره عبر الحدود، ما يخلف أثرا حقيقيا في الناس.
ولتلافي هذا الوضع، ينبغي أن تستكمل البلدان المختلفة سياساتها الداخلية بشبكة أمان مالي عالمية. ومن الممكن أن يأتي جانب من الموارد اللازمة لذلك من ترتيبات التمويل الإقليمية، مثل "مبادرة شيانج ماي". ويمكن أن توحد جهودها مع المؤسسة التي يستعان بها غالبا لتقديم العون؛ أي صندوق النقد الدولي. والتعاون الدولي ضروري لضمان توافر الموارد للصندوق.
ويسري مبدأ التعاون هذا على كل أنشطة الصندوق: الإقراض والرقابة وتنمية القدرات. ويسري كذلك على كل ما نقدمه لكم، بلداننا الأعضاء، من مشورة ودعم على مستوى السياسات، من إصلاح التنظيم المالي إلى شفافية الدين العام؛ ومن إدارة التدفقات الرأسمالية إلى مكافحة غسل الأموال.
في عالم اليوم الذي يتسم بالترابط الوثيق، لا يسع أي بلد معالجة هذه القضايا وحده. ونحن في حاجة إلى التعاون. والتعاون يسري في شرايين الصندوق.