لأول مرة .. تداولات السوق الثانوية لأدوات الدخل الثابت تتجاوز 10 مليارات ريال في 2019
أنهت السوق الثانوية لأدوات الدخل الثابت في السعودية - تنضوي تحتها أدوات الدين المدرجة للحكومة والشركات - العام الماضي 2019 بتحقيق مكاسب نوعية لم يسبق أن شهدتها السوق المخصصة لتداول "السندات والصكوك" في البورصة السعودية التي جاءت الموافقة على إنشائها في 2009.
ولأول مرة تجاوز إجمالي التداولات على تلك الأوراق المالية حاجز الـعشرة مليارات ريال. ووصلت أعداد شركات الوساطة، التي لعبت دورا في تنشيط السيولة الثانوية، إلى 12 شركة مقارنة بتسع شركات في 2018 "أي بارتفاع 33 في المائة".
وتعد تلك المخرجات نتيجة طبيعية للإصلاحات الاقتصادية لتنشيط أسواق الدين في السعودية التي يقوم بها "المركز الوطني لإدارة الدين" وشركة السوق المالية السعودية "تداول" وهيئة السوق المالية والجهات الحكومية الأخرى.
ومن المنتظر أن يشهد العام الجاري مزيدا من تلك الإصلاحات التي يبرز أهمها في التوجه نحو إطلاق "عدة مؤشرات" تهدف إلى قياس أداء أدوات الدين المدرجة في السوق السعودية.
وأظهر رصد "الاقتصادية" أن أربعة من صناع السوق المعينين من قبل "المركز الوطني لإدارة الدين" احتلوا المراتب الخمس الأولى من حيث إجمالي التعاملات التي قاموا بها من أجل تنشيط التداولات الثانوية خلال 2019.
في حين احتل أحد صناع السوق المعينين المرتبة السابعة من بين شركات الوساطة الأكثر تنفيذا للصفقات في السوق الثانوية، وجاءت بدلا منه في المرتبة الثالثة إحدى شركات الوساطة المحلية.
نظرة على التداولات
أسهمت الإصلاحات الاقتصادية لأسواق الدخل الثابت وبيئة الفائدة المحلية المتدنية، التي جعلت المستثمرين يبحثون عن العائد الأعلى، في رفع نسبة إجمالي التداولات الثانوية "لأسواق الدين القادمة من الحكومة والشركات" خلال فترة الـ12 شهرا من العام الماضي بمقدار 1188 في المائة مقارنة بجميع أحجام التداولات التي تمت في عام 2018 البالغ إجماليها 789 مليون ريال.
وسجل إجمالي تداولات "أدوات الدخل الثابت المدرجة" بنهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي 10.1 مليار ريال، حيث توزع تنفيذ تلك الصفقات بين 12 شركة وساطة.
وقبل أن ترتفع نسبة إجمالي التداولات الثانوية إلى 1188 في المائة خلال الـ12 شهرا الماضية، كانت تلك النسبة وصلت إلى 1158 في المائة "بقيمة 9.9 مليار ريال" بنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
واستند تحليل "الاقتصادية"، إلى أحدث البيانات الرسمية الصادرة من "تداول" التي كشفت عن إجمالي التداولات الخاصة بأدوات الدين السيادية وكذلك الخاصة بالشركات.
وكشفت البيانات عن إجمالي تداولات الصكوك والسندات بنهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) التي بلغت 234.8 مليون ريال، مع العلم أن شهر تموز (يوليو) لا يزال يحتفظ بأعلى تداولات شهرية في تاريخ أسواق الدين الثانوية عندما وصلت تلك التداولات إلى 1.9 مليار ريال.
التداولات اليومية
أظهر رصد "الاقتصادية"، انخفاض المعدل المتوسط لإجمالي التداولات اليومية لتبلغ 40.4 مليون ريال من بداية 2019 إلى نهايته "استثناء الإجازات الأسبوعية والعطل الرسمية".
وسجلت التداولات اليومية لأسواق الدخل الثابت نسبة انخفاض بلغت 6.9 في المائة بنهاية كانون الأول (ديسمبر)، مقارنة بما كانت عليه بنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) عندما بلغ المعدل المتوسط لإجمالي التداولات اليومية 43.5 مليون ريال.
ويعد الانخفاض في أحجام التداولات خلال شهر ديسمبر طبيعيا باعتبار أنه يتزامن مع "نهاية الفترة المحاسبية أو السنة التقويمية الخاصة بالقوائم المالية التي تغلق بنهاية كانون الأول (ديسمبر) من أجل الشروع في إعداد البيانات المالية للجهات المستثمرة، حيث يقوم المستثمرون المؤسسيون "سواء في السعودية أو في الأسواق الناشئة" بإقفال دفاترهم وكذلك إقفال الحسابات في نهاية السنة المالية.
لذا من الطبيعي أن تكون أحجام التداولات في السوق الثانوية "على مستوى أسواق الدين الدولية" في غير مستوياتها المعهودة بحكم توافق تلك الفترة مع موسم العطل الرسمية للمتعاملين والمستثمرين في تلك الأسواق.
عوامل محفزة
إضافة إلى العوامل الأخرى مثل سعي المستثمرين نحو العائد الأعلى "في خضم بيئة الفائدة المحلية المتدنية" وكذلك انخفاض رسوم التداول، فإن الزيادة في أحجام التداولات الإجمالية عن مستوياتها التقليدية تأتي في وقت تشهد فيه السعودية سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي مست أسواق الدخل الثابت المحلية، كان أولها التشريعات الخاصة بزكاة الصكوك الحكومية.
يُذكر أن الهيئة العامة للزكاة والدخل كشفت في آذار (مارس) من 2019 قرار الدولة بتحمل الزكاة وضريبة الدخل على الاستثمار في الصكوك والسندات الحكومية التي تصدرها وزارة المالية محليا "المقومة بالريال السعودي".
والزكاة وضريبة الدخل "التي ستتحملها الدولة" ستكون مقتصرة على العوائد السنوية لأدوات الدين "التي يتسلمها المستثمرون" وليس على قيمة الإصدار ككل.
وجاء تحمل الدولة للزكاة وضريبة الدخل المترتبة على الصكوك والسندات الحكومية ليعزز الاستثمار المحلي والدولي فيها. ويتماشى ذلك التوجه مع وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي التي كان من أهم مبادراتها معالجة المعاملة الزكوية، وطريقة الاحتساب، وكذا ضريبة الاستقطاع الخاصة بأدوات الدين.
مشاركة فعالة من صناع السوق
أجرت السعودية عدة مبادرات إصلاحية للنهوض بالتداولات الثانوية الخاصة بأدوات الدخل الثابت من سندات وصكوك.
وقبل قرار إعادة هيكلة المقابل المادي لجهات الإصدار والمتداولين وما رافقه من خفض لرسوم التداول خلال نيسان (أبريل) 2019، قامت السعودية بإدراج إصداراتها السيادية وتداولها لأول مرة خلال 2018. وتبع ذلك القرار الاستعانة بصناع السوق "المفوضين بتنشيط التداولات الثانوية للإصدارات الحكومية" وكلا الحدثين جاء في تموز (يوليو) 2018.
وأظهر رصد الصحيفة ارتفاع مساهمة صناع السوق الخمسة المعينين بعد أن رفعوا نسبة هيمنتهم لتصل إلى 80.85 في المائة من إجمالي التداولات التي تمت خلال الـ12 شهرا الماضية مقارنة بـ80.82 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. الأمر الذي يعني أن شركات الوساطة تلك قد تجاوزت الرقم الذي سجلته العام الماضي عندما وصلت نسبة التداولات التي كان لها أثر فيها إلى 71.8 في المائة.
وتظهر بيانات التداولات الثانوية بنهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تقاسم سبع شركات وساطة أخرى "لا تشمل صناع السوق الخمسة المعينين"، النسبة المتبقية من إجمالي حصة التداولات بنسبة 19.15 في المائة، مقارنة بحصتهم الإجمالية من تداولات أدوات الدخل الثابت في 2018 البالغة 28.2 في المائة.
رسوم التداول
في السابق، كانت رسوم التداول توصف من قبل المراقبين بأنها مبالغ فيها، حيث وصلت إلى عشر نقاط أساس "ثماني نقاط أساس تذهب إلى الشركات المرخصة "شركات الوساطة" ونقطتا أساس تقسم مناصفة بين هيئة السوق المالية وتداول".
وأحد أسباب حصول الشركات المرخصة على ثماني نقاط أساس يرجع إلى انعدام السيولة، ما يؤدي إلى صفقات محدودة شهريا. ولكن مستوى التداولات الشهرية أخذ مسارا مرتفعا منذ إدراج الديون الحكومية، ما أدى إلى تعظيم أعداد وقيم الصفقات المنفذة.
وفي شهر نيسان (أبريل) 2019، تم الإعلان عن حزمة من الإصلاحات التي طال انتظارها من قبل العاملين في أسواق الدخل الثابت في السعودية، حيث تمت إعادة هيكلة المقابل المادي للخدمات المقدمة لجهات الإصدار والمتداولين.
وإعادة هيكلة الرسوم تعد موجهة لشريحتين. الأولى هي جهات الإصدار؛ وهذه التعديلات ستسهم في تخفيض الرسوم ذات الصلة بالإدراج في البورصة بنسبة تلامس 25 في المائة. وهذا الرقم قد يزيد وينقص وفقا لعوامل متغيرة تتعلق بجهة الإصدار.
ثانيا، تم تخفيض رسوم التداول لمصلحة المستثمرين. حيث تصل حصة شركة تداول ما بين نقطة أساس إلى نصف نقطة، باستثناء الحالات التي يكون فيها أي من البائع أو المشتري متعاملا أوليا محددا، أي أقل من عمولة "ناسدك دبي" التي تصل إلى نقطتي أساس.
وينتظر لقرار رفع الضوابط الخاصة بعمولة شركات الوساطة، عبر إزالة الحد الأدنى والأعلى الخاص بتنفيذ صفقات الشراء والبيع، أن يقود لإيجاد المنافسة بين تلك الشركات عبر تقديم رسوم منخفضة لجذب العملاء.
وفي حال تنفيذ أي صفقة صكوك، تستقطع "تداول" حصتها من المقابل المادي وكذلك شركة الوساطة التي تم أمر الشراء أو البيع من خلالها.
شركات الوساطة
مع ارتفاع قيمة وحدة الصك الواحد "التي تعادل 1000 مقارنة بأسعار الأسهم"، فهذا يعني أن المعدل المتوسط لقيمة صفقات الصكوك الحكومية "للصفقة الواحدة" لكل مستثمر فرد ستكون أعلى عند مقارنتها بصفقات الأسهم. وعليه فمن الطبيعي أن تزداد رسوم تنفيذ صفقات شراء وبيع الصكوك التي تتحصلها شركات الوساطة.
وفي الوقت الذي تبلغ فيه أعداد شركات الوساطة المالية في سوق الأسهم السعودية 31 شركة، يتفاوت هذا الرقم مع سوق الصكوك والسندات. وبعد الرجوع لكافة شركات الوساطة التي نفذت صفقات شراء وبيع في السوق الثانوية "لأسواق الدين السعودية" خلال 2018 و2019، يتضح أن أعداد شركات الوساطة التي تم رصدها هي 12 شركة، من بينها خمس من صناع السوق.
*وحدة التقارير الاقتصادية