محللون دوليون لـ"الاقتصادية": السعودية قادت دفة "العشرين" بحرفية واقتدار وحلول واقعية للتحديات

محللون دوليون لـ"الاقتصادية": السعودية قادت دفة "العشرين" بحرفية واقتدار وحلول واقعية للتحديات

تحتل قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها تحت رئاسة السعودية في 21 و22 من الشهر الجاري، أهمية خاصة، تدخلها ضمن القمم التاريخية للمجموعة بامتياز، جزء منها يعود إلى أنها أول قمة للمجموعة تستضيفها السعودية، وأول قمة تعقد في دولة عربية.
لكن أهمية القمة الـ15 لا تنبع من ذلك فقط، ولا تقف عند تلك الحدود، إذ تعقد ضمن مجموعة من الظروف الدولية الاستثنائية، التي تضيف على قمة الرياض صبغة خاصة، تجعل أنظار العالم تتجه إليها، للوصول إلى تقييم حقيقي لدور المجموعة على المستوى العالمي، وما يمكن أن تمثله من إضافة كونية، مقارنة بكثير من المجموعات الدولية، التي تعمل على الساحة العالمية.
كما أن أنظار العالم تتركز على القمة تلك المرة، نظرا للظرف الراهن، سواء الناجم عن جائحة كورونا، أو التداعيات الاقتصادية للجائحة، وسط دور مميز للمجموعة للتعامل مع جميع تلك الأوضاع غير الاعتيادية.
قيادة السعودية لمجموعة العشرين، التي تعد منتدى رئيسا للتعاون الاقتصادي الدولي يمنح المجموعة ملمحا خاصا، ويضفي عليها طابعا مميزا في تلك المرحلة الحساسة للاقتصاد العالمي تحديدا، وتحمل الرياض في الوقت ذاته دورا ومسؤوليات غير تقليدية، بعضها ينبع من الدور، الذي تضطلع به السعودية على المستوى الإقليمي والدولي.
وبعضها الآخر ينبع من طبيعة تركيبة المجموعة ذاتها، والتي تضم دولا متقدمة وناشئة، ما يستوجب على القيادة السعودية العمل على قيادة دفة مجموعة العشرين بحرفية شديدة ومهارة فائقة، لتحقيق التوازن الداخلي لها.
ويأتي في ظل استفحال التنافسية الدولية بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة، دون أن تنأى الرياض في الوقت ذاته عن مجموعة القيم الأساسية، التي صيغت على أساسها الفكرة الرئيسة للمجموعة، والعمل على زيادة التفاعل بين الدول الأعضاء في القضايا المتعلقة بالمشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تواجهها البشرية في الوقت الحالي.
وفي الواقع، فإن قيادة مجموعة تمثل 80 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي، وثلثي سكان العالم، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية، يمثل في حد ذاته تحديا ينبع من ضخامة المجموعة وثقلها الدولي، بما يتطلبه ذلك من طرح رؤى جديدة وأفكار غير تقليدية، خاصة في مجال تنسيق السياسات النقدية والمالية.
ويزداد التحدي، الذي واجهته القيادة السعودية عند ترؤسها المجموعة، أن 2020 لم يأت في بحبوحة اقتصادية عالمية، وإنما في ظل ظروف اقتصادية صعبة نتيجة تفشي وباء كورونا، تدفع الدول إلى تبني مواقف اقتصادية متشددة غير متساهلة، وترافق ذلك مع هيمنة الحمائية الاقتصادية والحروب التجارية بقوة على الساحة الدولية.
وامتد ذلك إلى دول المجموعة، ما ألقى على الرياض بمزيد من الأعباء والتحديات، ليس فقط للوصول إلى حلول عملية ترضي جميع الأطراف، ولكن الأكثر خطورة أن تحافظ على مجموعة العشرين بصفتها ممثلا لميزان القوى الدولي الحالي أكثر من الكتل الدولية الأخرى، وأن تواصل الحفاظ على وجود الدول المتقدمة والناشئة كشركاء متساوين في مجموعة متعددة الأطراف، وهو ما أضفى على قيادة السعودية لمجموعة العشرين طابعا تاريخيا متفردا.
من جانبه، يرى البروفيسور جاك نيك أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد والاستشاري السابق لحكومة رئيس الوزراء جوردون براون، أن الطابع المعتدل والوسطي للسياسة الخارجية السعودية انعكس بشكل واضح على طريقة قيادتها مجموعة العشرين.
وأوضح لـ"الاقتصادية"، أن ذلك أسهم بشكل كبير في تفادي امتداد الخلافات، التي تشهدها الساحة الاقتصادية الدولية إلى داخل المجموعة، وسمح لها بمواصلة مسيرتها بصورة هادئة بعيدة عن الانفعالات والمشاحنات والتجاذبات الدولية.
وأشار البروفيسور جاك نيك إلى أن سعي الرياض لتنسيق أعمال المجموعة تحت شعار "اغتنام فرص القرن الـ21 للجميع" نجح في المزج بين النظرة المستقبلية من جانب والعمل على تحقيق مصالح "الجميع" عبر البحث عن جوانب الاتفاق المشترك، وتأجيل القضايا الخلافية الموترة، حتى تتبلور معطيات جديدة يمكن من خلالها تناول تلك القضايا دون أن يعصف الخلاف بالهيكل العام للمجموعة.
وأضاف أن "التحدي الاقتصادي مثل المعضلة الرئيسة، التي واجهت السعودية عند قيادة المجموعة الدولية، سواء عبر السعي لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي، أو من خلال تعزيز آليات التنمية المستدامة، أو دفع حركة التجارة الدولية والاستثمار".
وقال "إذا أخذنا في الحسبان النتائج السلبية لجائحة كورونا على أداء الاقتصاد العالمي، فإن قيادة السعودية لمجموعة العشرين أسهم بشكل فعال في الحد من التداعيات السلبية للجائحة، عبر تركيز الرياض بشكل مباشر على العمل على إنقاذ الدول النامية، ومنخفضة الدخل من الانهيار التام في مواجهة تفشي فيروس كورونا".
وبالفعل فقد التزم وزراء مالية المجموعة ومحافظو البنوك المركزية فيها على تمديد مبادرة تعليق خدمة الدين، والتي تجمد بمقتضاها مدفوعات الديون الثنائية الرسمية.
من ناحيته، عد الدكتور ستيفن مولر الاستشاري السابق في وزارة المالية البريطانية، أن تلك الخطوة تسهل معالجة مشكلة الديون في الدول منخفضة الدخل، ويمكن أن تسهم في شطب ديون تلك الدول التي تعاني أعباء ديون عالية.
وقال لـ"الاقتصادية" إن السعودية بالدفاع عن تلك الطروحات، كانت تأخذ في الحسبان أن ضغوط الأزمة الاقتصادية الناشئة عن جائحة كورونا، يمكن أن تدفع 150 مليون شخص في الدول النامية إلى هوة الفقر المدقع بحلول العام المقبل، ومن ثم، فإن القيادة السعودية كانت في الحقيقة تتحدث نيابة عن الاقتصادات النامية أو مدافعا عنها.
وذكر أن هذا الدور لا تقف أهميته عند حدود الاقتصاد، وإنما يضفي على مجموعة العشرين ككل صبغة ذات طبيعة عالمية وفعالة، ويحولها من مجموعة نخبوية إلى تكتل دولي يأخذ في الحسبان الأوضاع في الاقتصادات المتعثرة، وهذا يمثل تحولا نوعيا في مسار المجموعة، لأنه يعمق تواصلها مع الاقتصادات النامية ويوسع دائرة الوعي الدولي بأهميتها.
وأضاف، "إحدى النقاط، التي تحسب للسعودية عند قيادتها لمجموعة العشرين ما يمكن وصفه بالواقعية السياسية والاقتصادية في آن، إذ لم تطرح الرياض شعارات براقة يمكن أن تحظى بدرجة عالية من الشعبوية، التي يمكن أن تتحطم لاحقا على أرض الواقع، وإنما بنت نهجها العام على التركيز على المجالات، التي يمكن للمجموعة أن تحدث فيها تغييرات ملموسة".
وأضاف، "لتحقيق ذلك عملت دائما على تحقيق تعاون في القضايا العاجلة، وهو ما تجلى في قضية ديون الاقتصادات النامية المتعثرة، فقضية من هذا القبيل تحظى بقبول دولي بين دول المجموعة، وهذا النهج تحديدا سمح للمجموعة بتفادي انعكاس الخلافات الضخمة، التي كانت بين الولايات المتحدة والصين وبين الولايات المتحدة وعديد من دول المجموعة في قضايا أخرى مثل اللاجئين والهجرة والمناخ على مسار المجموعة".
إذن، فإن الرؤية الشمولية ذات الطابع الإيجابي، التي هيمنت على سلوك المملكة عند قيادة المجموعة، سمحت من وجهة نظر عديد من المحللين والخبراء بأن تتسم تحركات الرياض بدرجة عالية من المرونة، على الرغم من التعقيدات والأجواء المشحونة، التي هيمنت على المشهد الدولي خلال العام الذي تولت فيه الرياض قيادة هذا التكتل الدولي.
وتمكنت القيادة السعودية بفضل سعيها الدائم في البحث عن حلول تتصف بالواقعية والوسطية، من تحقيق نجاح ملموس مكنها من التوصل إلى اتفاق الحد الأدنى الفعال بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، محافظة بذلك على المجموعة وفاعليتها على الرغم من أعاصير الخلافات وأجواء التوتر، التي تهيمن على الساحة الدولية، وهو ما يعد إنجازا مميزا.

سمات

الأكثر قراءة