الهندسة الحضرية في المدن الذكية

المشروع الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز أخيرا باسم "ذا لاين" جاء تعبيرا عن علم أخذ يطفو فوق العلوم التي باتت تتجدد مع دخول العالم في ثورة الإنترنت وتقنية المعلومات، وبالتحديد أخذ يتجدد في مجال الهندسة الحضرية في المدن الذكية، وهذا العلم بدأ يحتل مكانة مرموقة ومتقدمة في قائمة العلوم العصرية التي استفادت من التطورات الهائلة في مجالات تقنية المعلومات. ومن ناحيتهم فقد بدأ الشباب ينخرطون في هذا التخصص المتجدد ويسعون للفوز بشهاداته العليا.
ويفترض هذا التخصص أن المناطق الحضرية هي مساحات أساسية للمنافسة والنمو الاقتصادي، ويلعب رأس المال ومراكز العمل، والمعرفة، والبنى التحتية، وطرق توزيعها داخل الفضاء الجغرافي وعبره دورا أساسيا ورئيسا في التنمية الاقتصادية والازدهار الحضري، وتصبح هذه العناصر بمنزلة مولدات رئيسة للتنمية الاقتصادية المستدامة، وتكون مجالا مشجعا لنشوء شركات تكنولوجيا الذكاء والمعلومات، كما أن هناك سعي دائم من قبل المناطق الحضرية المزدهرة كي تصبح أماكن ذكية ومستدامة من خلال استراتيجيات الخطط العمرانية الذكية التي باتت تفرض نفسها في كل مشاريع التنمية وبناء مدن المستقبل.
ولا شك أن مشروع الأمير محمد بن سلمان الموسوم باسم "ذا لاين" يعد من أهم المشاريع الحضرية التي بدأ العمل فيها ضمن مشاريع المدن الذكية في منطقة نيوم المزدهرة، ومن ثم الانتقال بنجاح إلى مدن المستقبل الذكية. ونستطيع القول إن علم الهندسة الحضرية أصبح اليوم متداولا في برنامج كثير من الجامعات ومقرراتها الدراسية سواء في الدول المتقدمة أو الناشئة، وحتى النامية على حد سواء، والهدف هو تخريج طلاب متخصصين في تحويل المناطق الحضرية المزدهرة إلى أماكن ذكية ومستدامة.
ونحن لو بحثنا في قوائم علوم الجامعات السعودية لوجدنا هذا التخصص يحتل رأس قائمة التخصصات في علوم الهندسة الحضرية وعلوم الاجتماع، ويبدو أننا سنشهد في المستقبل القريب طلبا متزايدا على هذا التخصص سواء بين الطلاب الراغبين في استكمال تعليمهم، أو في سوق العمل.
ونتوقع بتفاؤل كبير أن مشروع الأمير محمد بن سلمان "ذا لاين" سيكون حجر الزاوية في بزوغ فجر جديد لهذا العلم الذي ظل لفترة طويلة قابعا في أدراج الجامعات، وأن مقرر الهندسة الحضرية سيوفر المعلومات اللازمة لفهم المناطق الحضرية الجديدة والمتغيرة وبيئاتها التنافسية. ويتناول هذا البرنامج الاتجاهات الحديثة التي تشكل الاقتصادات الحضرية في القرن الـ21، كما يتضمن البرنامج تطبيق الأساليب الكمية المتطورة لدراستها بطريقة علمية، وفق منهج علمي مصمم للطلاب ذوي الخلفية القوية في علوم الرياضيات والاقتصاد. ويستهدف المقرر رجال الأعمال الذين يبحثون عن الابتكار في بناء وتعمير المدن الذكية ليتعرف الطلاب على الاتجاهات الخفية التي تهتم بتطور المناطق الحضرية.
إن هذا البرنامج يمكن الطلاب من امتلاك مهارات اقتصادية وفنية من خلال مقررات مثل اقتصادات تمويل الشركات، وعلم الاجتماع الحضري، وتقنية المعلومات وتأثيرها في بناء المدن الذكية، والتنظيم الصناعي، والمسؤولية البيئية، والاقتصاد القياسي، كما يدرسون معالجة القضايا الاقتصادية الحضرية من خلال دروس في الاقتصاد البيئي، والطاقة، والعقارات، وأنظمة المرور، والنقل، واقتصادات التنمية المحلية، ونظم المعلومات، وتقييم السياسات العامة. وفي هذا المقرر يدرس الطلاب التحليل الإحصائي، ومراقبة الواقع، وكذلك يدرسون النظرية الاجتماعية بما في ذلك الهجرة والاتجاهات الديمغرافية، والاقتصاد المحلي والفقر، والعلاقات العرقية، والاغتراب الاجتماعي، وتشكيل الطبقة، وإنتاج أو تدمير الهويات الجماعية والفردية، وفي المجمل هو دراسة سوسيولوجية للمدن ودورها في تنمية المجتمع ودعم الدولة... ولكن لا تزال واحدة من التطورات التاريخية الأكثر أهمية في فهم التحضر هي دراسة النتائج التي توصلت إليها مدرسة شيكاغو في الهندسة الحضرية ومحتواها يهدف إلى دراسة كيف يتفاعل التخطيط العمراني مع تقييم الحياة العمرانية والقروية للبحث عن حلول هندسية حضرية للمشكلات العمرانية مثل التضخم السكاني، والعشوائيات، وأزمات المرور، وتنظيم الحركة بين السكان والخدمات. وباختصار نستطيع القول إن التخطيط الحضري هو التخصص الذي يهتم بكل مناحي المنطقة الحضرية موضوع الدراسة، ويشمل تخصصات متعددة مثل تقنية المعلومات، والإدارة المحلية، والسياسة، والقانون، والاقتصاد، وعلوم الاجتماع، والهندسة، والبيئة وغيرها. ويوفر البرنامج للطلاب المعرفة والمهارات والخبرات التي يحتاجون إليها للنجاح في عدد من المسارات الوظيفية المختلفة مثل النقل، والطاقة، والبيئة، والعقارات، وإدارة، المناطق، الحضرية، والبنى التحتية، والخدمات.
ولذلك نتفاءل كثيرا بمشروع "ذا لاين" الذي سيعيد ابتكار تنشيط المجتمعات بجعلها مجتمعات إدراكية متعددة الاستخدام مع إتاحة فرص المشي في الحياة العامة للنسيج الحضري، وستكون الطاقة النظيفة هي المحرك بنسبة 100 في المائة لجميع أشكال وألوان الحياة بشكل متسق من خلال نظام رقمي متصل بأنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وستكون كل المجالات مهيأة للتنافس بين الذكاء الآلي والذكاء البشري، وهي الظاهرة التي يراهن عليها المبدعون وأصحاب العقول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي