تقرير: حماسة المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب تتضاءل

تقرير: حماسة المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب تتضاءل
تقرير: حماسة المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب تتضاءل

"في 22 نيسان (أبريل) عقد معهد واشنطن منتدى سياسيا افتراضيا مع نيت روزنبلات وناورين تشودري فينك. وروزنبلات هو مؤلف دراسة المعهد الجديدة "الخلافة التي تجمع: مواجهة تحدي محاور المقاتلين الأجانب"، وزميل "برنامج الأمن الدولي" في المؤسسة البحثية "أمريكا الجديدة". وتشودري فينك هي المديرة التنفيذية لـ"مركز صوفان" ومستشارة سياسية أقدم سابقة لشؤون مكافحة الإرهاب والعقوبات في "بعثة المملكة المتحدة" لدى "الأمم المتحدة". وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما".
نيت روزنبلات
قبل خمسة أعوام، هرب أحد مقاتلي تنظيم داعش مع أسرته، وعبر الحدود إلى تركيا، وقبل تخليه عن مسيرة حياته كعنصر في وحدة الأمن الداخلي التابعة للتنظيم، سرق محرك أقراص فلاش من مكتب رئيسه وقدمه لاحقا إلى السلطات الأوروبية مقابل حصوله على حصانة من الملاحقة القضائية، واحتوى ذلك المحرك على نماذج تسجيل لنحو 3500 مقاتل من مختلف أنحاء العالم، ما يجعله أكبر مخزن لبيانات التسجيل العلنية الخاصة بالتنظيم.
وتكتسي البيانات قيمة خاصة بسبب خصوصيتها، فهي تكشف أن عديدا من المقاتلين الأجانب جاءوا من "مراكز" تجنيد محلية متفاوتة الحجم راوحت بين أحياء فردية في مدن إلى مناطق أكبر من دولة ما، وكان بعض هذه المراكز يقع ضمن تجمعات حضرية كبيرة، في حين كان يغلب الطابع الريفي على بعضها الآخر، لكن برز من جميعها أعداد كبيرة من المقاتلين بشكل متفاوت. وفي الشرق الأوسط، وفرت المراكز التي تضمنت فقط 11 في المائة من إجمالي سكان المنطقة نحو 75 في المائة من مقاتليها الأجانب.
واختلفت العوامل التي دفعت بهؤلاء المقاتلين إلى القتال في سورية والعراق، فبالنسبة إلى كثيرين، فاقت الحوافز المالية المخاطر المرتبطة بالانضمام إلى تنظيم داعش، واعتقد آخرون أن الانتماء إلى "داعش" سيحميهم من الجماعات المسلحة المنافسة أو السلطات المحلية، وكان عديد منهم يقلدون على الأرجح خطوات أحد أصدقائهم أو أفراد أسرتهم، على سبيل المثال، في أحد المراكز الواقعة في ضواحي تونس العاصمة، أشار 81 في المائة من المجندين المسجلين إلى أنهم كانوا يعرفون شخصا واحدا على الأقل سافر إلى سورية للقتال، وبالتالي، مع اتساع نطاق النشاط المسلح في مناطق التنظيم والمراكز التابعة لها على حد سواء، ازدادت أيضا احتمالية انضمام مزيد من العناصر القادمة من أحد هذه المراكز إلى صفوف التنظيم.
وبالمثل، كلما كان المركز أكبر حجما، كان التنظيم قادرا على تجنيد أعضاء جدد بسهولة أكبر. وفي عديد من المراكز، هيمنت عناصر "داعش" أو الأفراد التابعون للتنظيم على جهاز الأمن المحلي، لذلك غالبا ما كان الانضمام إلى التنظيم هو الخيار الأكثر أمانا للسكان، كما منح هذا التوغل تنظيم داعش نظرة معمقة مهمة إلى الشخصيات والشكاوى المحلية، ما مكن المجندين من تجميع دراسات حالة حول المقاتلين المحتملين واختيار الظروف الأكثر ملاءمة لتجنيدهم.
وهناك عديد من السمات البارزة التي تميز المقاتلين القادمين من المراكز عن المقاتلين الذين لم يأتوا منها، أولا، كان "مقاتلو المراكز" في المتوسط أصغر بثلاثة أعوام عن المقاتلين الأجانب الآخرين، ثانيا، كانوا أقل احتمالا بأن يكونوا متزوجين أو لديهم أطفال، ثالثا، كان نصفهم على الأرجح يتمتع بخبرة سابقة في مجال القتال في الخارج.
وتشير هذه السمة الأخيرة إلى التهديد الخطير الذي تطرحه هذه المراكز، فهي ليست المحركات الرئيسة للتجنيد خلال الحملات الجهادية الكبرى فحسب، لكنها أيضا بوابة للجهاد الدولي عندما تراجعت حدة هذه الصراعات. وتجذب مراكز تنظيم داعش أعدادا غير متكافئة من المجندين إلى صفوف المقاتلين الأجانب، وهم مسلحون معروفون بمفاقمتهم للصراعات في أنحاء العالم وإطالة أمدها، وقد لا يكون لدى عديد من هؤلاء الأفراد ساحة معركة للقتال في الوقت الراهن، لكنهم ما زالوا يشكلون تهديدا للسكان المحليين والأمن القومي الأمريكي.
ولسوء الحظ، تضمن الظروف الحالية داخل مراكز التجنيد وحولها تقريبا موجة مستقبلية من المقاتلين الأجانب، ويؤدي تدهور الآفاق الاجتماعية والاقتصادية والحريات السياسية في عديد من دول الشرق الأوسط إلى تفاقم الشكاوى وتقويض قدرة المواطنين على التعبير عن آرائهم من دون خوف من انتقام الدولة، إضافة إلى ذلك، غالبا ما تؤدي كثرة الحروب الأهلية "المدولة" في المنطقة إلى إلهام الأفراد للتصدي للغزاة الأجانب وعد الصراعات معارك أيديولوجية. من ناحية أخرى، يؤدي الإحجام واسع الانتشار عن إعادة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم إلى قيام مجموعة من المجندين شبه المحترفين القادرين على الانتقال بين صراع وآخر، ومن خلال تخلي الحكومات عن مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم داعش، فهي تسهم بشكل غير مباشر في الموجة التالية.
ناورين تشودري فينك
تضاءل كثير من حماسة المجتمع الدولي للاستثمار في استراتيجيات أكثر فاعلية لمكافحة الإرهاب بعد أن خسر تنظيم داعش، ومع ذلك، فالآن هو الوقت المثالي لتركيز الاهتمام والموارد على استراتيجيات الوقاية بدلا من مجرد انتظار اندلاع الأزمة التالية.
وخلال فترات ذروة العنف الإرهابي، يتم إيلاء أهمية كبيرة لمسألة الأيديولوجيا كعامل محفز، لكن يجب في الوقت نفسه تحليل بروز مراكز المقاتلين الأجانب، بما أنها تظهر الدور الرئيس الذي لعبه مجتمع المقاتلين. فعندما ينخرط أصدقاء وأسرة شخص ما في جماعة متطرفة، تزداد جاذبية الجماعة في نظره ويسهل عليه بصورة أكثر الانضمام إلى صفوفها. ويمكن لهذه الانتماءات والولاءات أن تتخطى العلاقات المباشرة والمحلية، وتعاطف عديد من المقاتلين، ولا سيما خلال الموجة الأولى التي أعقبت الانتفاضة السورية، مع أولئك الموجودين في مجتمعاتهم المتصورة في الخارج الذين كانوا يتعرضون لضغوط هائلة، وقد ساعدت هذه الدوافع على جذب مقاتلين من دول من خارج منطقة المشرق العربي، بما فيها أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
وتمثل محفز قوي آخر في وجود نساء وأطفال يبدون وكأنهم يمارسون حياتهم اليومية في مناطق سيطرة التنظيمات، وساعدت مثل هذه الصور على إضفاء الشرعية على سردية تنظيم داعش، بأن حكمه لم يكن مناسبا فقط لمقاتلي الصفوف الأمامية، بل لعائلاتهم أيضا، وكان ما يقرب من 20 في المائة من المقاتلين الأجانب من النساء، على الرغم من أنه غالبا ما يتم تصويرهن على أنهن ضحايا عاجزات تم خداعهن للقدوم إلى أراضي التنظيم، إلا أنه كان لديهن عديد من الدوافع للانضمام إلى التنظيم، مثل الرجال. وبالطبع، تم التلاعب بعقول بعضهن أو إرغامهن على السفر "والانخراط في التنظيم"، لكن البعض الآخر غادرن أوطانهن بسبب إيمان قوي بقضية التنظيم، وواقع أن عديد من النساء أظهرن ولاء مستمرا لتنظيم داعش حتى بعد سقوطه يسهم في الحفاظ على شرعية التنظيم.
ولوقف الموجة القادمة من المقاتلين الأجانب، على العاملين في مجال مكافحة الإرهاب القيام أولا بتبديد الظروف التي تجعل مراكز التجنيد بيئة حاضنة للتطرف. وفي هذا المجال، بإمكان الولايات المتحدة الاستفادة من شراكاتها المحلية والدولية لتعزيز التنمية وبناء القدرة على الصمود، لكن خلال قيام المسؤولين بذلك، عليهم توخي الحذر لعدم وصم هذه المراكز وعزلها بشكل أكبر، وهو أمر غالبا ما يحصل بسبب وصمة العار الماضية النابعة من صراعات عرقية أو طبقية أو قبلية، وسيتطلب ذلك التشاور مع الجهات الفاعلة المحلية التي تتمتع بالخبرة ومشاركتها النشطة التي يمكنها تحديد مظالم المجتمع وكسب ثقته، إضافة إلى ذلك، يمكن للشركاء في المجتمع المدني المساعدة على انخراط الأفراد الذين يشعرون بمثل هذه المظالم ومنحهم سبلا موثوقة للعمل على صعيد الدولة أو الصعيد المحلي.
ويمكن للدعم الدولي أن يكمل المبادرات الأمريكية، فقد نفذت الأمم المتحدة وهيئات أخرى استثمارات كبيرة في بناء القدرات، وينبغي توسيع هذه الجهود لتشمل حقوق الإنسان وتوفير خدمات أمنية تراعي الفوارق بين الجنسين. يذكر أن التعاون القانوني ضروري أيضا، ليس فقط لوقف تدفق المقاتلين ومحاكمة الأطراف العنيفة، بل أيضا لضمان عدم استغلال الدول لمهمات مكافحة الإرهاب من أجل قمع المعارضة السلمية.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون الشبكات الاجتماعية نفسها التي تغذي مراكز المقاتلين الأجانب جزءا أساسيا من الحل أيضا، ويزيد المجتمع المتماسك من احتمالية قيام صديق أو فرد مهتم من العائلة بمنع وصول الشخص إلى مرحلة التطرف، وبالتالي، من الضروري تقديم المساعدة لهذه المجتمعات حين تطلب ذلك.
كذلك، تسلط عوامل مماثلة الضوء على أهمية إعادة المقاتلين الأجانب إلى دولهم وتحويل الانتباه إلى المساءلة والقضاء على التطرف. وعندما ترفض الدول إعادتهم، فإنها تؤدي إلى تفاقم الشكاوى بين السكان الساخطين وتمكن شبكات المقاتلين من تنظيم صفوفها في أماكن مثل مخيم الهول للاجئين. عوضا عن ذلك، يجب السماح لعدد أكبر من الأفراد بالعودة، شرط خضوعهم لإجراءات التدقيق المناسبة الخاصة بتقييم المخاطر قبل إعادة دمجهم في مجتمعاتهم. ولن تحدد طريقة تعامل المجتمعات والحكومات مع هؤلاء العناصر السابقين في تنظيم داعش آفاق إعادة دمجهم الفردية فحسب، بل ستؤثر أيضا في أماكن وطريقة إنشاء مراكز التجنيد في المستقبل.

الأكثر قراءة