إفريقيا .. لعنة الموارد أم تربص الأجانب؟

إفريقيا .. لعنة الموارد أم تربص الأجانب؟
سعت باريس إلى التغطية على هذه العودة القوية إلى حديقتها الخلفية.

احتفى الأفارقة الثلاثاء المنصرم 25 أيار (مايو) باليوم الدولي للقارة الإفريقية، الذي يصادف ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، حيث وقع قادة 30 دولة إفريقية مستقلة الميثاق التأسيسي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وفي عام 2002 تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الإفريقي، بهياكل إدارية ومؤسسات تقريرية وأجهزة تنفيذية، بدلا عن منظمة الوحدة الإفريقية، وذلك بهدف تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل القارة، وتعزيز مواقف إفريقيا على الصعيد الدولي بشأن قضايا شعوبها.
واختار الأفارقة تخليد احتفالية هذا العام، تحت شعار "الفنون والثقافة والتراث: الروافع لبناء إفريقيا التي نريدها"، فهذه المناسبة فرصة لتسليط الضوء على تسخير الفنون والثقافة والتراث كأدوات لدعم بناء إفريقيا، عبر ما جاء في كلمة أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، بهذه المناسبة، حيث أكد أن "تراث إفريقيا الثقافي والطبيعي الغني والمتنوع، له دور مهم في تحقيق التنمية المستدامة، والحد من الفقر، وبناء السلام والحفاظ عليه".
يذكر أن إفريقيا تعد مهد الإنسانية، وأصل عدد كبير من الشعوب واللغات والأديان والتقاليد، لكن هذا لا يجب أن يحجب السجلات المحزنة التي تحتفظ بها القارة السمراء، فنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو الأدنى عالميا، ولا يبدو أن التطور في القارة يسير في منحى تغيير هذا الوضع، على الرغم من الموارد الطبيعية والإرث الثقافي الكبير الذي تزخر به القارة، الذي يكفي لو أحسن استغلاله لتغيير حال الدول وأحوال شعوب وأمم القارة السمراء.
وتبقى عوائق كثيرة حائلة دون تحقيق ذلك، لعل أحدثها تحول القارة الإفريقية، في الأعوام الأخيرة، نحو قطب عالمي للإرهاب والتطرف، بعد كسر شوكة التنظيمات المتطرفة، أمثال "داعش" و"القاعدة" وأخواتهما في الشرق الأوسط. ويبقى اللافت للنظر، بحسب باحثين ومراقبين، هو أن بؤر تمدد الإرهاب في إفريقيا تكون في مناطق الثروات الاقتصادية المستحدثة في القارة، ووفق خطوط الاهتمام الاستراتيجي للدول الفاعلة في القارة.
يحيي ارتباط التمرد "العنف" بظاهرة الاستغلال الاقتصادي أطروحة "لعنة الموارد" التي اعتمدت من قبل عديد من الباحثين لتفسير ظاهرة الإرهاب في معظم الدول الإفريقية. وحظيت هذه المقاربة بالمصداقية في الواقع، عقب تزايد أعداد المواطنين المشاركين في التنظيمات الإرهابية، من أجل التضامن الاجتماعي والاقتصادي، بغض النظر عن العائد السياسي، فهدفهم يكون في الأساس تكوين صلات أو مصالح اقتصادية مع العناصر الأخرى، بعدما فشل، بسبب العجز أو غلبة الأخرين، عن نسجها داخل بنيات دولته، فهدفه أسمى من الجري وراء تحقيق أجندة الجماعة الإرهابية.
تصلح هذه الأطروحة لتفسير احتدام الصراع مجددا على القارة، واستعادة دول كبرى أساليب وممارسات من الحقبة الاستعمارية، ففرنسا، على سبيل المثال، ماضية في سياسة تدخلية جديدة في شؤون إفريقيا، منذ مطلع العقد الثاني من القرن الحالي، فبعد توجيه ضربات عسكرية مشتركة مع بريطانيا أسهمت في إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا، ومساهمة باريس عسكريا في القبض على الرئيس الإيفواري السابق لوران غباغبو في نيسان (أبريل) 2011، جاءت لحظة التدخل العسكري المباشر عام 2013، بنشر باريس قواتها في مالي ضمن عملية سيرفال "القط الأنمر"، التي توسعت في آب (أغسطس) عام 2014، ليشمل نطاقها، إضافة إلى مالي، كلا من بوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد، تحت اسم عملية برخان "هلال الرمل"، بقوة قوامها أزيد من خمسة آلاف جندي.
وسعت باريس جاهدة، خلال الأعوام الماضية، إلى التغطية على هذه العودة القوية إلى حديقتها الخلفية، والاستغلال المفضوح لخيرات وثروات القارة السمراء، بحجة محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، لأجل ذلك أطلقت بمعية ألمانيا في عام 2017، مبادرة "التحالف من أجل منطقة الساحل"، بهدف تعزيز التعاون مع دول الساحل الخمس. أعقبها، في شهر آب (أغسطس) 2019، "ميثاق الشراكة" من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، قصد تعزيز الجهود الأمنية في دول المنطقة، وزيادة التنسيق بين المجتمع الدولي والدول الإفريقية في الساحل.
ثم جاءت فكرة تأسيس قوة عسكرية خاصة، مستهل عام 2020، باسم "تاكوبا" لمساندة الجيش الفرنسي في منطقة الساحل، بعد الإعلان، في قمة "باو"، عن عجز قوة برخان عن التصدي للتهديدات الإرهابية، في الساحل والصحراء. وعجز الخزينة الفرنسية عن تحمل الإنفاق، بعد أن تضاعفت الميزانية خلال سبعة أعوام "2013-2019" من 584 مليون يورو إلى أكثر من 1.17 مليار يورو.
تقاتل فرنسا في إفريقيا لمحاربة الإرهاب، لكن قتالها أشد ضراوة من أجل حماية الاقتصادات الفرنسية في القارة الإفريقية "توتال، سوسيتيه جنرال، شنايدر، إلستوم، بويج، أورنج..." من تربص قوى دولية تبحث لها عن مكانة في القارة السمراء. وفي واقعة إفريقيا الوسطى خير دليل، حيث اغتنمت روسيا فرصة انسحاب باريس، فكسبت موطئ قدم في دولة إفريقية، في مركز القارة الإفريقية، غني بالموارد الطبيعية والمعدنية.
روسيا ليست القوة الوحيدة المتربصة بالقارة الإفريقية، فإلى جانبها تحضر الصين التي تحاول ملء الفراغ الأوروبي بمشروع "طريق الحرير الجديد"، الذي بدأ يعطي الثمار مع بعض الدول مثل أنجولا في مجال النفط، وزامبيا في ميدان الطيران والكونغو في المجال المصرفي ودول أخرى في الطريق. وهناك تركيا التي تتمركز بقوة في نيجريا، بجوار تجمع دول الساحل، فهي أكبر شركاء تركيا التجاريين في القارة، بحجم تجارة ثنائية وصل إلى 2.3 مليار دولار، في عام 2019.
كان شعار "إسكات البنادق" موفقا في احتفالية العام الماضي، عكس ما عليه الحال في يوم إفريقيا هذا العام، فما من شك في أن الفنون والثقافة والتراث روافع أساسية للبناء الثاني للقارة، أما البناء الأول فيتمثل في بناء الذات الإفريقية، بفرض استقلالية القرار السياسي والاقتصادي عن التبعية للآخرين. بعد ذلك فقط، يمكن البحث عن السبل الكفيلة ببناء قارة المستقبل بعقول وسواعد إفريقية، ما يعني بالضرورة والاستلزام رفع شعار "حلول إفريقية لمشكلات إفريقيا".

الأكثر قراءة