اليسار الأمريكي واليمين الإسرائيلي .. فتور أم معادلة جديدة في العلاقة؟

اليسار الأمريكي واليمين الإسرائيلي .. فتور أم معادلة جديدة في العلاقة؟
اكتسبت الحرب الأخيرة زخما عالميا نتيجة للتغطية الفردية لآثار الضربات، ووقوع الضحايا.

لعل الحرب الأخيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية بين إسرائيل والحركات المسلحة الفلسطينية في غزة عرت فتور العلاقة بين الإدارة الأمريكية الحالية ذات الطابع الديمقراطي وحكومة اليمين الإسرائيلية، التي تعيش آخر أيامها، بعد فشل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء في تحقيق أي أهداف ترضي خصومه الكثر وحتى حلفاءه، فالأمريكيون لم يعودوا على استعداد كما في السابق لمنح إسرائيل تفويضا مفتوحا حول معاملتهم القاسية للفلسطينيين، خصوصا بعد اتهام إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين، وإدارة "دولة فصل عنصري"، إذ تغض الطرف الحكومة الإسرائيلية عن المتشددين اليهود في القدس، وهم سبب التصعيد في التوتر، واشتعال فتيل المواجهة العسكرية بين الطرفين، كما أنهم ما زالوا يمارسون الاستفزازات باقتحام المسجد الأقصى حتى بعد وقف إطلاق النار، إضافة إلى محاولات إسرائيل القانونية لإخلاء عائلات فلسطينية مقيمة في حي الشيخ جراح في مدينة القدس بالقوة.
يميل المزاج العالمي إلى أحقية الفلسطينيين في أن يحظوا بحياة آمنة ومستقرة، بعيدا عن المآسي والويلات، التي يعيشونها جراء ممارسات الاحتلال، وحملات الاستيطان، كما ترى شريحة كبيرة أن للفلسطينيين المستوى نفسه من الحق في العيش بسلام وطمأنينة كما يعيش مواطنو دولة إسرائيل، فيما تتوجه الجهود الدولية إلى تقديم مزيد من السلام والاستقرار في المنطقة، في ظل منطقة أرهقها الإرهاب والدمار، ولم يعد مجديا الصمت الرسمي على ممارسات الحكومات اليمينية المتطرفة بحق المدنيين، وهذا ما شكل انقساما في المجتمعات الغربية تجاه الفلسطينيين.
تقف إدارة بايدن أمام تحد صعب، بتبنيها استراتيجية الدفاع عن حقوق الإنسان عالميا، وجعلها ركنا رئيسا من مكونات سياستها الخارجية، ولا يوجد ما يمنع دولا مثل روسيا والصين من أن تشير إلى المعايير المزدوجة التي تتبناها واشنطن، لأنها ترى تناقضا ونفاقا بشأن القضية الفلسطينية والدعم الأمريكي لإسرائيل، فيما يواجه الموقف الأمريكي المتوازن تعارضا مع واقع إسرائيل، التي تحولت سريعا إلى اليمين، حيث لم تتشكل حكومة في إسرائيل يقودها يسار الوسط منذ 2001، بل إن يسار الوسط في إسرائيل يضم عناصر متشددة مثل حزب بيني غانتس وزير الأمن، زعيم حزب "أزرق أبيض"، الذي قال: "إن إسرائيل لن تستمع للمواعظ الأخلاقية عندما تتعرض حياة مواطنيها للخطر".
تتمحور سياسة بايدن تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على تجميد الصراع، من خلال العمل على إعادة إعمار غزة ضمن الشروط التي طرحها أنتوني بلينكن خلال زيارته المنطقة، وتقديم مساعدات اقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية بما يمنع انفجار الوضع فيها، وإعادة التمسك بالمواقف الأمريكية التقليدية "السابقة على إدارة ترمب" تجاه القدس والمستوطنات، لكن من دون الانخراط في جهد حقيقي لحل القضية الفلسطينية، حيث لا يستطيع الرئيس بايدن تجاهل الانقسام الحاصل في الحزب الديمقراطي، وفي المجتمع الأمريكي حول إسرائيل، لذا سيميل إلى اتخاذ مسار وسط، أي محاولة إيجاد طريقة لدفع إسرائيل إلى تبني مواقف إزاء القضية الفلسطينية ترضي الديمقراطيين دون تجاهل علني لمخاوف إسرائيل الأمنية، إلا أن مشكلته الرئيسة تكمن في أن السياسة الإسرائيلية تتجه نحو مزيد من اليمين.
تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من إقناع الرئيس ترمب بقطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية، لكن هذا التقارب والدعم لإسرائيل تحول إلى قضية حزبية في السياسة الأمريكية، حيث تسببت علاقات نتنياهو الوثيقة بترمب وانحيازه إلى الحزب الجمهوري في إبعاد بعض الديمقراطيين عن إسرائيل، وتشير دراسات رأي عام أمريكية إلى أن أغلبية الناخبين الديمقراطيين يؤيدون فرض عقوبات، واتخاذ شكل من أشكال الإجراءات الأكثر صرامة ضد إسرائيل بسبب توسعها في بناء المستوطنات، وإذا لم يعد حل الدولتين ممكنا، فإن أغلبية كبيرة من الأمريكيين، بما في ذلك أغلبية الجمهوريين، يفضلون أن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية، حتى لو لم تعد دولة يهودية على أن تكون دولة يهودية من دون مساواة كاملة لجميع مواطنيها.
وأشارت الدراسات الصادرة عن معهد جالوب أخيرا، إلى أن الديمقراطيين لم يعودوا ينظرون بشكل موحد إلى الإسرائيليين على أنهم الجانب الخير في الصراع مع الفلسطينيين، حيث إن 43 في المائة فقط من الديمقراطيين يتعاطفون أكثر مع الإسرائيليين، بينما قال 38 في المائة منهم: إن تعاطفهم أكثر مع الفلسطينيين، وبالمقارنة باستطلاع للرأي أجري في 2019: إن 35 في المائة، من الديمقراطيين ينظرون إلى الإسرائيليين بشكل سلبي، مقارنة بـ18 في المائة من الجمهوريين، بينما كشف الاستطلاع نفسه عن أن 58 في المائة من الديمقراطيين ينظرون إلى الفلسطينيين بشكل إيجابي، مقابل 32 في المائة من الجمهوريين، حيث يسود اعتقاد لـ66 في المائة من الديمقراطيين أن ترمب كان يفضل الإسرائيليين أكثر من اللازم.
بدورها، أحرجت رشيدة طليب، العضو الوحيد في الكونجرس من أصول فلسطينية، الرئيس بايدن خلال الزيارة التي أجراها في 18 مايو 2021 إلى ولاية ميتشيجان التي تمثلها طليب، حيث أعربت عن رأيها بضرورة فعل المزيد لمنع إسرائيل من قصف غزة، كما ساند طليب موقف السيناتور بوب مننديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي أصدر بيانا قال فيه: "إنه يشعر بانزعاج كبير نتيجة الضربات الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل مدنيين فلسطينيين، وتدمير برج الجلاء، الذي يضم مكاتب لوسائل إعلام في غزة"، مطالبا الطرفين بـ"احترام قواعد وقوانين الحرب"، والتوصل إلى حل سلمي للقتال، ويعترف مننديز بأنه أحد حلفاء إسرائيل العنيدين في الحزب الديمقراطي، حيث عارض الاتفاق النووي الإيراني، الذي توصل إليه الرئيس باراك أوباما عام 2015 مع إيران، بسبب معارضة إسرائيل لهذا الاتفاق.
اكتسبت الحرب الأخيرة زخما عالميا نتيجة للتغطية الفردية لآثار الضربات، ووقوع الضحايا، الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، لتسلط الضوء على معاناة المدنيين جراء الصراع الجاري هناك، وعلى الرغم من جهود بعض وسائل التواصل الاجتماعي من محاربة المحتوى الفلسطيني، إلا أن ذلك لم يمنع من إيصال صوت المدنيين الضحايا وذويهم إلى العالم أجمع، لتتم ممارسة الضغوطات بكل أشكالها على الحكومات الغربية لوقف الصراع الجاري هناك.
ويعتقد جوناثان فريدلاند، الكاتب في صحيفة "الجارديان"، في مقالة بعنوان: "على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان: أن ثقل الرأي العام ينقلب ضدها"، وأنه ربما تتم إعادة صياغة الأمر ليس على أنه صراع وطني بين مطالبات متنافسة، لكن باعتباره مسألة تتعلق بالعدالة العرقية، بل إنه يمكن لوسم فلسطين حرة FreePalestine# أن يكون في طريقه للانضمام إلى وسم حياة السود مهمة BlackLivesMatter# كمسألة يعدها جيل عالمي ذات أهمية قصوى، التي لا تقتصر المشاركة فيها على السياسيين فحسب، بل على الشخصيات البارزة في الثقافة الشعبية، من لاعبي كرة القدم إلى المطربين وحتى المؤثرين في الموضة مع ملايين من المتابعين.

الأكثر قراءة