عودة التهديد المالي «2 من 2»

تعثرت البنوك المركزية في حالة من الاتكالية المتبادلة غير الصحية مع الأسواق، ففقدت مرونة السياسات وجازفت بخسارة مصداقيتها في الأمد الأبعد التي تعد حاسمة لضمان فاعليتها. في هذه العملية ارتفعت الأصول الخاضعة للإدارة والديون الهامشية إلى مستويات غير مسبوقة، وكانت هذه أيضا حال المديونية وميزانية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي العمومية. نظرا للأحجام التي انطوى عليها هذا الأمر، فليس مستغربا أن تتقدم البنوك المركزية خصوصا بحرص وحذر شديدين هذه الأيام، خشية أن تتسبب في تعطيل أو إرباك الأسواق المالية على النحو الذي قد يقوض التعافي الاقتصادي بعد الجائحة. على طريق القطاع المالي السريع، حيث يقود عدد كبير للغاية من المشاركين بسرعة هائلة، وبعضهم بتهور واضح كدنا نتعرض بالفعل لثلاث حوادث هذا العام تشمل سوق الديون الحكومية، وتثبيت مستثمري التجزئة لصناديق التحوط في الزاوية، ومكتب الأسر المفرط في استخدام الروافع المالية الذي تسبب في خسارة حفنة من البنوك ما يقدر بنحو عشرة مليارات دولار. وبفضل بعض الحظ الحسن، وليس تدابير منع الأزمات الرسمية، لم تتسبب أي من هذه الحوادث في إشعال حرائق كبرى في النظام المالي ككل.
يبدو أن علاقة الاتكالية المتبادلة التي تطورت لفترة طويلة بين البنوك المركزية والقطاع المالي دفعت صناع السياسات إلى الاعتقاد بأنهم ليس لديهم أي اختيار غير غزل القطاع عن الواقع القاسي الذي فرضته الجائحة. وأسفر هذا عن انفصال أشد إذهالا بين "وول ستريت" و"مين ستريت"، وأعطى دفعة إضافية مقلقة للتفاوت في الثروة. خلال الـ 12 شهرا التي سبقت نيسان (أبريل) 2021، زادت ثروة أصحاب المليارات المجمعة في القائمة العالمية السنوية التي تنشرها مجلة "فوربس" بمقدار غير مسبوق بلغ خمسة تريليونات دولار، لتصل إلى 13 تريليون دولار. وارتفع عدد أصحاب المليارات في العالم بنحو 700 عن العام السابق، ليصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بأكثر من 2700.
من غير الحكمة أن يأمل صناع السياسات في الأفضل فحسب - إنه تحديدا ذلك النوع من الحلول المالية المفاجئة التي تأتي على نحو أشبه بالمعجزة، حيث يعوض التعافي الاقتصادي القوي السريع عن الزيادة الهائلة في الديون، والروافع المالية، وتقييم الأصول. بدلا من ذلك، ينبغي لهم أن يتحركوا الآن لتخفيف المخاطر المفرطة التي يخوضها القطاع المالي. ويجب أن يشمل هذا احتواء وخفض الديون الهامشية، وفرض معايير ملائمة أقوى على الوسطاء، وتعزيز تقييم المؤسسات غير المصرفية والإشراف عليها وتنظيمها، وتقليص المزايا الضريبية لمكاسب الاستثمار المفضلة حاليا.
الواقع: إن هذه الخطوات، سواء فرادى أو في مجموعها، ليست في حد ذاتها علاجا سحريا لمشكلة مستمرة ومتنامية. لكن هذا ليس عذرا لمزيد من التأخير. وكلما طال أمد سماح صناع السياسات للديناميكيات الحالية بالنمو تعاظم الخطر الذي يهدد الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، وزاد خطر اندلاع أزمة أخرى - على نحو غير عادل ورغم عشرة أعوام من الوعود - في القطاع ذاته وكما حدث في المرة السابقة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي