إيران .. اغتيال حلم الإصلاح في مهد الانتخاب

إيران .. اغتيال حلم الإصلاح في مهد الانتخاب
شرعية النظام في الداخل والخارج على المحك.
إيران .. اغتيال حلم الإصلاح في مهد الانتخاب
حظي رئيسي بدعم لا نهائي من المرشد الأعلى وما يمثله من نفوذ في الدولة الإيرانية.

صرح علي خامنئي المرشد الإيراني الأعلى، عقب تصويته في الانتخابات الرئاسية الإيرانية أخيرا، بأن "كل صوت له وزنه، تعالوا وشاركوا واختاروا رئيسكم، هذا أمر مهم لمستقبل دولتكم"، لكن الحقيقة تتناقض مع هذا التصريح جملة وتفصيلا، فالمرشد الذي اختار مرشحه رغما عن أغلبية الشعب الإيراني والسلطات التي يسيطر عليها، لم يكتف بالتصويت لهذه الجريمة بحق الشعب الإيراني، بل يريد أن يضفي عليها شرعية شعبية، فيما يعاني ملايين الإيرانيين الفقر والجوع والبطالة، بسبب سياسات بالية عمرها أكثر من 40 عاما من القهر والقمع، لتكون كلمة الشعب الإيراني على قلب رجل واحد بمقاطعة الانتخابات، وترك النظام يكمل مسرحيته باختيار رجل المرشد من بين سبعة مرشحين أغلبهم من المحافظين، بقي منهم أربعة على قيد المنافسة.
حسن روحاني الرئيس المنتهية ولايته، دعا الناخبين للقدوم إلى صناديق التصويت للإدلاء بأصواتهم، لكن هذه الانتخابات باهتة وبدون طعم أو لون يذكر، فقد تمكن مجلس صيانة الدستور من استبعاد شخصيات بارزة عن الانتخابات، من بينها علي لاريجاني رئيس المجلس السابق، وإسحاق جهانجيري نائب الرئيس، ومحمود أحمدي نجاد الرئيس السابق، فيما يعدها أغلبية الشعب الإيراني أعدت سلفا وتفتقد إلى الديمقراطية، حيث أكدت مصادر في المعارضة الإيرانية أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد أخيرا، كانت متدنية جدا 10 في المائة، بينما زعمت وزارة الداخلية الإيرانية عكس ذلك، مدعية أن فوز المرشح إبراهيم رئيسي بالانتخابات جاء بتصويت 17.8 مليون صوت، ما يشكل 61.95 في المائة من الناخبين.
نسبة الإقبال المنخفضة على التصويت ستؤدي حتما إلى اضطراب سياسي أكثر من نتيجة فوز إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية المرشح الأبرز من دون منافسة حقيقية، لكن الاضطراب سيكون بعد نقل إرث منصب المرشد الأعلى بعد وفاة علي خامنئي، أو نقل السلطة بسبب مرضه إلى ابنه مجتبى أو إلى إبراهيم رئيسي، الذي اختاره بعناية، وأقصى كل من وقف في وجهه، لتنفيذ هذه المهمة.
بدورها، علقت مريم رجوي رئيسة المقاومة الإيرانية على المقاطعة الشعبية للانتخابات، بأنها أكبر ضربة سياسية واجتماعية ضد المرشد علي خامنئي، الذي يمارس الاستبداد الديني - كما وصفته -، حيث إن النتيجة في نظرها تستحق تهنئة تاريخية للشعب الإيراني، وقالت رجوي، "العالم رأى ذلك، وثبت مرة أخرى أن تصويت إيران هو لمصلحة إسقاط نظام الملالي، إن نظام ولاية الفقيه آخذ في الانحدار ويجب كنسه"، مضيفة "تخرج الديكتاتورية من هذه الانتخابات فاضحة وضعيفة وأكثر هشاشة، وستسقط أخيرا بانتفاضة الشعب وجيش الحرية"، مطالبة المجتمع الدولي بعدم التعامل مع شخص متورط في جرائم قتل، وأنه لا يوجد أي مبرر للتعامل مع رئيس إيراني متهم بجرائم ضد الإنسانية.
شرعية النظام في الداخل والخارج على المحك، إذ يواجه فيها الجائحة والعزلة العالمية والعقوبات الأمريكية الشاملة، إضافة إلى التضخم، كما تراقب المنظمات المعنية بحقوق الإنسان الانتخابات خصوصا والأوضاع في البلاد بشكل عام، إذ دعت أكثر من 250 منظمة من 106 دول، النظام الإيراني إلى ضمان بقاء الإنترنت وتطبيقات المراسلة ومنصات التواصل الاجتماعي وجميع قنوات الاتصال الأخرى متوافرة وآمنة ويمكن الوصول إليها طوال فترة الانتخابات الرئاسية، بحسب ما نشره موقع منظمة "هيومن رايتس ووتش".
وعلى الرغم من كل الدعوات إلا أن وصفة المرشد خامنئي في إدارة البلاد، فوضت مكتب المدعي العام المعني بالإعلام، والتابع للحرس الثوري، والمحسوب على قوات الأمن الإيرانية في كل أنحاء البلاد باستدعاء أفراد ومحرري صحف ومواقع إعلامية، لتأكيد سردياتها الصحافية ونشرها على منصاتهم، بناء على ما تقتضيه مصلحة النظام، وبعيدا كل البعد عن الحقائق الجارية على الأرض.
يمتلك الرئيس الجديد سجلا أسود في مجال حقوق الإنسان، إذ سبق أن كان أحد أركان محاكم الموت، التي أسست بفتوى من المرشد السابق الخميني، حيث لم تطل جلسات المحاكمة، لتكون العدالة بالنسبة إليه بضع دقائق معدودات، نتج عنها أحكام إعدام جماعية ضد عشرات الآلاف من السجناء السياسيين أواخر الثمانينيات، كما أنه مشارك قوي في عمليات قمع وتصفية معارضين سياسيين، ويداه ملطختان بدماء الإيرانيين من مختلف الشرائح.
كما دعت منظمة العفو الدولية، أخيرا إلى التحقيق مع الرئيس الإيراني الجديد، لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وقالت "إن الانتخابات الإيرانية تمت في أجواء قمعية"، منددة بانتخابه، معتبرة في بيان "وصول رئيسي إلى الرئاسة بدلا من إخضاعه للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية وجرائم قتل وإخفاء قسري وتعذيب، هو تذكير قاتم بأن الإفلات من العقاب يسود في إيران".
حظي رئيسي بدعم لا نهائي من المرشد الأعلى وما يمثله من نفوذ في الدولة الإيرانية، من خلال الحرس الثوري، حيث إنه لا يملك ميزات شخصية أو علمية تؤهله لقيادة الدولة، سوى أنه مقرب من المرشد الإيراني، فهو - بحسب ما يتداوله مراقبون للشأن الإيراني - ليس خطيبا عظيما، وليس لديه رؤية، لكنهم يعتقدون أن بإمكانهم السيطرة عليه والحفاظ على النظام سليما، أو أنه شخص ذو كاريزما يجابه بها موجات التحدي الكبيرة التي تندلع بين فينة وأخرى، بسبب القمع والأوضاع الاقتصادية المتردية.
يواجه رئيسي وأولئك الذين صمموا هذه الانتخابات حقيقة صماء، حيث إنهم يعتقدون أن المسار الذي سلكوه خلال الـ30 عاما الأخيرة سيساعد النظام على البقاء، لكن الحقيقة تكمن في نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، التي أظهرت الشرخ الكبير بين القيادة والشعب، حيث يعيش كل منهم في واد منفصل عن الآخر، فيما تستمر قيادة الملالي في نهج دعم الميليشيات الشيعية في دول المنطقة، التي تقوم بدورها بتدمير كل ما يمكن تدميره، لتمكين إيران من السيطرة على الدولة بالوكالة من خلالهم.
وتتزامن الانتخابات الأخيرة ونتائجها النهائية مع مباحثات تجري في فيينا بين إيران وأطراف الاتفاق، بمشاركة أمريكية غير مباشرة، سعيا إلى إحيائه، فيما أجمع الرئيس المنتخب ومنافسوه على أولوية تأييد رفع العقوبات، والالتزام بالاتفاق النووي إذا تحقق ذلك.

الأكثر قراءة