إيران .. مقاطعة شعبية لانتخابات «عائلية»

إيران .. مقاطعة شعبية لانتخابات «عائلية»
عمقت هذه الانتخابات الشرخ بين أعضاء المنظومة الواحدة.

أثارت الانتخابات الرئاسية الإيرانية مجموعة من الأسئلة، أبرزها: هل تعيش إيران الثورة أيامها الأخيرة؟ حيث لم تستطع قيادات الرعيل الثاني منها الحفاظ على إرث الثورة بعد نحو 40 عاما من قيامها، خصوصا أن المرشد الثاني في عمرها القصير زمنيا، تعامل مع الملفات الداخلية بناء على مصالحه الشخصية بكل أنانية، حتى ينقل إرثه إلى ابنه أو أحد رجالاته المرتبطين بالعائلة ارتباطا وثيقا، ما نتج عنه أثر تدميري كبير في واقع الدولة الإيرانية نفسها في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية، وغيرها من اكتساب الكراهية وعدم القبول على مستوى المنطقة والعالم.
التجارب أثبتت أنه لا مكان للتغيير في ظل وجود هذه الزمرة الحاكمة بالنار والحديد، التي أجبرت الشعب الإيراني على مقاطعة الانتخابات بنسبة وصلت إلى نحو 48 في المائة أدلوا بأصواتهم، 4.2 مليون منهم اختاروا وضع ورقة بيضاء، ما أدى إلى إضعاف الشرعية للدولة الإيرانية، التي تشهد احتجاجات شبه سنوية تطالب برحيل هذا النظام.
بلا شك، عمقت هذه الانتخابات الشرخ بين أعضاء المنظومة الواحدة والتابعين للنظام، حيث أدى تصرف المرشد الأحادي إلى اتخاذ قرار بإبعاد أغلبية المرشحين لمصلحة الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي، الأكثر تزمتا وتشددا وولاء له، قاضيا بهذا الاختيار على آخر فرص الإصلاح المرجوة من الانتخابات في هذه الفترة الحرجة من عمر البلاد، حيث إن جميع الوجوه الظاهرة على الساحة التي ستتولى زمام الأمور في البلاد ترتبط إما بالدم أو بالنسب مع المرشد، وهذه ظاهرة جديدة في النظام الإيراني، الذي سيكون ذا طابع ملكي أسري.
وعلى الرغم من استبعاد أغلبية المرشحين، إلا أن المعارضة الإيرانية في الخارج لم تر فرقا بينهم، فهم واجهة للمرشد والنظام وينفذون ما يطلب منهم، فهم أدوات للهدف ذاته، الذي يسعى إلى الحصول على سلاح نووي وبرنامج صاروخي يهدد أمن واستقرار المنطقة.
كما أكدت مريم رجوي، زعيمة المعارضة الإيرانية، أن كل المرشحين للرئاسة متفقون على تصدير الإرهاب، والتدخل في شؤون دول المنطقة، والسعي إلى امتلاك أسلحة نووية، في الوقت الذي يشهد فيه الشارع حالة من الغضب والغليان التي تنبئ بأن المجتمع الإيراني على عتبة الانفجار، وأن القمع الوحشي لم يعد قادرا على منع الانتفاضات، مشيرة إلى أن أي امتياز سياسي واقتصادي للفاشية الدينية الحاكمة في إيران سيشجعها على زيادة قمع الشعب الإيراني، وتكثيف عدم الاستقرار ونشر الحروب في المنطقة، وتطوير برامجه الصاروخية الباليستية والنووية. مطالبة الدول الأوروبية بتحديد مرتزقة النظام واعتقالهم ومعاقبتهم وطردهم تحت أي عنوان كانوا من أوروبا، وإغلاق سفاراته وممثلياته التي هي في الواقع مراكز تجسس وتجنيد للإرهابيين والتخطيط ضد المعارضة الإيرانية.
رغبة المرشد خامنئي في تطهير النظام وترسيخه، ليست وليدة اللحظة، لكن المستجد فيها أنه يريد تمكين مسؤولين تربطه بهم علاقات ذات طابع عائلي، فالشخصيات التقليدية يتم حرقها وتقديمها أكباش فداء، حيث ظهر إلى السطح أخيرا خلاف داخلي بين المقربين من المرشد، وذلك بنشر وحيد حقانيان أحد أبرز المسؤولين في مكتب خامنئي مقالا نقديا لمعظم كيانات الدولة، بما في ذلك مجلس صيانة الدستور، بسبب عملية الرفض الجماعية للمرشحين، ليكون حقانيان موضع شك في الآونة الأخيرة، لتشن وكالة أنباء "تسنيم" المقربة من الحرس الثوري انتقادا حادا وعلنيا عليه، كما طالبته بالتوقف عن إلحاق الضرر بالنظام من خلال هذه التصريحات.
يتجاوز الصراع بين رجالات المرشد حدود الانتخابات، فهو صراع من أجل مكتسبات ما بعد المرشد، فيما تتعدى النظرة حدود الصراع، لتكون السلطة موضع اتهام بأنها تريد تجاوز أزمة الانتخابات الرئاسية وإقصاء الوجوه الإصلاحية من المشهد، بتقديم كبش فداء، فاللجوء إلى الأساليب الملتوية من الفضائل للنظام الإيراني، فالتصرف بطريقة هجومية للتحصن ضد الهجمات المدروسة أمر محسوم من قبل رجالات المرشد، لذلك تعد السلطة التقييم الذاتي النقدي بصورة عامة مذلا ومدمرا للذات، وعليه يتم اختيار أكباش فداء لتحييد اللوم عنها وإلقائه على أطراف أخرى، وهذا يظهر المسرحية التي حدثت بين حقانيان وبعض رجالات المرشد خامنئي، إذ تعد منهجية النظام الوضوح والصراحة من ضروب السذاجة، وتحاط جميع المسائل تقريبا بالالتباس عمدا، ويقود الاعتراف باقتراف الهفوات إلى فقدان النفوذ.
أنتجت الانتخابات الأخيرة أجواء سلطوية بحتة في البلاد، إذ تصنف الأوضاع المختلفة في خانة النجاحات الكاملة أو الإخفاقات الكاملة، وهذه الثنائية تتجلى في السلوك السياسي، في الأطر الداخلية والخارجية، فالتشارك وتقديم تنازلات للتوصل إلى تسويات مدعاة للخطر على مستقبل النظام، وتعد السيادة الوطنية على طريقة "نحن مقابل هم"، ما يؤدي إما إلى العزلة أو اضطرار الآخرين إلى الرضوخ بالكامل للمطالب الإيرانية.
الأخبار القادمة من هنا وهناك في إيران تظهر بداية صراع جديد يكمن في التوقعات بمن يكون خلفا لمحمد جواد ظريف وزير الخارجية، حيث إن هنالك خمسة مرشحين إلى الآن لهذا المنصب: سعيد جليلي، وعلي باقري كني، ومنوتشهر متكي "وزير الخارجية في عهد أحمدي نجاد"، وحسين أمير عبداللهيان "معاون وزير الخارجية الإيراني الأسبق"، ومحمد صادق خرازي، من بين هؤلاء الخمسة ثلاثة أسماء معروفة جيدا في المنطقة، واسمان أقل شهرة، هما: علي باقري كني، ومحمد صادق خرازي.
باقري كني يعمل مساعدا لرئيسي في سلطة القضاء للشؤون الدولية، وهو نجل محمد باقري كني المرجع الديني، العضو السابق في مجلس خبراء القيادة، وترتبط عائلة كني بعلاقة مصاهرة مع عائلة خامنئي، فشقيقه مصباح الهدى باقر كني متزوج من هدى حسيني أصغر بنات خامنئي، وهو خريج كلية الاقتصاد ودرس في جامعة الإمام صادق.
أما محمد صادق خرازي فهو أيضا من أصهار خامنئي "58 عاما"، وله خبرة دبلوماسية واسعة، حيث كان يعمل سفيرا لدى فرنسا، وشارك ضمن فريق بقيادة ظريف في المفاوضات النووية، الذي توصل إلى اتفاق نووي مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وهو نجل المرجع الشيعي محسن الخرازي عضو مجلس الخبراء السابق، وابن كمال خرازي شقيق وزير الخارجية الإيراني الأسبق، وترتبط العائلة بعلاقة مصاهرة مع عائلة خامنئي، فشقيقته سوسن خرازي هي زوجة مسعود الابن الثالث لخامنئي، كما ترتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، فصادق الخرازي نفسه متزوج ابنة شقيقه رضا خاتمي. ويدير خرازي موقع "إيران" دبلوماسي الشهير.

الأكثر قراءة