خيارات العالم تضيق .. التعاون أو النهاية

خيارات العالم تضيق .. التعاون أو النهاية
تجنب هذا السيناريو الكابوسي من خلال زيادة التعاون الدولي.

من المرجح أن تؤدي العاصفة المثالية لكوفيد - 19 وتغير المناخ، والأضرار الاقتصادية الناتجة عن ذلك، إلى مزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، على الرغم من أن التعاون الدولي المتزايد بشكل كبير لا يزال بإمكانه تجنب هذا السيناريو الكابوسي، إلا أن الحالة الراهنة للسياسة العالمية توفر قليلا من أسباب التفاؤل.
لقد أصبحت نهاية العالم الآن. هذه هي الرسالة الساطعة للعاصفة المثالية لكوفيد - 19 وتغير المناخ الذي انكسر الآن. من غير المرجح أن ينتهي الوباء لأعوام، حيث يتحول الفيروس التاجي الجديد إلى متغيرات قابلة للانتقال بشكل متزايد ومقاومة للأدوية. ولم تعد كارثة المناخ "وشيكة"، لكنها تحدث واقعا الآن، بحسب جاياتي جوش، السكرتير التنفيذي لشركاء اقتصاديات التنمية الدولية، وأستاذ الاقتصاد في جامعة ماساتشوستس أمهيرست وعضو اللجنة المستقلة لإصلاح الضرائب الدولية على الشركات.
يخبرنا أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ - التي سبقت تقييماتها الأحداث المناخية المتطرفة في العام الماضي - أن بعض التغيرات المناخية المعاكسة القاسية لا رجوع فيها الآن. ستؤثر هذه في كل منطقة، كما تظهر موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات الأخيرة، كما أنها ستلحق أضرارا بالغة بعديد من الأنواع الطبيعية، وتؤثر سلبا في إمكانات وظروف حياة الإنسان.
سيتطلب الحفاظ على الاحترار العالمي المستقبلي إلى مستوى يمكن التحكم فيه "حتى لو كان أعلى من هدف اتفاقية باريس للمناخ لـ2015 البالغ 1.5 درجة مئوية" جهدا هائلا، يتضمن انعكاسات حادة في السياسة الاقتصادية في كل دولة. ستكون التغييرات الرئيسة في الهيكل القانوني والاقتصادي العالمي ضرورية.
من جانبه، دمر الوباء العمل وسبل العيش، ودفع مئات الملايين من الناس، معظمهم في العالم النامي، إلى الفقر والجوع. تظهر اتجاهات العمالة العالمية والتوقعات الاجتماعية لـ2021 الصادرة عن منظمة العمل الدولية مدى الضرر. في 2020 تسبب الوباء في خسارة ما يقرب من 9 في المائة من إجمالي ساعات العمل العالمية، أي ما يعادل 255 مليون وظيفة بدوام كامل. استمر هذا الاتجاه في 2021، مع خسائر في ساعات العمل تعادل 140 مليون وظيفة بدوام كامل في الربع الأول و127 مليون وظيفة في الربع الثاني.
وفقا للاتجاهات الحالية، لن يكون نمو العمالة المتوقع كافيا لتعويض هذه الخسائر. لذلك، حتى في 2022، سيكون إجمالي التوظيف أقل مما كان عليه في 2019 بما يعادل 23 مليون وظيفة بدوام كامل على الأقل. هذا على الرغم من نمو الوظائف القوي نسبيا في الولايات المتحدة، ما يعني أن تدهور سوق العمل في مناطق أخرى، معظمها فقيرة، سيكون أكثر حدة وأكثر صعوبة. علاوة على ذلك، فإن الوظائف "الجديدة" المرتبطة بالتعافي من الوباء ستكون في الأغلب منخفضة الأجر وذات نوعية رديئة.
وفي الوقت نفسه، وصل التفاوت الاقتصادي بين الدول وداخلها إلى مستويات لم يكن من الممكن تصورها في عالم ما قبل الجائحة، الذي كان بالفعل غير متكافئ للغاية. في حين إن عديدا من الناس يواجهون خسائر كبيرة في الدخل، وتراجع الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، والحرمان الحاد، والجوع، إلا أن أقلية صغيرة من الأثرياء للغاية وعددا قليلا من الشركات الكبيرة استحوذ على مزيد من الدخل والثروة، وبالتالي ضاعف أصوله.
الأشكال الجديدة من الاستهلاك الواضح اليوم - مثل جيف بيزوس أغنى رجل في العالم، الذي أنفق أخيرا 5.5 مليار دولار في رحلة مدتها أربع دقائق حول الفضاء شبه المداري - هي حرفيا خارج هذا العالم. كان من الممكن أن يمول هذا المبلغ بدلا من ذلك مرفق الوصول العالمي للقاح كوفيد - 19 "كوفاكس" لتوفير اللقاحات لملياري شخص في الدول الفقيرة، الذين من غير المرجح حاليا أن يحصلوا عليها في العامين المقبلين.
من الواضح أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة دون توترات اجتماعية كبيرة واضطرابات مدنية. في الواقع، فإن العاصفة التي بدأنا نشهدها ستشمل قريبا مزيدا من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وبدلا من تحفيز أجندة تقدمية وتحولية، يمكن أن ينحدر هذا إلى نزاعات عرقية وعرقية وأشكال أخرى من الصراعات والعنف والفوضى.
لا يزال من الممكن تجنب هذا السيناريو الكابوسي من خلال زيادة التعاون الدولي بشكل كبير في عدد قليل من القضايا الرئيسة. فيما يتعلق بالمناخ، يمكن للحكومات أن تعلن بشكل جماعي أنها ستخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى بشكل أكثر حدة، من أجل الوصول إلى الصفر الصافي في غضون عقد، بدلا من عدة عقود.
من الواضح أن الدول الغنية ذات الانبعاثات العالية الموروثة يجب أن تقوم بأعمق التخفيضات وأن تنقل التقنيات الخضراء إلى العالم النامي دون شروط، ما يمكن هذا الأخير أيضا من إزالة الكربون بسرعة. أصبحت الأموال المخصصة للتكيف مع المناخ ضرورية الآن، ويمكن للاستثمار العام العالمي المقترح أن يمكن من اتخاذ إجراءات سريعة في هذا الشأن.
للسيطرة على الجائحة التي لا تزال مستعرة، من الضروري إعادة توزيع جرعات اللقاح المتاحة على الفور، وإزالة القيود القانونية على توسيع الإنتاج من خلال التراخيص الإجبارية. إضافة إلى ذلك، يجب على شركات الأدوية التي استفادت من الإعانات الكبيرة لتطوير لقاحات كوفيد - 19 مشاركة تقنيتها مع منتجين آخرين لزيادة العرض، كما أوصى مجلس منظمة الصحة العالمية المعني باقتصاديات الصحة للجميع. سيكون بناء قدرة التصنيع المرنة واللامركزية، بما في ذلك في القطاع العام، أمرا حيويا للتعامل بفاعلية مع الأوبئة والأزمات الصحية الأخرى في المستقبل.
بالنسبة إلى السياسة الاقتصادية، فإن التعاون الضريبي العالمي لا يحتاج إلى تفكير. القواعد البسيطة التي من شأنها أن تجعل الشركات متعددة الجنسيات تدفع معدل الضريبة نفسه الذي تدفعه الشركات المحلية البحتة، وتضمن تقاسم الإيرادات بشكل عادل بين الدول، من شأنها أن تقلل من عدم المساواة وتوفر للاقتصادات النامية المقيدة ماليا الموارد التي تشتد الحاجة إليها.

الأكثر قراءة