كيف نستثمر في الابتكار؟ «1 من 4»
كيف نستثمر في الابتكار؟ هذا السؤال هو محور حديثنا اليوم وتعتمد الإجابة عن هذا السؤال على عوامل عدة ومحاور تتقاطع وتتشارك مع بعضها بعضا، منها على سبيل المثال لا الحصر: الجاهزية التنظيمية والبيئة والبنية التعليمية والأسس البحثية التطويرية والمنشآت التصنيعية والإنتاجية، إضافة إلى العوامل السياسية والاقتصادية، وهذه ليست محور اهتمامنا، لأننا ولله الحمد في استقرار سياسي متين وبيئة اقتصادية قوية وملهمة.
ولكوننا في ظل هذا التطور الهائل الذي يشهده العالم اليوم خصوصا في مجال التكنولوجيا والتقنيات المعلوماتية وما تمثله الثورة الصناعية الرابعة في هذه الفترة والتسابق الذي نشاهده بين كبرى الدول في مجال الابتكار، فإن ذلك ولا شك يعد من الفرص الثمينة للاستثمار والمستثمرين. إلا أنه قد يبدو أن الاستثمار في الابتكار مبدئيا يعد مغامرة خطيرة لأصحاب رؤوس الأموال خصوصا عند النظر إلى الأعداد الهائلة من التقنيات الجديدة التي ظهرت في الأعوام الأخيرة والتطور المستمر لها. إلا أن هذا التغيير السريع الذي يشهده عالمنا اليوم الذي يسير بوتيرة غير مسبوقة خصوصا مع ما تلعبه التقنيات والابتكارات الحديثة من دور أساسي في ذلك، لا بد أن يكون له الأثر الكبير في تغيير أسلوب الحياة عموما وبدوره يقود دفة التغيير الاقتصادي وهذا ما نلاحظه ونشاهده تباعا في عالمنا المعاصر اليوم.
ولذا نرى أن هناك عديدا من الشركات الاستثمارية قامت بدراسة مدى الاستفادة من الابتكارات الحديثة في خضم هذا التسارع في عالم الابتكارات، ومن هذه الشركات شركة الاستثمار الأمريكيةFranklin Templeton Investments حيث تشير في أحد تقاريرها بهذا الشأن إلى أن الاستثمارات المستقبلية ستكون في الابتكارات الحديثة مثل القيادة الذاتية، وعلم الوراثة، والعلاج المناعي، والمواد المركبة الجديدة، والحوسبة الكمية، وBlockchain، والطائرات دون طيار، والواقع الافتراضي والمعزز، وإنترنت الأشياء IoT والذكاء الاصطناعي.
لا شك أن الاستثمار في الابتكارات ذات القيم المعتبرة الحقيقة ستؤدي إلى تكوين قدرات معرفية واستثمارية تسهم في زيادة النمو على المدى الطويل إلا أن الأمر يتطلب وضع استراتيجيات واضحة ومتابعتها بإدارة حكيمة ونشطة، رغم أن الموضوعات المرتبطة بالابتكار واعدة، إلا أن التخطيط لها وكيفية إدارتها يظل العامل الأساسي والمهم لنجاح استثمارها، ولا سيما بالنظر إلى أنها تتقدم بوتيرة مختلفة وسريعة وقابلة للاستثمار في أوقات مختلفة.
وقد حددت عددا من الشركات مثل الشركة الاستشارية Main Management ومقرها سان فرانسيسكو بعضا من أكثر موضوعات الابتكار الواعدة للاستثمار طويل الأجل، ووضعت ومكنت استراتيجيتها لذلك، ومنها على سبيل المثال: التعرف على علم الجينوم، والتكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، والروبوتات والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة، والحوسبة السحابية، والتكنولوجيا المستقلة، والألعاب والرياضات الإلكترونية.
وعموما ليس الاستثمار في الابتكار حكرا على الشركات الاستثمارية فقط، فقد بدأنا نشاهد كثيرا من صناديق البورصة وخططها الاستراتيجية للاستثمار في مجالات الابتكار المختلفة ومن بين هذه الصناديق الأكثر نجاحا عام 2020 صندوق Innovation ARK، الذي يهدف إلى استثمار ما لا يقل عن 65 في المائة من أصوله في الشركات المحلية والأجنبية التي تعمل في مجال الابتكار في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة خصوصا تلك التي تعمل على تطوير الابتكار الصناعي في الطاقة، والأتمتة والتصنيع وزيادة استخدام التكنولوجيا والبنية التحتية والخدمات المشتركة "الجيل الحديث من الإنترنت" والتقنيات التي تجعل الخدمات المالية أكثر كفاءة "ابتكار التكنولوجيا المالية".
لذا قد يكون من المناسب أن تكون لدينا خطط مستقبلية للاستثمار في الابتكار عموما، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وأقصد بذلك مراكز الأبحاث ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهوبين "موهبة"، والهيئات والجهات المستفيدة ...، هدفها الاستفادة من هذه الابتكارات بشكل استثماري محليا ودوليا، ولا شك أن صندوق الاستثمارات العامة يلعب دورا كبيرا في ذلك في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يجب أن تكون خططها وأهدافها موضوعة لتتماشى مع تحقيق رؤية مملكتنا 2030 وتحقيق متطلبات المستخدم النهائي. ولعلنا في المقالات المقبلة نتطرق بشيء من التفصيل حول العوامل التي يستند إليها نجاح الاستثمار في الابتكار، ومنها: الجاهزية التنظيمية والبيئة والبنية التعليمية والأسس البحثية التطويرية والمنشآت التصنيعية والإنتاجية، لنصل إلى: "ابتكار مخطط له بأهداف واضحة مؤديا حتما الى استثمار ناجح مستدام".