صناعة تقنيات الحساسات الإلكترونية والأثر الدفاعي
في المقالات السابقة تطرقنا إلى عدد من الأنظمة الحديثة والتقنيات الإلكترونية المهمة في الابتكارات النوعية ودورها المؤثر والكبير في الجانب الدفاعي والنمو الاقتصادي عموما، وفي هذا المقال سنتحدث عن موضوع لا يقل أهمية عن تلك المواضيع السابقة إذا لم يكن هو الجزء الأساس والعامل المهم في كل منها، ألا هو صناعة تقنيات الحساسات الإلكترونية، وسنبدأ بنبذة تعريفية مختصرة عن هذه الحساسات الإلكترونية وبعض أنواعها ومن ثم نبين أهميتها والأثر والدور المهمان لها والملموسان في القطاع الدفاعي والأمني والاقتصادي.
يمكن تعريف الحساسات Sensors عموما بأنها عبارة عن تلك الأجهزة الإلكترونية الدقيقة التي تستطيع تحويل كثير من المعلومات على اختلاف أنواعها وأشكالها إلى موجات كهربائية ويمكن تمثيلها في الفرق بين الجهد، أو شدة التيار، من هذه المعلومات، على سبيل المثال، درجات الحرارة، وأنواع الإشعاعات المرئية منها وغير المرئية، والضغط، والحركة، والمسافة والسرعة، وشدة الضوء، وغيرها. ومن أبسط الأمثلة على هذه الحساسات، ذلك الجهاز الحساس الضوئي فهو عبارة عن مقاومة إلكترونية تتأثر وتتغير قيمتها بتغير قوة وشدة الضوء، وتتمثل العلاقة بين هذا الجهاز الحساس مع كمية الضوء بعلاقة عكسية، أي: كلما زادت كمية الضوء نقصت قيمة المقاومة وتزيد قيمتها كلما نقصت كميته، وهكذا ينطبق المفهوم على كثير من الحساسات الإلكترونية.
ومع التطور التقني والابتكاري تنوعت أشكال وأنواع هذه الحساسات حسب استخداماتها والغرض الذي من أجله تم تصميمها، فهناك منها - على سبيل المثال - الحساسات الخاصة بالموجات فوق الصوتية Ultrasonic Sensor وتستخدم في عدد من المجالات الطبية والصناعية والتقنية ولقياس المسافات والسرعة وتستخدم في طائرات الدرون لتعمل عمل مفهوم الرادار وتستخدم أيضا في تقنية عمل الروبوتات وغيرها، ومن الأمثلة كذلك الحساسات الخاصة بالموجات تحت الحمراء Infrared Sensor التي تعتمد على مبدأ الضوء وتستخدم في الهواتف المحمولة وأجهزة الريموت والسيارات وكذلك في تقنية الروبوتات أيضا وغيرها، ويمكن تصنيف هذه الحساسات أيضا حسب التكنولوجيا المستخدمة في تصنيعها مثل أشباه الموصلات Complementary Metal Oxide Semiconductor (CMOS) وغيرها.
ونشاهد بشكل واضح أن كثيرا من الأنظمة والتطبيقات الإلكترونية والصناعية تم تصميمها بالتكامل مع تقنيات المستشعرات الحساسة، ما يزيد فعاليتها ودقة استخدامها، فعلى سبيل المثال، كثير من الأنظمة الدفاعية سواء الجوية أو البحرية أو البرية أو الدفاعات الجوية أو الأقمار الاصطناعية، تأثر بشكل كبير جدا باستخدامات الابتكارات النوعية وأصبح قياس مدى الأسبقية والقوة والريادة لكثير من الدول يعتمد على امتلاك تلك الابتكارات النوعية مثل الرادارات بمختلف أنواعها والطائرات القتالية وأسراب الدرون Swarm Drones والمركبات دون طيار Unmanned Vehicles وأنظمة المراقبة والتتبع وتقنيات الروبوتات بمختلف أنواعها واستخداماتها وغيرها من هذه التقنيات إلا أن التكامل الفعلي مع هذه المستشعرات الحساسة يعد العمود الفقري الذي تقوم عليه هذه الأنظمة الدفاعية وهي التي تحدد قوتها ومدى قدراتها، بل أصبحت هذه الحساسات جزءا لا يتجزأ لكثير منها، وكون كثير من عمليات ما يسمى جمع البيانات الضخمة Data Collection تتم عن طريق هذه التقنيات "المستشعرات" الحساسة النوعية والمبتكرة، حيث تسمح ابتكارات هذه الأجهزة الحساسة بالاستشعار والرصد والتتبع وتبادل المعلومات وربط مراكز المراقبة بعضها بعضا من خلال انتشار وترابط وتكامل هذه الحساسات بعضها بعضا عن طريق الشبكات الخاصة وأنظمة إنترنت الأشياء Internet of Things IoT والذكاء الاصطناعي.
الجدير بالذكر أن تطور صناعة هذه الحساسات في ازدهار كبير وذلك وفقا لعدد من التقارير العالمية، منها تقرير شركة الأبحاث Allied Market Research، بأن السوق العالمية لأجهزة الاستشعار "الحساسات الإلكترونية" ستصل إلى نحو 345.77 مليار دولار بنهاية عام 2028. ويعمل كثير من الشركات المصنعة الرائدة في مجال أجهزة الحساسات "المستشعرات"، على تنوع استثماراتها من خلال تطويرها هذه المنتجات لتصبح أكثر فعالية ودقة وبتكاليف أقل.
لذلك حرصت الحكومة السعودية على تعزيز مبدأ الأفضلية والأسبقية والريادة في جميع المجالات عموما، وفي مجال التقنيات خصوصا، ويتضح ذلك من خلال أهداف وتوجهات رؤية المملكة 2030، لذا نرى الدعم غير المحدود من خلال عقد الشراكات مع كبرى الشركات المتقدمة في مجالات التقنيات الصناعية المتطورة وغيرها، وكذلك استضافتها أخيرا أكبر مؤتمر تقني في العالم LEAP22، الذي يعد من أهم الأحداث الاستثنائية باستضافته أفضل الخبراء والشركات في عالم التقنية، وإطلاق استثمارات بقيمة 6.4 مليار دولار في تقنيات المستقبل، وهذا بلا شك سيكون له الأثر في نمو اقتصادي كبير مبني على المعرفة والابتكار في جميع المجالات.