السعودية لا تمر بطور من الركود الاقتصادي

قبل فترة قصيرة نشر صندوق النقد الدولي توقعاته نصف السنوية حول آفاق الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الشرق الأوسط والسعودية. بالنسبة لصندوق النقد، تبدو الصورة الاقتصادية العامة قاتمة تماماً لعام 2009، وهي وجهة نظر يشاركه فيها بنك ساب. يقول الصندوق إن الاقتصاد العالمي يمر بطور من الركود الاقتصادي الحاد بفعل الأزمة المالية الهائلة والفقدان الحاد للثقة. وفي حين أن معدل التقلص يُفترض أن يأخذ في الاعتدال اعتباراً من الربع الثاني للعام، إلا أن الناتج العالمي يتوقع له أن يتقلص بنسبة 1.3 في المائة في عام 2009 ككل، وأن يتعافى بصورة تدريجية فقط في عام 2010، حيث سينمو بنسبة 1.9 في المائة. تحقيق هذا الانقلاب في كل الأحوال يعتمد على تصعيد الجهود الرامية إلى شفاء القطاع المالي، وفي الوقت نفسه مواصلة دعم الطلب من خلال تيسير السياسة النقدية والمالية العامة. كما أن وجهة نظر الصندوق التي تتسم بالتفاؤل الحذر حول عام 2010 تقوم على أساس متين. يمكن أن يكون النمو أثناء طور التعافي على نحو غير منتظم يفوق ما حدث في حالات التعافي السابقة وأقرب إلى تقلبات النمو على نحو لم نشهده في السابق.
#2#
يتوقع صندوق النقد أن يتراجع التضخم على المستوى العالمي، في عام 2009، إلى جانب التراجع في عام 2010 رغم الارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي. في التقرير الفعلي الذي نشره صندوق النقد لا يوجد تفسير جاد حول السبب الذي يدفع الصندوق إلى القول بزيادة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 وانخفاض معدلات التضخم. من الممكن أن نتوقع أن يبقى إجمالي الطلب الاستهلاكي على حاله نوعاً ما في عام 2010، وأن تكون مكاسب النمو مشتقة من القطاعات المدفوعة بالطلب الآتي بصورة خالصة من القطاع غير الاستهلاكي، من الصناعة والخدمات. ومن الممكن للهبوط في أسعار صرف العملات في بلدان الأسواق الناشئة (باستثناء الرنمينبي الصيني والعملات في الشرق الأوسط المرتبطة بالدولار) أن يعمل على التخفيف من العزم النازل للتضخم. إن الهبوط في معدلات التضخم في عام 2010 في كثير من المناطق في الساحة العالمية يظل دون تفسير في تقرير صندوق النقد. والواقع أن تنظيف السيولة يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط التضخمي وليس إلى تخفيف هذا الضغط.
#3#
لنعد الآن إلى منطقة الخليج العربي. لا شك في أننا نتفق جميعاً على أن منطقة الشرق الأوسط وكذلك منطقة الخليج العربي غير معزولة عن أثر الأزمة المالية العالمية. يتوقع صندوق النقد أن تكون نسبة النمو الاقتصادي في المنطقة بحدود 2.5 في المائة، في مقابل نسبة 5.9 في المائة التي سجلتها في عام 2008. من رأيي أن هذا المعدل السنوي للنمو ليس مغرقاً في التفاؤل ولا هو مغرق في التشاؤم. المجهول الكبير في هذه المعادلة هو طول الفترة التي ستستمر فيها الأزمة العالمية والأمور التي ستحدث في عام 2010. في الوقت الحاضر ربما يخرج المنجمون بتوقعات حول آفاق العام المقبل تكون أفضل من توقعات الاقتصاديين. يقول صندوق النقد إن التباطؤ في معدلات النمو يتوقع أن يكون متشابهاً بصورة عامة في البلدان المنتجة للنفط والبلدان غير المنتجة للنفط، رغم أن القوى المحركة للتباطؤ مختلفة تماماً في الحالين. يشير الصندوق على نحو صحيح إلى السرعات المختلفة للنمو التي ستشهدها البلدان المنتجة للنفط في المراحل المقبلة. ومن رأينا فعلاً أن السعودية وقطر ستواجهان عدداً قليلاً للغاية من المخاطر الاقتصادية الكلية التي تؤثر في النظام بأكمله، في حين أن الكويت ودبي تواجهان تحديات مختلفة. في حالة الكويت فإن مصدر القلق هو إصلاح الخدمات المالية والصعوبات التي وجدتها الحكومة في تنفيذ استجابات السياسة الاقتصادية والنقدية. وسيستمر اقتصاد دبي في التعرض للتحديات، وسينبئنا الزمن عن كيفية وزمان التغلب على الرياح القوية السالبة التي تتعرض لها دبي. من الممكن أن يكون عام 2010 أكثر تحدياً لدبي من عام 2009.
#4#
وفقاً لصندوق النقد فإن من بين البلدان المنتجة للنفط سيكون التباطؤ حاداً أكثر ما يمكن في دولة الإمارات، حيث إن خروج الأموال الأجنبية (التي دخلت إلى أبو ظبي على خلفية التوقعات بارتفاع قيمة العملة) تسهم في حدوث تقلص كبير في السيولة، وهبوط لا يستهان به في أسعار العقارات والأسهم، وحدوث ضغط كبير على النظام البنكي. يتوقع الصندوق أن يتقلص الاقتصاد في أبو ظبي بنسبة 0.6 في المائة في عام 2009. لكن من الممكن أن يتقلص الاقتصاد بنسبة تصل إلى 1 في المائة، وذلك بالنظر إلى أن إنتاج النفط وكذلك الاقتصاد غير النفطي سيكون لهما أثر أكبر نحو النصف الثاني من العام. نتوقع أن يهبط الاستهلاك الخاص، حيث إن الأجانب (وعلى الأكثر في دبي) سيبدأون بالمغادرة على نحو نشط أكثر من ذي قبل بمجرد انتهاء الموسم الدراسي، ولكن سيكون السبب في ذلك أيضاً هو انخفاض إجمالي الطلب في قطاع الإنشاءات. بالنسبة لقطر يتوقع الصندوق أن يصل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 18 في المائة، على اعتبار أن من المتوقع أن يتضاعف إنتاج قطر هذا العام من الغاز الطبيعي المسال. نعتقد أن توقعات الصندوق حول أرقام الناتج المحلي الإجمالي تتسم بقدر من التفاؤل يفوق الحد. من الممكن أن يصل الناتج المحلي الإجمالي في قطر إلى نسبة تزيد قليلاً على 11 في المائة. لكن الرقم العالي للناتج المحلي الإجمالي في قطر لعام 2009 يعود إلى التوسع في قطاع المواد الهيدروكربونية وليس في بقية الاقتصاد. بالتالي فإن هذا لا يعني أن الاقتصاد القطري ككل سيستفيد من التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال. والواقع أن صندوق النقد يخفق في تفسير مستوى الاستفادة العامة التي ستعود بالتدريج على الاقتصاد المحلي من التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
بالنسبة للسعودية، يتوقع صندوق النقد أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.9 في المائة هذا العام. ونتوقع أن معدل النمو في الاقتصاد السعودي لعام 2009 سيظل دون تغيير. مرة أخرى نقول إنه سواء كان الاقتصاد السعودي سيتقلص بنسبة 1 في المائة أو يشهد نسبة نمو مقدراها 0 في المائة، فإن أسباب التراجع بحاجة إلى بعض التحليل. ذلك أن صندوق النقد، حين يعطي أرقاماً تتسم بالزيادة والتفاؤل للآفاق الاقتصادية في المنطقة، يخفق في تفسير أسباب الهبوط المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة. ذلك أن الناتج الحقيقي في اقتصاد نفطي يتأثر إلى حد كبير للغاية بإنتاج النفط. حين يرتفع إنتاج النفط يرتفع معه الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلد. إذا أجرينا تحليلاً تراجعياً فإننا سنجد أنه خلال بعض السنوات تأثر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة بنسبة تقارب واحد إلى واحد بفعل الزيادة أو الانخفاض في إنتاج النفط. الأمر المهم في حالة الاقتصاد السعودي بالنسبة للنمو والتوظيف هو الناتج الحقيقي في القطاع غير النفطي. بالنسبة لعام 2009 نتوقع أن يكون الناتج المحلي الحقيقي في القطاع غير النفطي في حدود 3 في المائة. ويعتبر معدل النمو الموجب في القطاع الخاص في المملكة على النقيض من معدلات النمو السالبة التي نتوقعها في الولايات المتحدة ومعظم أوروبا واليابان لعام 2009. إن المملكة العربية السعودية، استناداً إلى أي تحليل اقتصادي، لا تمر بطور من الركود الاقتصادي، كما أن الرقم السنوي للناتج المحلي الإجمالي لا يمثل النمو في القطاع الخاص، الذي هو النبض الحقيقي للاقتصاد.
التضخم في المنطقة هو في حالة هبوط الآن. يتوقع صندوق النقد أن يهبط التضخم في معظم بلدان منطقة الخليج العربي باستثناء دولة الإمارات، حيث يتوقع أن يزداد التضخم في الإمارات من 2 في المائة هذا العام ليصبح 3.1 في المائة في عام 2010. مرة أخرى نقول إن هذا التوقع غريب، وهو بحاجة إلى مزيد من التفسير من صندوق النقد، وذلك بالنظر إلى أنه يتوقع انخفاض معدلات التضخم في بقية منطقة الخليج العربي ويتوقع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي