إيران .. سباق مع الزمن لمواجهة الانفجار المجتمعي

إيران .. سباق مع الزمن لمواجهة الانفجار المجتمعي
إيران .. سباق مع الزمن لمواجهة الانفجار المجتمعي

انقضى نصف عام على تولي إبراهيم رئيسي رئاسة الحكومة في إيران، دون أن تظهر في الأفق بشائر من شأنها التخفيف من حدة الوضع الاجتماعي المحتقن داخل إيران. عكس ذلك تماما، يوحي عديد من المؤشرات - بعضها صدر عن دوائر رسمية - بأن البلاد على وشك الانفجار. وأضفى تعاطي هيئات مقربة من النظام مع الموضوع نوعا من المصداقية، وضع صناع القرار في طهران أمام حقيقة، طالما عملوا على إنكار وجودها أصلا.
أخيرا، أصدرت مؤسسة "رجال الدين المقاتلون" مع جمعية "المعلمين في الحوزة العلمية"، المحسوبتين معا على أجنحة النظام في إيران، بيانا مشتركا حول الأوضاع الاجتماعية داخل إيران، حذرتا فيه من تسلل الشك إلى "النفوس حيال المبادئ التي تأسست عليها الجمهورية الإسلامية". ودعتا النظام الحالي، بصيغة البناء للمجهول، إلى التمسك بتلك المبادئ إن رغب في حلحلة للأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية وحتى الدولية التي تحيط بالدولة من كل جانب.
مهما تكن صفات "مؤسسات موالية للنظام" ومطالب "التشبث بمبادئ الثورة" الهيئات المصدرة للبيان، يبقى في نظر المراقبين استثنائيا، فهو من ناحية، شهادة من أبناء النظام على وجود أزمة خانقة، يراها الجميع داخل إيران وخارجها، ما عدا رجال المرشد. كما يقرأ من ناحية أخرى، أنه محاولة ذكية من جانب النظام للتنفيس عن الأزمة، بصناعة معارضة متحكم فيها، أي معارضة على المقاس، على الرغم من الهجوم عليها، بدعوى "مساعدة العدو على تحقيق أهدافه داخل إيران"، قصد إضفاء مصداقية في الداخل الإيراني. فهذه الأصوات المنتقدة كانت مشاركة، ولها نصيب من المسؤولية في الوضع القائم حاليا.
يدرك النظام في طهران ازدياد الفجوة الطبقية داخل إيران، بسبب انهيار بلغ حد تلاشي الطبقة المتوسطة، لمصلحة ثنائية القمة والقاع، أقلية تمثل الطبقة الغنية الأرستقراطية، وأغلبية كاسحة للفقراء والمسحوقين من الشعب. شهدت أحياء طهران في الآونة الأخيرة ردود أفعال على هذا الشرخ المجتمعي داخل إيران، فشرطة العاصمة سجلت، طيلة الأشهر الماضية، اعتداءات على ممتلكات الغير في الأحياء الثرية. واستطاع رجال الأمن، منتصف كانون الثاني (يناير) المنصرم، اعتقال مشعل النيران في السيارات الفارهة بدافع الغيرة، "لعدم قدرته على شراء سيارة زهيدة الثمن، فيما يمتلك الآخرون سيارات باهظة الثمن".
طبيعي أن تظهر ممارسات من هذا القبيل قصد الانتقام، فالوضع الاقتصادي السيئ لأعوام متوالية، نتيجة العقوبات الاقتصادية، انعكس على الوضع الاجتماعي لشريحة واسعة من الإيرانيين، ما أدى إلى الزيادة في معدلات الانتحار "خمسة آلاف شخص سنويا"، ونسب الإدمان وتعاطي المخدرات، وبشكل خاص في أوساط الشباب، وتفاقم حالات العنف الأسري، ويحدث أن يصل حد حتى التفكك العائلي أحيانا.. ضغط اجتماعي رهيب، تقابله الحكومات المتعاقبة في إيران بتجاهل مطلق، ولا مبالاة بأوضاع الأكثرية، ما يزيد من احتمالية تحول الشارع إلى خيار أخير لدى الشعب الإيراني.
خيار بدأت الدوائر العليا تستشعر قرب دنو موعده، وفق ما كشفت عن وثيقة مسربة لاجتماع الفريق المعني بالوقاية من أزمات الأمن المعيشي، الذي ضم ممثلين عن مراكز صناعة القرار "المدعي العام، جهاز الاستخبارات، الباسيج، شرطة الأمن العام..." بقاعدة "ثأر الله" التابعة للحرس الثوري الإيراني، المسؤولة عن حماية المؤسسات الحكومية، وكذا أمن العاصمة طهران. فقد رصدت الوثيقة - استنادا إلى تقارير هيئات مختلفة في النظام - "المجتمع في حالة انفجار تحت الجلد، وأن الاستياء الاجتماعي زاد 300 في المائة، خلال عام".
تطرح الورقة بناء على هذه المعطيات توقعات بشأن ارتفاع وتيرة الاحتجاج، في المقبل من الأشهر، فتعتبر أنه "في 2021 زادت الاحتجاجات والمظاهرات 48 في المائة مقارنة بـ2020، كما زادت الاحتجاجات الاقتصادية 56 في المائة". وتؤكد أن أكبر الاحتجاجات من حيث المتظاهرين، كانت صيف العام الماضي، وعزي ذلك إلى ارتفاع التضخم 19,4 في المائة.
ويتوقع التقرير عودة الغليان إلى الشارع الإيراني، خلال العام الجاري، نتيجة الارتفاع في أسعار السلع الأساسية، إذ وصلت أحيانا إلى 100 في المائة. فاستمرار التضخم لا محالة سيقود إلى الانفجار لا محالة، فقد "وصل ارتفاع سعر اللحوم الحمراء إلى 70 في المائة، والأسماك إلى 188 في المائة، والدجاج إلى 138 في المائة، والبيض إلى 186 في المائة...". يقابل هذا الارتفاع انهيار في القدرة الشرائية للمواطنين، وعجز حكومي واضح عن التعاطي مع الارتفاع الصاروخي للأسعار، ما يثبت في النهاية اقتراب موعد الانفجار المجتمعي في إيران.
توقعات لم تعد أفكارا من بنات خيال "أعداء الثورة"، بل أضحت كلاما متداولا على أكثر من لسان في طهران. فقد صرح نائب وزير الداخلية، منتصف الشهر الماضي، بأن "الرغبة في إجراء تغييرات جوهرية في البلاد تتزايد..." وأضاف مسؤول آخر أن الأجهزة الأمنية "ترصد كثيرا من مؤشرات زيادة الاحتجاجات، وانخفاض قدرة الناس على الصمود، أمام المصاعب الاقتصادية للمعيشة".
يزيد ضعف أداء حكومة الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، وتواضع منجزاتها مقارنة بالوعود التي قطعها الرجل أمام الشعب الإيراني، خلال الحملة الانتخابية، من احتمالية انقلاب التوقعات إلى حقائق على أرض الواقع. ولا سيما بعد التراجع في مؤشرات الثقة بالحكومة، نتيجة استمرار تفاقم المشكلات الاقتصادية.
وأمعن رجال المرشد في الاستخفاف بالشعب الإيراني، بإصرارهم، في عز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، على الرفع من ميزانية الحرس الثوري، لا بل مضاعفتها مقارنة بالعام الماضي، فقانون ميزانية العام الجاري يرصد لهذه المؤسسة 22 مليار دولار "930 تريليون ريال". الأمر ذاته انطبق على ميزانيات باقي المؤسسات الأمنية في إيران.
لا تفسير لهذا القرار من جانب حكومة رئيسي سوى رغبتها في إعداد القوة والعنف استعدادا لأي اضطراب داخل البلاد، فالحرس الثوري هو القوة الضاربة التي تعتمد عليها إيران متى تعلق الأمر بحماية الحكومة. لذا لا يرجح أن يعول النظام كثيرا على الجيش النظامي للتصدي لما قد تشهده البلاد من قلاقل، ففئة عريضة من أفراده من أبناء الطبقات الفقيرة داخل إيران. عكس تركيبة الحرس الثوري الذين ينتقون بعناية، اعتبارا للولاء الأيديولوجي أولا، ما يجعلهم غير مبالين بالشعب أمام مصالح المرشد.

الأكثر قراءة