ضرورة تحرك الاقتصادات النامية «2 من 2»

قبل نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية، كان متوقعا أن يبلغ معدل النمو في جنوب إفريقيا نحو 2 في المائة سنويا في 2022 و2023، وفي تركيا 2- 3 في المائة، وفي الصين وإندونيسيا 5 في المائة، ومن ثم فإن تراجع النمو بمقدار نقطة مئوية يعني أن النمو سينخفض ما بين خمس نقطة مئوية ونصف نقطة.
وبشأن اضطراب الأسواق المالية، لقد أحدث الصراع بالفعل هزات في الأسواق المالية، ودفع إلى موجة واسعة من عمليات البيع للأسهم والسندات في الأسواق العالمية الرئيسة. وقد يؤدي ازدياد عزوف المستثمرين عن المخاطر إلى تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج من الاقتصادات النامية متسببا في انخفاض قيمة العملات، وتراجع أسعار الأسهم، وازدياد علاوات المخاطر في أسواق السندات. وسيوجد هذا ضغطا شديدا على عشرات من الاقتصادات النامية التي ترتفع فيها مستويات الدين. وأما الاقتصادات التي تسجل عجزا كبيرا في موازين الحساب الجاري أو نسبا مرتفعة من الديون قصيرة الأجل المقومة بعملات أجنبية، فإنها قد تجد صعوبة في تمديد آجال الديون. وبديلا عن ذلك، ستواجه هذه الاقتصادات ارتفاع التزاماتها لسداد مدفوعات خدمة الديون.
وقد تتفاقم الضغوط المالية من جراء استجابة البنوك المركزية لارتفاع معدلات التضخم. وفي كثير من الاقتصادات النامية، بلغت معدلات التضخم بالفعل أعلى مستوى لها في نحو عشرة أعوام. قد تؤدي قفزة أخرى من جراء ارتفاع أسعار منتجات الطاقة إلى دوامة تضخمية مع ترسخ توقعات ارتفاع معدلات التضخم في الأمد الطويل. وقد يجعل ذلك البنوك المركزية تتجه إلى تشديد السياسة النقدية بوتيرة أسرع مما كان متوقعا حتى الآن.
وفيما يخص نزوح اللاجئين وتحويلات المغتربين، فمنذ بدء الصراع، فر أكثر من مليوني شخص من أوكرانيا إلى دول مجاورة في أكبر موجة نزوح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وتتوقع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن تقفز أعداد اللاجئين إلى أربعة ملايين. ويعد استيعاب هذا التدفق المفاجئ لأعداد كبيرة من القادمين الجدد مهمة صعبة على الحكومات المضيفة، فهو يشكل ضغطا على المالية العامة وعلى تقديم الخدمات، ولا سيما الرعاية الصحية التي لا تزال تعاني نقصا في المعروض مع دخول جائحة كورونا عامها الثالث.
علاوة على ذلك، قد تمتد المعاناة الاقتصادية ويتسع نطاقها خارج شرق أوروبا إلى دول تعتمد على تحويلات المغتربين في الدول المتضررة من الأزمة. على سبيل المثال، تعتمد عدة دول في آسيا الوسطى اعتمادا كبيرا على تحويلات مغتربيها في روسيا، وتؤلف هذه التحويلات في بعض الحالات ما يصل إلى 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلد. ومن المحتمل أن يشهد كثير من دول آسيا الوسطى هبوط تحويلات المغتربين بسبب الصراع.
الوقاية حل ناجع فقد حان الوقت للتحرك. تسعى مجموعة البنك الدولي بالتوازي مع صندوق النقد الدولي سريعا إلى تقديم المساعدة لأوكرانيا والدول المتضررة الأخرى. وستشمل حزمة مساندة بقيمة ثلاثة مليارات دولار في الأشهر المقبلة، بينها 350 مليون دولار إلى أوكرانيا في نهاية هذا الشهر. ويجب على حكومات الاقتصادات النامية أيضا أن تسعى على وجه السرعة إلى احتواء المخاطر الاقتصادية. ومن الخطوات الحيوية الأولى التي يمكن اتخاذها تكوين احتياطيات من النقد الأجنبي، وتحسين تدابير متابعة المخاطر المالية، وتقوية السياسات الاحترازية الكلية. ويتعين على واضعي السياسات التحلي باليقظة واتخاذ خطوات واعية لتصحيح المسار في سعيهم إلى مجابهة ارتفاع معدلات التضخم. ويجب عليهم أيضا البدء بتجديد موارد المالية العامة التي استنزفت بسبب جائحة كورونا، وذلك بإلغاء النفقات غير المتسمة بالكفاءة وتعبئة الموارد المالية المحلية حيثما يتيسر. ومن الضروري أيضا أن يسعوا إلى تقوية شبكات الأمان الاجتماعي اللازمة لحماية أشد مواطنيهم ضعفا في أوقات الأزمات.
وبقدر ما كانت جائحة كورونا مدمرة، كانت درسا عمليا في قدرة واضعي السياسات على الاستجابة بشكل فاعل لمواجهة كارثة. ومع ذلك، فإن الوقاية خير من العلاج. ومن الحكمة أن تمضي حكومات الاقتصادات النامية الآن قدما في هذا المسار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي