دروس من الجائحة يجب أن تتعلمها الدول
على مدار أكثر من عامين، أودت جائحة فيروس كورونا - 2019 بحياة البشر، ودمرت سبل العيش، وعطلت الروتين اليومي، وهيمنت على الحوار السياسي في مختلف أنحاء العالم. ومع اقتراب الجائحة من نهاية طورها الحاد، ينبغي لنا أن نعكف على تقييم ما كشفت عنه جائحة كوفيد - 19 فيما يتصل بقدرة الأنظمة الديمقراطية على الاستجابة لمثل هذه الحالات الطارئة، بحسب إيف ليتيرم، رئيس وزراء بلجيكا السابق، رئيس اللجنة العالمية للديمقراطية وحالات الطوارئ.
الواقع أننا من الممكن أن نتعلم دروسا عديدة من أزمة تسببت في وفاة أكثر من ستة ملايين من البشر وأنتجت أعمق ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. على مدار العام الماضي، جمعت اللجنة العالمية للديمقراطية والطوارئ التابعة لنادي مدريد عددا من رؤساء الدول والحكومات السابقين، والخبراء البارزين، وقادة المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم لمناقشة ماذا تعلمنا من جائحة كوفيد - 19، وكيف تتمكن دولنا من التخطيط لأزمات المستقبل.
تماما كما لا يخطو أحد في النهر ذاته مرتين، لأنه ليس النهر ذاته، وهم ليسوا الأشخاص أنفسهم، فلا أحد يعاني الكارثة ذاتها مرتين. لكن التعلم من أي حدث طارئ ضرورة أساسية للاستعداد للحدث الطارئ التالي. على الرغم من ندرة الجوائح، فإن الأوبئة والكوارث الطبيعية والأزمات المالية والحوادث الصناعية تحدث على نحو منتظم. ويجب أن تكون الحكومات، والهيئات التشريعية، والمؤسسات القضائية، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية مجهزة لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات.
بادئ ذي بدء، يتعين على الحكومات أن تعمل على رفع مستوى حالة التأهب للطوارئ وأن تعمل مع نظيراتها لاعتناق الشفافية التامة، ودعم الصحافة ووسائل الإعلام المسؤولة، وتشجيع المعرفة الرقمية العامة، والعمل مع منظمات المجتمع المدني لفضح المعلومات المضللة، خاصة على الإنترنت. ينبغي لها أن تنخرط مع شركات التكنولوجيا في حل المشكلات الناشئة عن البيئة الرقمية وزيادة القدرة على الوصول إلى الموارد الرقمية. وبعد أن كشفت جائحة كوفيد - 19 عن ثغرات خطيرة في أنظمة الضمان الاجتماعي، يتعين على الحكومات أن تدعو إلى اعتماد سبل حماية أفضل للأقليات المستضعفة، والنساء، والشباب.
في الواقع، ينبغي لقادة الحكومات أن يعملوا على تعبئة جميع أدوات السياسة المالية المتاحة لتعزيز المرونة الديمقراطية وتحسين العدالة. ولا يشمل هذا توسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي فحسب، بل أيضا مضاعفة الجهود في مكافحة الفساد.
في الوقت ذاته، ينبغي للهيئات التشريعية أن تعكف على تقييم استجابة حكومات دولها لجائحة كوفيد - 19 والخروج بتوصيات بشأن التدابير اللازمة لتحسين الأداء في حالات الطوارئ في المستقبل. ينبغي لها أن تراجع الإطار القانوني المعمول به في دولها لضمان نجاح النهج المستخدم في تحديد حالات الطوارئ في عكس المخاطر الحالية على النحو الملائم، وأن الفقرات الدستورية الخاصة بإعلان حالة الطوارئ توفر الضمانات الكافية للتخفيف من خطر إساءة استخدام السلطة.
يجب أن تضمن الهيئات التشريعية أيضا أن خططها في الاستعداد للطوارئ قوية بالقدر الكافي للسماح بالإشراف الفعال أثناء أزمات المستقبل. ويجب أن تتضمن هذه الخطط قواعد مرنة تحكم الإجراءات التشريعية وتتبنى التكنولوجيات الرقمية لتعزيز المرونة وتشجيع مشاركة المواطنين.
من جانبها، يتعين على المؤسسات القضائية أن تضمن استرشاد استجابة الديمقراطيات لطوارئ المستقبل بسيادة القانون. عندما تنتهي الجائحة، ستكون الحكومات مدعوة - كما حدث في بعض الدول بالفعل - إلى التدقيق في التدابير التي اتخذتها الحكومات في ضوء معايير الضرورة، والتناسب، والعدالة الإجرائية، واحترام الحقوق الأساسية. ويجب أن تتأكد المحاكم من أن خطط التأهب للطوارئ تسمح بالإشراف القضائي السريع في أوقات الأزمات.
تتحمل منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام معظم المسؤولية في أي نظام ديمقراطي عن منع انتشار المعلومات المضللة. وهي تتمتع أيضا بالقدرة على تسليط الضوء على القضايا والعمل كمحفز لسياسات الطوارئ الأكثر قدرة على المشاركة وتلبية احتياجات المجموعات غير الممثلة على النحو الوافي. وفي الاستعداد لطوارئ المستقبل، ينبغي لمنظمات المجتمع المدني أن تدعو إلى مزيد من الحوار العام حول المخاطر الحرجة والتدابير الوقائية. أخيرا، يجب أن تطلع المنظمات المتعددة الأطراف بدورها الحاسم، من خلال تنسيق الدروس المستفادة من الدول الأعضاء وتعزيز القيم المشتركة. ومن الممكن أن تعمل آليات مراقبة حقوق الإنسان الدولية كإطار لاحترام الحقوق الأساسية في استجابة الدول للطوارئ. وينبغي للهيئات الإقليمية التي تمتلك الأدوات اللازمة لحماية الديمقراطية وسيادة القانون بين الدول الأعضاء أن تفكر في كيفية استخدام هذه الأدوات في الإشراف الإقليمي في حالات الطوارئ. ويجب أن تحرص المؤسسات الدولية مثل منظمة العمل الدولية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية، على الاستمرار في مساعدة الجهود الرامية إلى بناء المرونة والقدرة على الصمود من خلال الشمول الاجتماعي.
الواقع أن كل نظام ديمقراطي يختلف عن غيره من الأنظمة الديمقراطية، وكل حالة طوارئ تختلف عن غيرها. لكن الدرس الأكثر أهمية الذي يمكننا أن نتعلمه من جائحة كوفيد - 19 هو أن كل الدول الديمقراطية تتحمل المسؤولية، بينما تستعد للأزمة المقبلة، عن حماية قيمها الأساسية.