الغموض الأمريكي يهدد تايوان

الغموض الأمريكي يهدد تايوان
ينبغي للولايات المتحدة أن تصدر بيانا واضحا غير قابل لأي تفسير متعدد بشأن موقفها.
الغموض الأمريكي يهدد تايوان
شينزو آبي رئيس وزراء اليابان من 2006 - 07 و2012 - 20.

ذكر التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا كثيرين بالعلاقة المشحونة بين الصين وتايوان. لكن على الرغم من وجود ثلاثة أوجه تشابه بين الوضع في أوكرانيا وتايوان، فإن الأمر لا يخلو أيضا من أوجه اختلاف كبرى. بحسب ما يطرحه شينزو آبي رئيس وزراء اليابان من 2006 - 07 و2012 - 20.
يتمثل وجه التشابه الأول في الفجوة الكبيرة في القوة العسكرية بين تايوان والصين، تماما مثل الفجوة بين أوكرانيا وروسيا، علاوة على ذلك، تزداد هذه الفجوة اتساعا بمرور كل عام.
ثانيا، لا يوجد حلفاء عسكريون رسميون لأوكرانيا أو تايوان، فكل من الدولتين مجبرة على مواجهة التهديدات أو الهجمات بمفردها.
ثالثا، لأن روسيا والصين من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فمن غير الممكن الاعتماد على وظيفة الأمم المتحدة كوسيط في النزاعات التي تكون أي من الدولتين طرفا فيها. كانت هذه هي الحال مع التدخل الروسي الحالي في أوكرانيا، كما ستكون في أي أزمة بشأن تايوان.
لكن الوضع المحيط بتايوان أكثر اضطرابا، فرغم أن تايوان تفتقر إلى الحلفاء، فإنها تستفيد من قانون العلاقات مع تايوان، وهو قانون أمريكي صادر في 1979 يلزم الولايات المتحدة بتزويد تايوان بالمعدات والإمدادات العسكرية "الضرورية لتمكين تايوان من الحفاظ على القدرة الكافية للدفاع عن الذات". وقد عمل هذا القانون كشكل من أشكال التعويض عن عزوف أمريكا عن الإعلان صراحة أنها "ستدافع عن تايوان" في حال وقوع أي هجوم عليها. الآن، يجب أن يتغير هذا الترتيب.
في الرد على التدخل الروسي في أوكرانيا، صرحت الولايات المتحدة في وقت مبكر بأنها لن تنشر قواتها للدفاع عن أوكرانيا، لكن عندما يتعلق الأمر بتايوان، فقد تبنت الولايات المتحدة سياسة الغموض الاستراتيجي. هذه هي نقطة الاختلاف الثانية، فلا يزال من غير الواضح إذا ما كانت الولايات المتحدة لتتدخل بالقوة في أزمة تتعلق بتايوان.
لأن الولايات المتحدة تفضل الإبقاء على موقفها غير المحدد بشأن كيفية الرد على هجوم على تايوان، فقد عمل هذا "على الأقل حتى الآن" على تثبيط رغبة الصين في القيام بأي مغامرة عسكرية. وهذا لأن حكام الصين يجب أن يضعوا في الحسبان احتمال تدخل الولايات المتحدة عسكريا. في الوقت ذاته، أجبر الغموض الأمريكي تايوان على التفكير في احتمال إحجام الولايات المتحدة عن التدخل عسكريا، وكان هذا سببا في ردع الجماعات الراديكالية المؤيدة للاستقلال على الجزيرة.
حافظت الولايات المتحدة على سياستها هذه التي تنطوي على احتمالين لعقود من الزمن، لكن الاختلاف الثالث والأكثر أهمية بين أوكرانيا وتايوان يشير بقوة إلى أن الوقت قد حان لتعيد الولايات المتحدة النظر في نهجها. الأمر ببساطة هو أنه في حين تعد أوكرانيا دولة مستقلة دون أي مجال للشك فإن تايوان ليست كذلك.
تدعي الصين أن تايوان "جزء من دولتها"، وأن موقف الولايات المتحدة واليابان يجب أن يكون احترام هذا الادعاء. لا تقيم اليابان ولا الولايات المتحدة أي علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان، ولا تعترف معظم الدول حول العام بتايوان كدولة ذات سيادة. على النقيض من الحال في أوكرانيا، بوسع قادة الصين أن يزعموا أن أي غزو لتايوان تشنه الصين ضروري لقمع الأنشطة المناهضة للحكومة في واحدة من مناطقها، وأن مثل هذا التصرف لا يعد بالتالي انتهاكا للقانون الدولي.
عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، رضخ المجتمع الدولي في النهاية، حتى رغم أن روسيا انتهكت السيادة الأوكرانية. وفي ضوء هذه السابقة، ليس من المستغرب أن يتوقع قادة الصين أن يكون العالم أكثر تسامحا إذا ما تبنوا هم أيضا منطق الإخضاع "الإقليمي"، وليس القهر الوطني.
الواقع أن هذا المنطق جعل الغموض الاستراتيجي نهجا غير مقبول. كانت سياسة الغموض ناجحة إلى حد كبير عندما كانت الولايات المتحدة قوية بالقدر الكافي للحفاظ عليها، وما دامت الصين أدنى من الولايات المتحدة كثيرا عندما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية، لكن هذه الأيام ولت وانتهت. إن سياسة الغموض التي تنتهجها الولايات المتحدة في التعامل مع تايوان تعمل الآن على تعزيز عدم الاستقرار في منطقة الهادي - الهندي، من خلال تشجيع الصين على الاستخفاف بعزيمة الولايات المتحدة، في حين تترك الحكومة في تايبيه ينهشها القلق بلا داع.
نظرا إلى تغير الظروف منذ تبني سياسة الغموض الاستراتيجي، ينبغي للولايات المتحدة أن تصدر الآن بيانا واضحا غير قابل لأي تفسير خاطئ أو تفسيرات متعددة. لقد حان الوقت لتوضح الولايات المتحدة أنها ستدافع عن تايوان ضد أي محاولة غزو من قبل الصين.
كلما التقيت الرئيس شي جين بينج عندما كنت أشغل منصب رئيس الوزراء - يضيف شينزو آبي - كنت حريصا بشكل دائم على أن أنقل إليه بوضوح أنه لا ينبغي له أن يخطئ في تقدير نية اليابان في الدفاع عن جزر سينكاكو، وأن نوايا اليابان ثابتة لا تتزعزع. لقد علمتنا المأساة الإنسانية التي حلت بأوكرانيا درسا مريرا. لا يجوز لنا أن نسمح بأي مجال للشك في عزمنا عندما يتعلق الأمر بتايوان، وفي تصميمنا على الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

الأكثر قراءة