وعد الديمقراطية في جنوب إفريقيا
على الرغم من أن إحباط مواطني جنوب إفريقيا المتزايد من حكومتهم يتجلى في استطلاعات الرأي العامة، إلا أن المراقبين الذين يصفون البلاد بأنها دولة فاشلة يخطئون تماما. بالنظر إلى المكان الذي بدأت فيه جنوب إفريقيا في 1994، كان تقدمها ملحوظا.
في وقت يتعرض فيه عديد من الديمقراطيات للتهديد، من المهم تسليط الضوء على قصص النجاح. وفقا لإيفان ليبرمان، أستاذ العلوم السياسية وإفريقيا المعاصرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مؤلف كتاب "جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري"، (مطبعة جامعة برينستون، يونيو 2022).
قد لا تكون جنوب إفريقيا الدولة الأولى التي تتبادر إلى الذهن كديمقراطية نموذجية، لكن ينبغي أن تكون كذلك. في 28 عاما منذ انتهاء الفصل العنصري في 1994، طورت جنوب إفريقيا شكلا متعدد الأعراق والتعددية من الحكومة يتضمن برلمانا متعدد الأحزاب، وقضاء مستقلا، وصحافة حرة، ومجتمعا مدنيا قويا، وشبكة أمان اجتماعي واسعة.
يمكن للمرء بسهولة أن يفترض العكس. غالبا ما تهيمن على التغطية الصحافية الدولية لجنوب إفريقيا قصص جرائم العنف والفساد الحكومي، ما يعطي الكثير وجهة نظر مشوهة عن الدولة. وذهب بعض المراقبين المحليين إلى حد وصف جنوب إفريقيا "بالدولة الفاشلة". لكن في حين إن جنوب إفريقيا تعاني بالتأكيد مشكلاتها، إلا أن الدولة لا تشبه الدول الفاشلة الفعلية. علاوة على ذلك، من الأفضل لنا أن نتذكر أين بدأت البلاد منذ ما يقرب من 30 عاما.
بين تأسيس جنوب إفريقيا الحديثة 1909 وانتخاب نيلسون مانديلا رئيسا في 1994، حافظت أقلية عرقية على السيادة السياسية بالقوة القانونية والعنف. ازدهر الاقتصاد بالنسبة إلى البيض، لكن الأغلبية السوداء ظلت فقيرة بشكل ساحق، محرومة من التعليم المتكافئ وفرص العمل. قيدت الحكومة حركة السود، وتعيش بشكل أكثر شمولا مما فعل الجنوب الأمريكي في ظل الفصل العنصري في جيم كرو.
كان إرث الفصل العنصري يعني أنه عندما تولى "المؤتمر الوطني الإفريقي" السلطة في 1994 كانت الظروف المعيشية غير متكافئة بشكل مروع. في منتصف التسعينيات كان جميع السكان البيض تقريبا يعيشون في مساكن حديثة، مع إمكانية الحصول على المياه المنقولة بالأنابيب والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى. كان أقل من نصف السكان السود يعيشون في مبان رسمية أو لديهم إمكانية الوصول إلى مثل هذه الخدمات، وأكثر من 20 في المائة يعيشون في أكواخ معدنية واهية.
ينعكس التقدم الذي أحرزته جنوب إفريقيا خلال ربع القرن الماضي في كيفية تحسن هذه الأرقام. اليوم، يعيش نحو 80 في المائة من السود في مبان رسمية، و65 في المائة لديهم وصول مباشر إلى المياه المنقولة بالأنابيب، وأكثر من 95 في المائة يحصلون على الكهرباء. بتحقيق تقدم في وعد مكتوب في دستور ما بعد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، قامت الحكومة ببناء 3.2 مليون منزل للفقراء بين 1994 و2018.
على الرغم من أن ملايين لا يزالون يعيشون في مستوطنات غير رسمية، وعلى الرغم من أنه يتعين على الناس في كثير من الأحيان الانتظار أعواما للحصول على منزل، فقد خطت الحكومة خطوات أكبر من معظم الدول النامية في توفير المأوى المناسب لمواطنيها، كما قدمت الحكومة منحا نقدية لملايين الأشخاص الأكثر ضعفا، ما يبقيهم بعيدا عن الفقر المدقع.
يعد مسار جنوب إفريقيا بعد الفصل العنصري مثالا على "التنمية الكريمة". عبر تقسيمات العرق واللغة والجنس والثروة وحالة الإعاقة، تم تكريس حقوق الناس وأصواتهم وتاريخهم في القانون والممارسة، ودافع المجتمع المدني بقوة.
ومع ذلك، في الأعوام الأخيرة، أعرب مواطنو جنوب إفريقيا عن إحباطهم المتزايد من نظام حكمهم. في استطلاع أفروباروميتر 2015، قال 48 في المائة فقط من المستجيبين "إنهم راضون أو راضون تماما عن الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية". بحلول 2018 انخفض هذا الرقم إلى 42 في المائة، وبحلول 2021 تآكل الرضا أكثر إلى 31 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع.
على الرغم من أن سكان جنوب إفريقيا البيض يشكلون أقل من 10 في المائة من السكان، إلا أن هيمنتهم الاقتصادية المستمرة والعلاقات الدولية جعلت منهم محاورين مهمين في تشكيل الرأي العام العالمي حول البلاد. وهم في الأغلب الأكثر انتقادا للحكومة. كما أخبرني رجل أبيض من جنوب إفريقيا "بعد سماع لهجتي الأمريكية"، "حزب المؤتمر الوطني الإفريقي جعل هذه الدولة كرة قذرة"، لقد سمعت مشاعر مماثلة من السكان البيض في جميع أنحاء البلاد. عندما قمت باستطلاع آراء البالغين الذين تبلغ أعمارهم 40 عاما أو أكبر في إحدى البلديات الكبرى في 2019، قال 55 في المائة من البيض "إن الحياة اليوم أسوأ مما كانت عليه في ظل نظام الفصل العنصري". يميل السود في جنوب إفريقيا إلى إدراك مزيد من التقدم. ومع ذلك، قال 50 في المائة من السكان السود في هذا الاستطلاع أيضا "إن الأمور كانت أفضل في ذلك الوقت"، مقارنة بـ40 في المائة فقط قالوا "إن الأمور أفضل الآن".
يشتكي الجنوب إفريقيين من جميع الأعراق من الفساد الحكومي والجريمة المرتفعة والبطالة وعدم المساواة الاقتصادية المذهلة. على الرغم من التحسينات، لا تزال الخدمات الأساسية لا تصل إلى شرائح كبيرة من السكان. هذه هي المخاوف الصحيحة والمهمة. لكن النقطة الأوسع التي يجب تذكرها هي الدرجة الرائعة من التقدم الذي تم إحرازه في ظل حكومة ديمقراطية في دولة ماضيها صعب للغاية.
في حين إن انعدام الثقة على نطاق واسع تجاه الحكومة يقدم احتمالية أن تستسلم البلاد لسلطوية شعبوية مثل دونالد ترمب أو فلاديمير بوتين، إلا أن هناك قليلا من الأدلة على مثل هذا التحول حتى الآن. لقد قام نظام التعددية الحزبية في جنوب إفريقيا بعمل جيد في تمثيل مجموعة متنوعة من وجهات النظر على جميع مستويات الحكومة. على الرغم من سيطرة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على الرئاسة منذ مانديلا، فإن عديدا من أهم المدن والبلديات تحكمها ائتلافات أو أحزاب أخرى.
من بعض النواحي، فإن تعبيرات مواطني جنوب إفريقيا عن خيبة الأمل، وحتى الغضب، هي دليل على وجود ديمقراطية فاعلة. يشهد النقاش العام القوي حول مشكلات مثل الفساد وعدم المساواة الاقتصادية على عمل الصحافة الحرة والنشطة. تم الكشف عن عديد من أكبر الفضائح الحكومية في الأعوام الأخيرة من قبل المراسلين المغامرين. في حالة بعد حالة، أدى الغضب العام إلى تحقيقات برلمانية وأحيانا إلى تغيير حقيقي في شكل استقالات ومحاكمات وانقلاب في السياسة.
بدلا من اعتبار هذه الفضائح إدانة للديمقراطية في جنوب إفريقيا، يجب أن نأخذها كدليل على نجاح النظام. في الدول الاستبدادية، لا يتم نشر معظم انتهاكات السلطة علنا في المقام الأول.
بالتأكيد لا نرى دولة فاشلة. هل حكم البلاد معيب؟ بالتأكيد. هل سياستها فوضوية؟ بالتأكيد. لا توجد ديمقراطية مثالية، لكن جنوب إفريقيا تقدم رؤية أكثر تفاؤلا مما يرغب منتقدوها - داخليا وخارجيا - في الاعتراف بها.
في عديد من الأماكن حول العالم اليوم، بما في ذلك الولايات المتحدة، يربح الاستبداديون الشعبويون القلوب والعقول، بوعود جوفاء وخطابات تلقي باللوم على غير اللوم في إحباط المواطنين. يقدم مثال جنوب إفريقيا للتنمية الديمقراطية الكريمة بديلا واقعيا لحكم المجتمعات المتنوعة.