واشنطن تجدد التزامها بأمن البحر الأحمر

واشنطن تجدد التزامها بأمن البحر الأحمر
إيجاز عن قوة المهام المشتركة CTF-153
واشنطن تجدد التزامها بأمن البحر الأحمر
تعمل القوة الجديدة على تطوير أساليب المواجهة الاستباقية.

أدى اشتعال الحرب الروسية - الأوكرانية إلى خطف الصدارة من منطقة الشرق الأوسط، لكن على الرغم من البعد الجغرافي للصراع الجديد، إلا أن تبعاته قائمة في المنطقة، التي بدأت بجدولة حساباتها وفقا للظروف الجديدة، التي يفرضها الصراع الأورو شرقي، خصوصا أن نتائجه ستنعكس على المنطقة، المزدحمة بأولويات التحالفات وامتداداتها بمختلف التفرعات.
إقليميا أثبتت المنطقة أنها الأهم على مستوى الطاقة، فهي الحصان الأسود في أي صراع، وعلى الرغم من الدعاية العالمية بوصول الطاقة النظيفة أو الخضراء إلى ذروتها، يفند الصراع الروسي - الأوكراني هذا الادعاء، وأن الذهب الأسود يعلو ولا يعلى عليه، ومن هذا المنطلق تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تجديد دورها، ليكون فاعلا في وجه التجاوزات الإيرانية، المحسوبة ضمنيا على المعسكر الشرقي، ويهدف تأمين هذا التحرك الجديد إلى حماية مصالحها وتعزيز نفوذها في المنطقة وتحديدا الخليج العربي والبحر الأحمر، إذ قررت القيادة العسكرية الأمريكية، بدعم رئاسي، مواجهة منافسيها وخصومها هناك، تحديدا في البحر الأحمر، من خلال دواعي الحاجة الماسة إلى الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الشركاء هناك.
ونظرا إلى التحديات الجيوسياسية والمشاريع التوسعية الإيرانية وغيرها من الأوضاع السياسية المضطربة في المنطقة، وسيطرة ميليشيا الحوثي على معابر مائية دولية، ولمواجهة واقع جديد يهدد المصالح الأمريكية، ولحماية وتأمين ممرات الملاحة الدولية في المنطقة والمسطحات المائية المجاورة، أعلنت البحرية الأمريكية أخيرا، تشكيلا بحريا جديدا باسم قوة المهام المشتركة CTF-153، تتبع القوات البحرية المشتركة CMF.
تتمثل مهمة هذه الفرقة في التركيز على الأمن البحري الدولي، وجهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، من خلال تحالف دائم لقوات متعددة الجنسيات مكون من 34 دولة، سبق أن تأسس 2002، كخطوة أولى للعمل على مكافحة أنشطة الجهات غير المشروعة والإرهاب الدولي في أعالي البحار، وتضم ثلاث قوى أخرى "150 و151، و152"، أنشئ كل منها في ظرف استثنائي، أوجدته حاجة ماسة. وعلى غرار ما سبق، يأتي إعلان تشكيل هذه القوة، في سياقات أمنية تجمع بين التهديدات التقليدية وغير التقليدية، ولمواكبة تطورات سياسية وأزمات إقليمية ودولية تستوجب تحرك الولايات المتحدة لمواجهة تداعياتها.
التشكيل العسكري الجديد الهدف منه إعادة ضبط إيقاع الأمن البحري والحفاظ على استقرار الممرات والمضائق المائية في البحر الأحمر، الذي بات ساحة للأنشطة غير المشروعة وأعمال القرصنة المهددة للملاحة الدولية، ولتدخلات القوى الإقليمية والدولية، التي تزايد تنافسها في المنطقة، فيما تقف عوامل عدة وراء وضع كهذا، على رأسها غياب الاستقرار في بعض دول البحر الأحمر، والفجوة الأمنية، لمواجهة التهديدات البحرية لجماعة الحوثي ومحاصرة تهريب الأسلحة إليها وجعلها أكثر صعوبة، وتعمل القوة الجديدة على تعزيز التحالف الإقليمي ضد إيران وحلفائها في المنطقة، ومحاصرة نفوذهم وأنشطتهم المختلفة وردعها.
ليأتي الإعلان في سياق تكاملي مع قوة العمل المشتركة، وليسهم في خدمة أهدافها بشكل عام، أي مواجهة التهديدات البحرية، بما يشملها من نشاط مستمر للتنظيمات الإرهابية، على رأسها أنشطة ميليشيا الحوثي الإرهابية، ذات الطابع العدائي، التي تهدد نحو ثلثي التجارة العالمية، التي تعبر الممرات المائية في البحر الأحمر، فيما شهدت الأعوام الأخيرة اعتداءات على ناقلات نفطية بحرية سعودية وإماراتية.
كما ورد عن نائب قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية قوله "إن هذه الخطوة دليل ملموس وهادف على التزام بلاده بضمان الأمن والاستقرار البحري الإقليمي، كما أن مشاركة الحلفاء في هذه القوة من شأنها تبديد كثير من مخاوفهم، وزيادة ثقتهم بأنفسهم كما بحليفتهم، خصوصا أن ذلك يعني مساهمة أكبر لهؤلاء في حماية بحار المنطقة وممراتها، وبالتالي في سد الفجوة التي يعانيها الأمن البحري في الإقليم".
بدوره، قال الأدميرال براد كوبر قائد الأسطول الخامس في الجيش الأمريكي، في تصريح صحافي، "نرفض تحديد إذا ما كانت دوريات فرقة العمل المشتركة CTF 153 ستستهدف عمليات التهريب المتجهة إلى الحوثيين فقط"، وفي رده على سؤال آخر حول الصواريخ والطائرات المسيرة، التي يستخدمها الحوثيون لمهاجمة السعودية والإمارات، أوضح أن القوة الجديدة ستؤثر في قدرة الحوثيين على الحصول على مثل هذه الأسلحة، مضيفا "سنكون قادرين على القيام بذلك بشكل حيوي ومباشر أكثر مما نفعله اليوم".
كما تعمل القوة الجديدة على تطوير أساليب المواجهة الاستباقية، وإجراء عمليات بحرية معقدة، ورفع فاعلية الاستجابة للمخاطر البحرية والأنشطة غير الشرعية، بما في ذلك أنشطة تهريب الأسلحة الإيرانية، من خلال رفع الخبرة التشغيلية لبحرية الشركاء، وتطوير قدراتها، كما سيسهم الشركاء الإقليميون بكوادر بشرية، وبقطع بحرية، من خلال المشاركة في إدارة هذه القوة، فيما ستتولى الولايات المتحدة قيادة القوة الجديدة حتى الخريف المقبل، ليتولاها الشركاء الإقليميون بعد ذلك بالتناوب، وكل هذا سيسهم في بناء قدراتهم، ويكسبهم الخبرة اللازمة، ويعزز من أدوارهم لحماية أمنهم وأمن المنطقة عموما.
وينظر إلى إنشاء القوة CTF-153، والتعهد الأمريكي بمزيد من الحماية الدولية للبحر الأحمر، باعتبارهما طريقة لإصلاح العلاقة بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، فهما يوصلان إليهم رسالة مفادها أن واشنطن لا تزال ملتزمة بأمن حلفائها، وبمحاصرة دور إيران ووكلائها بما يشمله ذلك من تقليص فرص حصول الحوثيين على الأسلحة.
يمثل إعلان إنشاء فرقة العمل الجديدة CTF-153 مرحلة جديدة من التنافس البحري والسيطرة على المسطحات المائية، وهي مرحلة يتم الانتقال فيها إلى الاعتماد على استخدام تكنولوجيا قائمة على دمج أنظمة التحكم غير المأهولة مع الذكاء الاصطناعي، بما يشمل تطوير قدرات الشركاء الإقليميين وتحسين التنسيق معهم، فيما يعد هذا الإعلان التزاما أمريكيا بما جاء في مؤتمر المنامة، الذي عقد أخيرا بحضور لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي.

الأكثر قراءة