التعويضات تقف حائلا أمام الصلح الأمريكي - الكوبي

التعويضات تقف حائلا أمام الصلح الأمريكي - الكوبي

يسلط مؤتمر قمة الأمريكيتين - المنعقد حاليا في لوس أنجلوس - الضوء على مدى التغيير الذي شهدته المنطقة منذ آخر مرة كان فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض. إذ منذ كانون الثاني (يناير) 2017 أصبحت فنزويلا دولة فاشلة، كما تعزز الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة جراء الهجرة من أمريكا الوسطى، وانتخبت البرازيل نسخة استوائية من الرئيس دونالد ترمب، بينما انتخبت المكسيك يساريا شعبويا.
لكن هناك دولة واحدة لم تتغير، هي كوبا التي لا تزال دولة الحزب الواحد وشوكة في خاصرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعملية النهوض بالديمقراطية في المنطقة.. بحسب قراءة مايكل ألبرتوس أستاذ مشارك في العلوم السياسية في جامعة شيكاغو وبناء على ذلك، قررت إدارة بايدن استبعادها من قائمة الدول المدعوة إلى حضور القمة "إلى جانب فنزويلا ونيكاراجوا".
ومع ذلك، أعلنت الإدارة أخيرا أنها ستلغي العقوبات التي كانت مفروضة على كوبا في عهد ترمب، وبذلك، بدأ بايدن في تحويل السياسة الأمريكية في علاقتها مع كوبا إلى النهج الذي اتبعه رئيسه السابق، باراك أوباما. إذ في 2015 و2016 أعاد أوباما بناء العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، وأجرى زيارة رسمية إلى هافانا، وخفف بعض القيود المفروضة على السفر إلى أمريكا، وعلى المعاملات التجارية مع الجزيرة. وكانت الفكرة وراء ذلك هي أن هذا "الالتزام الإيجابي" من شأنه أن يساعد على تعزيز التغيير الاقتصادي والسياسي في كوبا وفي المنطقة على نطاق أوسع.
لكن جهود إدارة أوباما توقفت حتى قبل أن يتولى ترمب منصبه ويلغي كل التزامات سلفه، إذ طلبت الولايات المتحدة تعويضات للأمريكيين الذين صودرت ممتلكاتهم خلال الثورة الكوبية، وهي النقطة التي لا تزال تؤلم كوبا إلى يومنا هذا. وإذا تمكنت إدارة بايدن من حل المشكلة فستكون قد طوت صفحة في تاريخ المنطقة.
عندما أطاح فيديل كاسترو بفولجينسيو باتيستا 1959، كانت كوبا تقبع في الفقر وتخضع لحكم اللصوص، فقد كان باتيستا يملأ جيوبه بالمال بينما كان معظم الكوبيين يكدحون في مزارع السكر والتبغ التي تملكها النخب الثرية، أو يشتغلون كعمال الخدمات في المنتجعات الساحلية في الجزيرة. ويكمن جزء من الجاذبية الشعبية الأولية لكاسترو في راديكالية مقاربته لسد الفجوة الهائلة بين من يملكون ومن لا يملكون، فبكل بساطة صادرت حكومته الممتلكات من الأغنياء وأعادت توزيع الغنائم على الفقراء.
لكن عديدا من المواطنين والشركات الأمريكية سقطوا ضحايا علمية مصادرة الملكية والتأميم هذه. واكتشف أصحاب الفنادق، وملاك الأراضي، وشركات السكر، وملاك السكك الحديدية، فجأة أن ممتلكاتهم الكوبية قد صودرت، وأن من الأفضل لهم الهرب للنجاة بحياتهم.
ومنذ ذلك الحين، قدم الأمريكيون إلى الحكومة الكوبية ما يناهز ستة آلاف طلب ملكية مصدقا عليه، بقيمة إجمالية بلغت ملياري دولار، من خلال لجنة تسوية المطالبات الخارجية الأمريكية، وفضلا عن ذلك، تلقت وزارة العدل الأمريكية آلافا من الطلبات الإضافية، وهناك أيضا آلاف الكوبيين الذين صودرت ممتلكاتهم قبل فرارهم إلى الولايات المتحدة وحصولهم على الجنسية الأمريكية.
وحققت إدارة أوباما إنجازا كبيرا عندما أقنعت الحكومة الكوبية بإجراء محادثات بشأن هذه القضية في كانون الأول (ديسمبر) 2015، إذ لم يسبق أن اعترفت كوبا بمطالبات التعويض على أنها مشروعة أو جديرة بالمناقشة، لكن كوبا جاءت بمطلبها الخاص، وهو أن تعوض الولايات المتحدة كوبا عن التكاليف الاقتصادية الهائلة للحظر التجاري الذي فرضته على الجزيرة منذ عقود، وقدرت كوبا خسائرها فيما يراوح بين مائة مليار دولار و850 مليار دولار.
إن مطالبات التعويض عن الممتلكات المحجوزة ليست بالشيء الغريب في العلاقات الدولية، إذ في 1968 استولت حكومة عسكرية في بيرو على شركة البترول الدولية المملوكة للولايات المتحدة، بعد أن كانت في قلب فضيحة محلية أدت إلى انقلاب في البلاد، وسعت الشركة إلى الحصول على 120 مليون دولار، لكن لم يلب طلبها حتى عوضت بيرو الشركات الأمريكية الأخرى عن الأصول التي فقدتها أثناء التأميم، ما سمح للحكومة الأمريكية بالتدخل وإعادة توجيه بعض الأموال إلى مصلحتها.
ثم قامت الحكومة البيروفية نفسها بمصادرة أملاك كبار ملاك الأراضي بصورة جماعية، تماما كما فعل كاسترو في كوبا، إذ فقد أكثر من 15 ألفا من أصحاب الأراضي ممتلكات تبلغ مساحتها الإجمالية ما يقارب عشرة ملايين هكتار، ووعدت الحكومة بتقديم تعويضات على شكل سندات حكومية، لكنها فقدت قيمتها وسط تضخم جامح بعد عقد من الزمان، ولم تحترمها الحكومة أبدا. وحتى يومنا هذا، لا تزال مجموعة من ملاك الأراضي تحاول الحصول على تعويضات، وقد حاول صندوق تحوط يتخذ من أمريكا مقرا له هو Gramercy Funds Management مقاضاة الحكومة البيروفية ليحصل على تعويض بقيمة 1.6 مليار دولار بعد شراء آلاف السندات من ملاك الأراضي السابقين بأسعار رخيصة.
وتشير التجارب السابقة إلى أن الانفراج الدائم بين الولايات المتحدة وكوبا يجب أن يكون موجها نحو المستقبل. ولحسن الحظ، يمكن للادعاءات المعقدة والادعاءات المضادة أن تشكل أساسا لاتفاقية تفاوضية ذات نطاق أوسع لتطبيع العلاقات بين الدولتين.
ويقضي أحد الاقتراحات بأن تعوض كوبا صغار المطالبين ماليا، بينما تمنح كبار المطالبين حقوق تطوير الأعمال التجارية، وقد يكون هذا جزءا من حزمة لتحديث الاقتصاد الكوبي وفتحه، مع قيام الولايات المتحدة برفع العقوبات والقوانين العقابية، والترحيب بالجزيرة مرة أخرى في المؤسسات المالية الدولية المهمة. ومن شأن هذه التدابير أن تؤدي إلى أكثر من مجرد تخفيف للحظر التجاري.
بيد أن أي قرار يتخذ يجب أن يقترن أيضا بقدر أكبر من الاعتراف بحقوق الملكية داخل كوبا، كما فعلت المكسيك قبل التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في 1992. فعندما نقل نظام كاسترو الممتلكات الخاصة المحجوزة إلى الفقراء، حجب في الوقت نفسه حقوق الممتلكات عن هؤلاء المستفيدين، الذين لا يملكون سندات ملكية أو حقوق نقل ملكية كاملة.
إن هذه القيود شائعة في ظل الحكومات الاستبدادية التي تعيد توزيع الممتلكات، فإضافة إلى تقويض الاستثمار والنمو، فإنها تولد في نهاية المطاف الاعتماد على البرامج الحكومية، التي تستخدم بدورها لضمان الولاء السياسي. وكان هذا هو نموذج الاقتصاد السياسي للمكسيك منذ ثورتها في العقد الأول من القرن الماضي حتى أوائل التسعينيات من القرن الـ20.
لقد اتخذت الحكومة الكوبية بالفعل خطوات أولية نحو تقليص قطاع الدولة والتخفيف من صرامة القوانين التنظيمية المتعلقة باستخدام الممتلكات. ويجب أن يقترن الاعتراف بحقوق المطالبين الأجانب المحجوزة مع الاعتراف بحقوق الملكية لأولئك الذين حصلوا على الأصول المحجوزة، ويجب أن يحصل المزارعون في المناطق الريفية - على سبيل المثال - على سندات ملكية أراضيهم إلى جانب الحقوق المرتبطة بها، ويمكن لهذا الإجراء أن يأتي بصحوة جديدة ليس فقط للعلاقات الأمريكية الكوبية والأمريكيين الذين استولي على ممتلكاتهم، لكن أيضا للمواطنين الكوبيين، الذين يمكنهم بدورهم أن يقودوا حقبة جديدة من التنمية في الجزيرة.

الأكثر قراءة