حرب الأفكار الجديدة في أوروبا
"ستؤدي حرب روسيا في أوكرانيا إلى تقسيم أوروبا مرة أخرى، حيث سيتم فصل الشرق عن الغرب، ومن المرجح في المستقبل المنظور أن تكون الحدود بينهما منطقة خطرة يتم تأمينها عسكريا". في رأي يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا ونائب المستشار من 1998 إلى 2005، كان زعيما لحزب الخضر الألماني لما يقرب من 20 عاما.
مضيفا في تقريره بالطبع، نحن لا نعرف كيف أو متى ستنتهي الحرب، لكن لاحقا للتطورات الأخيرة، فإن الافتراض المنطقي هو أن أوكرانيا ومولدوفا ستصبحان مرشحتين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبعد ذلك ستحصلان على العضوية الكاملة خلال بضعة أعوام. إن قادة أكبر ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إضافة إلى رومانيا عبروا عن ذلك بوضوح عندما زاروا كييف الأسبوع الماضي، حيث قدموا دعمهم الكامل لطلبات عضوية أوكرانيا ومولدوفا، كما قدمت المفوضية الأوروبية الدعم نفسه بعد ذلك مباشرة.
إن عملية التوسع تلك ستغير الاتحاد الأوروبي جذريا، بحيث تحوله بشكل لا ريب فيه إلى لاعب سياسي من الناحية الجيوسياسية وخصم روسيا الرئيس في القارة. إن حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العدوانية على أوكرانيا تعني أنه قد أعلن بشكل واضح لا لبس فيه أنه يطمح إلى استعادة الإمبراطورية الروسية، ما يعني أنه يتصرف على أساس مبادئ لا تتوافق بالمرة مع مبادئ الاتحاد الأوروبي القائمة على أساس السيادة المتساوية وسلامة الأراضي، وعدم انتهاك الحدود وحكم القانون.
لقد قرر الاتحاد الأوروبي تبني أوكرانيا ليس لأنه أراد ذلك، لكن لأن روسيا أجبرته على ذلك، فلقد بدأت القتال، ما جعل أوروبا تواجه بديلين واضحين هما إما أن تخضع لمطالبات الكرملين بالسلطة، أو الدفاع عن هويتها ومصالحها على أساس احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية.
لقد اتخذ الاتحاد الأوروبي قراره مفضلا الدفاع عن مبادئه وعن حريته. سيقول بعض منتقدي قراره إنه كان ينبغي له محاولة التفاوض مع روسيا، لكن مثل هذه الحجج تفتقر إلى المصداقية فحتى لو رغب الاتحاد الأوروبي في التوسط في تسوية مريبة مع الكرملين فإن مثل تلك التسوية لم تكن لتنجح، ذلك لأن موقف الاتحاد الأوروبي يتعارض بشكل متبادل مع موقف بوتين الذي يحلم بعمل مراجعة للتاريخ من خلال استعادة الإمبراطورية.
نظرا إلى أن أي طرف لا يستطيع التراجع، يجب علينا أن نتوقع صراعا مطولا، ونظرا إلى أن القوة العسكرية وقدرات الردع ستلعبان في نهاية المطاف دورا حاسما، فإن من المؤكد أن تغير الحرب شخصية الاتحاد الأوروبي فلم يعد مشروع التكامل الاقتصادي يحتل الصدارة، من الآن فصاعدا، يجب أن تأتي المصالح الأمنية والجيوسياسية أولا.
إن إعلان دعم ترشيحات أوكرانيا ومولدوفا هو بداية المرحلة الثانية من توسع الاتحاد الأوروبي شرقا، وعلى الرغم من أن انضمام أي من الدولتين إلى الاتحاد الأوروبي لن يحدث قريبا، إلا أن العملية نفسها سيكون لها تأثير لا رجعة فيه، فلم يعد من الممكن تحقيق أوروبا المستقبل بدون دول أوروبا الشرقية، بشرط أن تبقى راغبة وقادرة على الانضمام.
إن السبب بسيط، فعندما يحين وقت فكرة ما فإنه لا يمكن إيقافها، وعلى النقيض من ذلك فإن الفكرة التي انقضى وقتها لا يمكنها أن تظل قائمة إلا إذا كانت مدعومة بقوة عسكرية، وحتى هذا لن ينقذها في النهاية. إن الصراع الجديد بين أوروبا وروسيا هو صراع حول الأفكار والتوجهات.
نظرا إلى الأهمية التاريخية لهذا التطور، يجب ألا يستسلم الأوروبيون الغربيون لأي أوهام مريحة حول المخاطر التي يواجهونها. لقد تم بناء النظام الحالي للدول في أوروبا في الأصل حول هدف دمج روسيا وأوروبا، لكن بوتين أخرج هذا المشروع عن مساره بشكل لا رجعة فيه، أي أنه أصبح شيئا من الماضي.
إن الحرب في أوكرانيا تعني أن أوروبا تواجه اختبارا لتثبت نضجها، فلقد وصلت إلى مرحلة الرشد في عالم تحدده القوى العظمى والمنافسات النووية، وسواء شئنا أم أبينا فهذه هي الحقائق الجيوسياسية في أوائل العقد الثالث من القرن الـ12، وفي ظل عدم وجود تحالف مستمر مع الولايات المتحدة ستكون أوروبا في حالتها الهشة الحالية أضعف من أن تتمكن من البقاء في المشهد. إن المصالح والقيم وحدها لن تكون كافية.
إن البديل هو أن تقبل أوروبا بضعفها الحالي وتتمسك بالأوهام الخيالية وفي آخر ذلك الطريق لن تجد إلا الخضوع والتبعية، فأوروبا لا يمكنها أن تأمل في وجود احترام متبادل في عالم قائم على أساس التنافس بين القوى العظمى.
إذن، فإن الخيار الوحيد لأوروبا هو السعي إلى إقامة تحالفات حصيفة وتطوير قوتها الذاتية وبناء قدرات الردع الخاصة بها. يجب أن يتم استبدال الأوهام التي ترسخت لفترة طويلة باستراتيجية متماسكة للنجاة من الصراع الفكري الجديد. يجب أن تقبل أوروبا بأنها تعيش في جوار خطير.