القدرات الدفاعية في ابتكار الموجات الفوضوية

إن تعزيز القدرات الدفاعية يعتمد بشكل كبير على حفظ وسرية المعلومات، ولن تستطيع الدول ذلك إلا في حال كان لديها القدرة والتفوق من خلال الابتكارات النوعية والتقنيات المتقدمة والقدرة على امتلاكها وتصنيعها بدقة متناهية، وأحد الأساليب المستخدمة لتحقيق اتصالات أكثر أمنا هو استخدام الإشارات "الموجات" الفوضوية "الضوضائية"، حيث تعد في عالم الاتصالات السرية تطبيقا عمليا واعدا للغاية، وسيكون موضوعنا اليوم عن هذه التقنية، حيث سأعرفها بشكل عام وسأتحدث عن مميزاتها واستخداماتها وما هو أثر العمل في امتلاكها وتطويرها وتصنيعها كمنظومة دفاعية وأمنية واقتصادية.
الأمن والسرية هما من الركائز المهمة في عالم الاتصالات، خصوصا مع التقدم السريع في الأنظمة الإلكترونية والتكنولوجية في الأعوام الأخيرة، وهناك عديد من التقنيات الخاصة بالتشفير لتحسين سرية نقل المعلومات، ومنها تقنيات التشفير القائمة على الإشارة الفوضوية الضوضائية Chaotic Signals، التي يمكن تعريفها وبشكل عام، بأنها تلك الإشارات المتطورة بعشوائية مع الزمن، وليس بشكل دوري، ولها طيف واسع النطاق ينتج بوساطة نظام ديناميكي غير خطي محدد بسلوك غير منتظم، وهي غير قابلة للتنبؤ، ويمكن أن تستخدم في مجال الاتصالات المدنية والعسكرية وتطبيقات السونار والرادارات. ونظام الاتصال الضوضائي كأي نظام اتصالات يتكون من جهاز إرسال واستقبال وقناة اتصال. وتعد الإشارات الفوضوية، أحد الأساليب وطرق التشفير لإخفاء ونقل المعلومات والبيانات المهمة والحساسة، ولا بد من استخدام نظام متزامن بين جهازي الإرسال والاستقبال لتحديد الجزء الفوضوي من الإشارة، الذي يتم بعد ذلك الحصول على البيانات والمعلومات المطلوبة.
يعمل كثير من المراكز البحثية والجامعات المرموقة، مثل: معمل الاتصالات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology: MIT Communication Lab، في الولايات المتحدة، وجامعة شيان للتكنولوجيا Xian University of Technology في الصين، وجامعة Lomonosov Moscow State الروسية، وغيرها، على تطوير مثل هذه الأنظمة المهمة التي تلعب دورا كبيرا في حياتنا اليومية. وأظهر كثير من الدراسات البحثية أنه بالإمكان الاستفادة من هذه الإشارات الفوضوية للحصول على أنظمة اتصالات سلكية ولاسلكية فاعلة وآمنة وموثوقة، حيث سابقا كان يتم إنتاجها عن طريق استخدام الدوائر الإلكترونية التقليدية إلا أن من عيوب هذه الطرق أن لها عمرا افتراضيا وباهظة التكاليف، وتقنيا توجد تحديات كبيرة فيما يخص عملية التزامن Synchronization، بين أجهزة الإرسال والاستقبال لهذه الأجهزة، خصوصا في مجال الاتصالات، ما يؤدي إلى فقدان كثير من الكفاءة والجهد والوقت، وحاليا أصبح كثير من هذه الأنواع من الموجات ينتج بطرق رقمية أخيرا لتتم الاستفادة منها بشكل أوسع، إلا أن طبيعة أي بحث لا تخلو من التحديات، على سبيل المثال، ما زال كثير من الباحثين يعملون على تطوير هذه التقنيات والحرص على تصنيعها بأحجام صغيرة ودمجها كـنظام متكاملSystem On Chip: SOC، ذي جودة وبأقل تكاليف وبترددات عالية جدا الذي تحدده طبيعة الاستخدام. ونجحنا - ولله الحمد - محليا في تطوير فكرة إنتاج هذه الموجات الضوضائية باستخدام رقائق المصفوفات الإلكترونية الرقمية، وتم التغلب على كثير من التحديات الخاصة بالترددات العالية التي تتطلبها بعض الأنظمة الدفاعية، وتم إجراء كثير من التجارب على هذه المنظومة التي أثبتت نجاحها مقارنة بما كان يعمل سابقا في مثل هذا الجانب، وتم الحصول على شهادة براءة اختراع من الهيئة السعودية للملكية الفكرية، والعمل جار للحصول على شهادة براءة أخرى أيضا من مكتب البراءات الأمريكي، ثم العمل على إيجاد الفرص الاستثمارية والاستفادة من ذلك بشكل أكبر، والمرحلة الأخيرة هي العملية التصنيعية، كون مثل هذا الاختراعات ستخدم وبشكل كبير قطاع أمن وكفاءة وسرية الاتصالات وتقنية المعلومات والبيانات بشكل عام، وستزيد كذلك من القدرة الدفاعية بشكل خاص.
وفي مملكتنا مملكة الحزم والعزم، وفي ظل توجهات رؤية 2030، نجد الاهتمام بقطاع الابتكار واضحا من خلال ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، عن التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار لعقدين مقبلين، حيث شملت هذه التطلعات والأولويات الريادة في الطاقة والصناعة، في سبيل تعزيز مكانة هذه الدولة المعطاء وتحقيق الصدارة العالمية والاستدامة في ذلك، من خلال إنشاء الهيئات المعنية بهذا المجال، مثل: هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، والهيئة العامة للتطوير الدفاعي، والهيئة العامة للصناعات العسكرية. وكون مملكتنا فيها كثير من الكوادر البحثية العلمية في عديد من المجالات ولدينا كم لا بأس به من الاختراعات المحكمة داخليا وخارجيا، من خلال الجامعات والمراكز الوطنية وغيرها، لذا أرى أن يتم الربط التكاملي بين هذه الهيئات وغيرها من الجهات ذات العلاقة عن طريق إنشاء منصة إلكترونية أو ما يسمى Innovation Hub، وهي بمنزلة بوابة إلكترونية يطلق عليها بوابة الابتكار، ومرتبطة تنسيقا مع الهيئة السعودية للملكية الفكرية مبدئيا للاستفادة مما لديهم من مخزون من الاختراعات والأفكار والنماذج الصناعية، ذلك سيسهل عملية توطين وتصنيع الابتكارات التي من المؤكد أن العمل عليها، خصوصا المميز والنوعي منها، سيحقق استثمارا محليا ودوليا مستداما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي