قمة جدة .. الأولوية لترتيب أوراق المنطقة وتعزيز التعاون
اختتمت القمة الأمريكية الخليجية للأمن والتنمية في مدينة جدة أخيرا بتوقيع 18 اتفاقية بين أمريكا والسعودية، وإصدار بيان مشترك يؤكد التعاون العربي الأمريكي لمواجهة التحديات، وعقدت القمة بحضور ملوك وقادة وممثلي دول المنطقة برئاسة المملكة العربية السعودية وحضور جو بايدن الرئيس الأمريكي وقادة دول الخليج وعبدالفتاح السيسي الرئيس المصري وعبدالله الثاني بن الحسين ملك الأردن ومصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي حيث أكدت القمة أن السعودية صاحبة الكفة الأرجح فيما يتعلق بشؤون المنطقة وأنها حجر الأساس لكل مجريات الأحداث المتعلقة بالمنطقة في حالات السلم والحرب وأن الشركاء والحلفاء بمختلف توجهاتهم وصفاتهم الاعتبارية لا يمكن أن يسووا أي مسألة تتعلق بالمنطقة دون الرجوع للموقف السعودي.
بحثت القمة عددا من القضايا الإقليمية خاصة قضايا أمن الطاقة والغذاء والملف النووي الإيراني، وبحث سبل الحل السياسي للقضية الفلسطينية، والأزمة اليمنية وغيرها من القضايا الإقليمية الساخنة ومن بينها الهدنة في اليمن وتوسيع التعاون الاقتصادي والأمني، بما في ذلك مبادرات البنية التحتية الواعدة إضافة إلى أمن الطاقة العالمي.
كما تهدف القمة إلى دعم وتعزيز جهود التعاون والتنسيق المستمر بين الشركاء في ضوء التطورات الإقليمية والدولية الراهنة، وإلى تأكيد الشراكة التاريخية بين هذه الدول المشاركة، وتعميق التعاون المشترك في مختلف المجالات وصولا إلى تطوير سبل التعاون والتكامل فيما بين دول القمة، وبناء مشاريع مشتركة تسهم في تحقيق تنمية مستدامة في المنطقة، والتصدي الجماعي للتحديات البيئية، ومواجهة التغير المناخي، بما في ذلك مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر اللتان أعلنهما ولي العهد السعودي، وتطوير مصادر متجددة للطاقة، والإشادة باتفاقيات الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون والعراق، وتأكيد أهمية التعاون الوثيق والرؤى المشتركة حيال عدد من القضايا والأوضاع في المنطقة.
جاءت القمة في توقيت استثنائي من عمر العالم والمنطقة، إذ يشهد العالم توترا بين المعسكرين الشرقي والغربي بعد التدخل العسكري الروسي لأوكرانيا، لينتج عن هذا التدخل العسكري أزمة إمدادات نفطية، أدت إلى وصول أسعار النفط إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، لتعود منطقة الشرق الأوسط إلى الأنظار مجددا بعد أن اختطفت الأنظار منها مؤقتا بسبب هذا التدخل العسكري، لتتعالى الأصوات الغربية المطالبة بزيادة إنتاج النفط.
أكد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في كلمته أمام القمة أن المملكة أنتجت 13 مليون برميل، وهذا الرقم طاقتها القصوى في إنتاج النفط يوميا، كما سبق أن تحملت المملكة أعباء إنتاج النفط بزيادة حصتها لسد الفراغ عن بعض الدول المستنكفة عن الإنتاج بسبب العقوبات أو غيرها من الأسباب ليغلق باب المطالبات الغربية بزيادة الإنتاج السعودي.
السياسة السعودية الخارجية ملتزمة بنهجها المتزن، ولا تحكمها العواطف أو الانفعالات، وهذا ما أكدته القمة، بالاحترام السعودي للعلاقات مع المنافس الأكبر لواشنطن، من خلال العلاقات الطيبة القائمة على جملة من التفاهمات، أدت فيما بعد لاتفاق "أوبك بلس"، المكون من كبرى مصدري النفط في العالم، وفي مقدمتهم السعودية وروسيا.
أمريكيا سبقت القمة جولة للرئيس الأمريكي استهلها من تل أبيب لتأكيد المصالح الأمريكية التقليدية التي تتمثل في تعزيز الاستقرار والسلام في منطقة تتميز بالصراع، إلا أن الزيارة نفسها تمثل تحولا مذهلا في أولويات سياسة الإدارة الديمقراطية الخارجية التي ركزت، من خلالها الإدارة الأمريكية على المنافسة مع الصين، لكن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا أثر في نهجها العام، وإحدى النتائج الملحوظة هي أنه قد تم ترقية الشرق الأوسط في الاستراتيجية الجيوسياسية الجديدة للبيت الأبيض لدعم النظام الدولي القائم على القواعد، بعد اتخاذ منظومة إجراءات تمثلت في التمهيد للانسحاب من العراق، وتصريحات بسحب قواتها من البحر الأحمر لتتدارك ذلك بإضافة قوات مشتركة متنوعة المهام، لمواجهة الاعتداءات الحوثية المدعومة من قوات الحرس الثوري الإيراني.
إيران الغائب الحاضر عن القمة كان لها نصيب من البيان الختامي، حيث دعاها القادة إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع دول المنطقة، لإبقاء منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل، وللحفاظ على الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا.
وشددوا على "إدانتهم القوية للهجمات الإرهابية ضد المدنيين والأعيان المدنية ومنشآت الطاقة في السعودية والإمارات وضد السفن التجارية المبحرة في ممرات التجارة الدولية الحيوية في مضيق هرمز وباب المندب".
فلسطينيا أعادت مخرجات الروح للقضية الفلسطينية بعد تمسك السعودية بمبادرة السلام العربية وحل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، لتؤكد القمة زيف الشائعات المتعلقة ببناء تحالفات عربية وإقليمية مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
كما أعطت قمة جدة زخما جديدا للقضية الفلسطينية وأكدت محوريتها ومركزيتها من خلال تكاتف الموقف العربي الصادر عن القمة، وتمسكه بقرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية.
كما أكد القادة ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدة سورية وسيادتها، ويلبي تطلعات شعبها، بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن، مشددين على أهمية توفير الدعم اللازم للاجئين السوريين والدول التي تستضيفهم، ووصول المساعدات الإنسانية لجميع مناطق سورية.
إلى ذلك عبر القادة عن دعمهم لسيادة لبنان، وأمنه واستقراره، وجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي، منوهين بانعقاد الانتخابات البرلمانية، بتمكين من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة داعين جميع الأطراف في لبنان لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية كما أشادت القمة بجهود أصدقاء وشركاء لبنان في استعادة وتعزيز الثقة والتعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودعمهم لدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان.