مليارات ضائعة من الاحتيال والديون المعدومة .. تحولات تفسح الطريق لبطاقات الائتمان الافتراضية

مليارات ضائعة من الاحتيال والديون المعدومة .. تحولات تفسح الطريق لبطاقات الائتمان الافتراضية
مليارات ضائعة من الاحتيال والديون المعدومة .. تحولات تفسح الطريق لبطاقات الائتمان الافتراضية

في خمسينيات القرن الماضي ظهر إلى حيز الوجود بطاقة "دينرز كلوب"، لم تكن البطاقة أكثر من قطعة من الورق المقوى، لكنها كانت البداية الأولى لصناعة بطاقات الائتمان ذائعة الانتشار.
وفي نهاية الخمسينيات تم تقديم أول بطاقة ائتمان بلاستيكية من قبل أمريكان إكسبريس، وفي الستينيات ظهرت بطاقة فيزا لتمنح العملاء فرصة تسديد مدفوعات مشترياتهم على أقساط أو الدفع لاحقا.
في العقدين الماضيين، باتت بطاقات الائتمان جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، لكن بطاقات الائتمان المادية التي تبدو في شكل قطعة بلاستيكية مليئة بالأرقام وباسم صاحبها، تختفي الآن تدريجيا من الاستخدام لتفسح الطريق لبطاقات الائتمان الرقمية أو الافتراضية.
ومثلت جائحة كورونا فرصة لازدهار البطاقات الرقمية، خاصة مع زيادة المعاملات عبر الإنترنت، نتيجة بقاء الناس في منازلهم، أو استخدام طرق الدفع دون تلامس.
وفي الواقع، فإن أغلب البنوك الكبرى ترى أن التحول إلى البطاقات الافتراضية يمثل تهديدا وجوديا لبطاقات الائتمان التقليدية، خاصة مع تكامل تلك البطاقات الافتراضية وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي باتت أكثر استخداما في البنوك حاليا.
من جانبه، يقول ك. آر. نايجل نائب رئيس قسم الائتمان المالي في مجموعة نيت ويست المصرفية، "لا تختلف بطاقات الائتمان الافتراضية عن النقود البلاستكية أو بطاقات الائتمان المادية التي نستخدمها بالفعل، فلديها رقم مكون من 16 رقما، وCCV وتاريخ انتهاء الصلاحية، ويمكن استخدامها بطريقة مماثلة للبطاقات التقليدية، لكنها توفر مستوى أعلى من الأمان وسهولة في الإعداد والاستخدام بينما العروض والمزايا الأولية هي نفسها.
ويضيف لـ "الاقتصادية" أنه "في الوقت الحالي ستوجد البطاقات المادية والافتراضية معا لبعض الوقت، لكن في نهاية المطاف سيكون هناك تحول من البطاقات الائتمانية التقليدية إلى الافتراضية".
وفي الواقع التحول إلى البطاقات الائتمانية الافتراضية ما هو إلا واحد من عديد من التغيرات المهمة التي تمر بها حاليا صناعة البطاقات الائتمانية، حيث يهيمن الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتلة على المستقبل طويل الأجل للصناعات المصرفية عامة والبطاقات الائتمانية تحديدا، في الوقت الذي تتطور فيه إدارة المخاطر والتخطيط المالي والتسويق وأنظمة الدفع نتيجة تلك التحولات التقنية، وستؤدي حتما تلك التغييرات المقبلة إلى تغيير جذري في الطرق التي ندير بها إمكاناتنا المالية.
في هذا السياق تحديدا، ستصبح مقاييس التصنيف الائتماني أكثر صرامة ومرونة في الوقت ذاته، إذ سيسهم الذكاء الاصطناعي في أن تقوم البنوك بمنح العميل بطاقة ائتمان تتناسب بشكل أدق مع قدراته المالية، وسيساعد إنترنت الأشياء البنوك على التأكد من قدرة العميل على الحصول على القروض وسدادها بناء على عوامل مختلفة، ما يسهم إلى حد كبير في تخلص البنوك من الديون المعدومة، ويسمح لأنظمة الائتمان البنكية من العمل بسلاسة أكبر مما عليه الآن.
بدورها، تعتقد لورين تروس الخبيرة المصرفية أن إدخال الذكاء الاصطناعي بكثافة في النظم المصرفية، وتحديدا في الأقسام المسؤولة عن إصدار بطاقات الائتمان، حيث يمكن القيام بعملية تقييم مالي دقيق للعميل قبل منحه بطاقة الائتمان، سيمكن البنوك الأوروبية من توفير 460 مليار دولار، والبنوك الأمريكية 310 مليارات دولار تدخل ضمن فئة الديون المعدومة نتيجة منح العملاء بطاقات ائتمانية تفوق قدرتهم المالية الحقيقية.
وتضيف لـ "الاقتصادية" أن "صناعة البطاقات الائتمانية تمر الآن بمرحلة شديدة الأهمية عبر الزيادة التدريجية لكن الثابتة للبطاقات الافتراضية، وربما يمثل ذلك وسيلة فعالة لمواجهة عمليات الاحتيال المرتفعة في عالم البطاقات الائتمانية، خاصة في مجال التجارة الإلكترونية".
وأشارت إلى أنه في عام 2020 فقدت البنوك في جميع أنحاء العالم مبلغ 971 مليار دولار بسبب الاحتيال على بطاقات الائتمان، منها 21 في المائة من الاحتيال في التجارة الإلكترونية، و41 في المائة من عمليات الاحتيال عبر الهاتف".
الجديد أيضا في عالم بطاقات الائتمان أن الشركات المصدرة لتلك البطاقات تراهن على استخدام العملات المشفرة يوما ما بشكل روتيني في عمليات شراء مستلزمات الحياة اليومية من طعام وملابس وأدوية، وتخطط الآن حيث يمكن للمستهلكين إجراء عمليات الدفع باستخدام العملات المشفرة المرتبطة ببطاقات مثل مستر كارد وفيزا، وإذا نجحت تلك الجهود فستشكل نقطة تحول رئيسة في نظم المدفوعات، نظرا لأن عملية الدفع والسداد لن تتم بالعملات السائدة.
بدورها، ذكرت لـ "الاقتصادية" ماريا كريس الخبيرة في مجال العملات الافتراضية، "يبحث بعض شركات بطاقات الائتمان عن نماذج مختلفة لاستخدام العملة المشفرة في المعاملات اليومية، لكنها لا تزال في المرحلة الأولى، والمؤكد أن هناك استعدادا أكبر من البنوك للموافقة على هذه المعاملات للمستهلكين الذين لديهم حدود إنفاق مرتفعة".
مع هذا يرى بعض الخبراء أن هناك حاجة دائمة في النظم المصرفية الحديثة إلى استحداث منتجات ائتمانية متجددة تتيح المرونة لادارة عمليات المشتريات بالنسبة للمستهلكين، خاصة أن عديدا من الدراسات الحديثة كشفت أن ما يعرف بجيل Z آي مواليد ما بعد عام 1980 وجيل الألفية منسجمون مع مفهوم الائتمان سواء من خلال البطاقات الائتمانية أو ما يعرف بنظام "اشتر الآن وادفع لاحقا".
من هذا المنطلق، يرى الدكتور بول سيجفرايد أستاذ النظم المصرفي في جامعة جلاسكو، أن الخمسة أعوام المقبلة ستشهد نموا لخيارات الدفع المختلفة المدعومة بتسهيلات ائتمانية، وربما يختار المستهلك استخدام بطاقة ائتمان للمعاملات الدولية، بينما يفضل استخدام نظام اشتر الآن وادفع لاحقا للمعاملات المحلية منخفضة القيمة.
وقال لـ "الاقتصادية" إن "تنوع الخيارات الائتمانية للمستهلك سيوجد منافسة بين تلك المنتجات الائتمانية الأمر الذي يصب في مصلحة المستهلك. وعلى أي حال خيار اشتر الآن وادفع لاحقا، يعد نوعا من التمويل قصير الأجل، وغالبا لا يتقاضى هذا النموذج الائتماني فائدة أو رسوما، باستثناء الرسوم المتأخرة للدفعات الفائتة".
ويتوقع الدكتور سيجفرايد، أن يزداد الإقبال على النظام الائتماني "اشتر الآن وادفع لاحقا" على حساب بطاقات الائتمان، وذلك في ظل ارتفاع معدلات التضخم على المستوى العالمي.
وفي الواقع، فقد حذرت وكالة مراقبة المستهلك في الولايات المتحدة من أن المستهلكين قد يلجأون بشكل متزايد إلى النظم الائتمانية المختلفة خاصة البطاقات الائتمانية، حيث تؤدي زيادة أسعار الضرورات إلى تغيير ميزانياتهم، ومع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية فإن هناك مخاوف من تراكم الديون على مستخدمي بطاقات الائتمان.
أما في المملكة المتحدة، فإن الأمر لم يختلف كثيرا، إذ تشير التقديرات المتاحة إلى توقع ارتفاع الطلب على الائتمان الاستهلاكي 7.9 في المائة هذا العام و5.5 في المائة العام المقبل، نتيجة ضغوط تكاليف المعيشة، بينما يتوقع أن ترتفع نسبة خسارة القروض إلى 1.7 في المائة هذا العام.
وهان تحذر آنا أنتوني أستاذة الاقتصاد الكلي في جامعة لندن، ما تصفه بالمأزق الراهن في السوق الائتمانية عامة والبطاقات الائتمانية خاصة.
وذكرت لـ "الاقتصادية" أن "صناعة البطاقات الائتمانية يهيمن عليها عدد قليل من اللاعبين الرئيسين، وقد زادت أرباح الشركات على حساب حاملي البطاقات، ورغم أن نسبة جيدة من حاملي البطاقات يسددون أرصدة حساباتهم بالكامل متجنبين رسوم الفائدة، فإن الأمر قد يختلف في الأشهر المقبلة نتيجة مواصلة ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار الفائدة".

الأكثر قراءة