المنشق هانس كونج
منذ أيام وجودي في ألمانيا وأنا أتابع هذا الرجل المثير (هانس كونج Hans Kueng) السويسري الجنسية ويتكلم الألمانية، ويثير الاعتراضات على عصمة البابا، وينتقد الكنيسة دون رحمة ووجل، ويقول إنه لا يشبه البابا في حكمه إلا سلاطين العالم من العصور الوسطى؟ فهم يحكمون حتى الموت دون استقالة وإقالة.
ويرى الرجل أن الاستبداد السياسي تلميذ متواضع في مدرسة الاستبداد الديني، وأي تساؤل حول هذا هرطقة، والسعيد من مشى دون اعتراض وسلم عقله للمؤسسات الدينية، أو هتف في المظاهرات للقائد الأبدي بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم؟
ويرى الرجل أن الدين غير المؤسسات الدينية، فالمسيح لم يعلن نفسه ربا، ولكن المؤسسة الدينية حولت الناسوت إلى لاهوت، والعبد المخلوق إلى إله يدير الكون.
والمسيح لم يقل ولا في الإنجيل فقرة تنص على أن الله انشطر إلى ثلاثة، ولكن المؤسسة اخترعت مركب الأقانيم، وباعت تذاكر لدخول الجنة مثل صالات القمار والسينما.
وعلى هذه المؤسسة الدينية الفاسدة اعترض مارتن لوثر، متأخرا عن الإسلام ثمانية قرون، ومن أجل ذلك ثار، ومن عقابيل هذا انفجرت حرب طاحنة دامت 30 سنة على الأرض الألمانية مات فيها ثلث السكان، بحيث اضطرت الكنيسة إلى إصدار مرسوم (نورمبرج) الذي يحلل الزواج بأكثر من واحدة، اقتداء بسليمان الذي تزوج 900 امرأة كما جاء في العهد القديم.
وحين مات البابا الأخير واجتمع في جنازته السياسيون المنافقون يتبادلون الكذب، ويضمر كل واحد للآخر خنجرا على طريقة الحشاشين، ولكن هذا العالم الحر الجريء (هانس كونج Hans Kueng) تجرأ وقام بعمل نقدي، باستعراض أهم سيآت الكنيسة ومثالبها ووضعها في تسع فقرات، مثل الموبقات السبع!.
ويعتبر هذا التيولوجي المنشق من أهم علماء اللاهوت الكاثوليك في العالم، وأصدر عام 1979 كتاباً يتساءل حول عصمة البابا، كلفه أن تسحب منه الكنيسة ترخيص الوعظ وتعلن براءتها منه.
ومنذ ذلك الوقت دخل الرجل في حرب طاحنة مع هذه المؤسسة الدينية مثل عصفور يواجه ديناصور.
ومن حماه كانت الدولة الألمانية، وهو يبلغ الآن من العمر نحو 80 حولا بكامل النشاط والحيوية، ويدرس في جامعة توبنجن.
ويجمل الرجل أخطاء الكنيسة بعنوان الخطايا أو المتناقضات التسعة، ويجملها في:
ـ حقوق الإنسان الذي لم توقعه الكنيسة حتى اليوم.
ـ النظرة العنصرية ضد المرأة.
ـ الفضائح الجنسية التي يمارسها رجال نذورا أنفسهم للتبتل.
ـ رهبانية ابتدعوها قلصت عدد القسس، ويتم استيرادهم حاليا من إفريقيا وسريلانكا.
ـ علاقات سيئة مع بقية الفرق المسيحية.
ـ سياسة شخصية وصفها بالحرف الواحد إنها الطاعة غير المشروطة مثل أداء اليمين النازية للفوهرر.
ـ ونظام كنسي اكليركي عصي على الإصلاح.
نادى الرجل بالحوار، مقابل خنق كل حوار داخل جدران المؤسسة الكنسية، في قبضة شمولية لكنيسة رومانية من القرن الـ 11، لينتهي إلى أن اعتراف الكنيسة بـ (الأخطاء التاريخية) لم تزد عن كلمات جوفاء، ليخلص إلى حكم في غاية القسوة، ويقول:
"إن وضع الكنيسة بالغ الخطر، وإنها في طريق مسدود ما لم يقم البابا الجديد بإصلاحات حقيقية" وكلامه هذا أجراس إنذار لكل من دخل هذا النفق وأصيب بالصمم.
وفي الواقع فهناك مزايا إيجابية للبابا مثل أي إنسان؛ فكل منا يؤخذ منه ويرد عليه، ولكن مشكلة العصمة تدخلنا باب المستحيل وتكرس الأخطاء، وهو ما تورطت فيه الكنيسة، وخسرت الرهان منذ عصر التنوير.
ويتعجب المرء أحيانا كيف تخلصت أوروبا من قبضة الكنيسة؛ فمحاكم التفتيش بقيت تعمل بكامل طاقتها خمسة قرون.
وينقل فولتير عن حرق مليون امرأة بتهمة السحر الأسود، ليطلق صرخته: اسحقوا العار واشنقوا آخر قسيس بأمعاء آخر إقطاعي، مما دفع الكنيسة إلى (بروستريكا) كنسية، وفتح الباب لمراجعة 4500 وثيقة من أقبية الفاتيكان تعود إلى عصر التفتيش.
وحتى نفهم سر هذا التحول فيجب النظر إلى قصص تقشعر منها الأبدان، لأناس مشوا على جسر من المعاناة فوق نهر من الدموع، فجيوردانو برونو احتفل الناس في مكان حرقه في روما بعد مرور أربعة قرون، وحتى اليوم فالكنيسة لم تعد له الاعتبار، لأنه رأى أن المسيح لم يكن ليفدي نفسه من أجل كوكب تافه مثل الأرض في كون لانهائي.