المراوغة والإنكار نهج أصيل في سياسات النظام الإيراني

المراوغة والإنكار نهج أصيل في سياسات النظام الإيراني
المراوغة والإنكار نهج أصيل في سياسات النظام الإيراني

تعيش الدولة الإيرانية حالة متجذرة من المراوغة والإنكار، نتيجة للسياسات الداخلية والخارجية للسلطات، التي تتخذها سياسة عامة في التعامل مع الملفات كافة، وذلك بعد أن اتبعت نهج العصابات في التعامل مع المجتمع المحلي أو المجتمع الدولي، حيث فضلت سلطة الحكم في طهران لباس زي العصابات على لباس دولة القانون والمؤسسات، مستبعدة بهذه السياسة كل ممكنات الدولة بمفهومها العام، لتكون دولة ذات مفهوم خاص يقتصر على مجموعة من المنتفعين أصحاب الفكر التوسعي، المبني على التمدد والتهام الآخرين بغض النظر عن كياناتهم وأعراقهم ومعتقداتهم، من خلال سياسة الهدم والتفرقة والإنكار، المبنية على مبادئ عدم تحمل المسؤولية تجاه الآخرين، فالنظام الدوغمائي في إيران له أهداف واضحة ورؤية يقينية مطلقة لا تقبل التشارع أو التنازع، الأمر الذي يجعل الحلم بأن تغير إيران موقفها، بل مواقعها ومواضعها حول العالم، أمر من قبيل الأحلام.
انتهجت السلطات الإيرانية خلال نحو أربعة عقود سياسة المراوغة والإنكار، جاعلة منها النهج في التعامل بشؤون السياسة المحلية والخارجية، فهي تمارس الإنكار تجاه مسائل الحريات الشخصية والدينية، وتدعي أنها دولة إسلامية ذات طابع مدني، فيما تمارس قوات الحرس الثوري أعتى أنواع القمع بحق كل المطالبين بالحريات المدنية والشخصية، لكن الحريات الشخصية تندرج في المرتبة الثانية بعد الحريات ذات الطابع السياسي، التي قد تكلف المطالب بها الموت أو السجن المؤبد، فالحياة السياسية في كنف نظام المرشد الأعلى عبارة عن خط باتجاه واحد، يسير بكل من يعمل به نحو خدمة المرشد الأعلى واتباع تعاليم ومعتقدات الثورة الخمينية الإيمانية والحياتية، مع كامل الإنكار لكل ما هو مخالف لذلك.
خارجيا، تختلف المعادلة خارج إيران عن داخلها، فهي تمارس سياسات التدخل في الآخرين، دون أن تترك بصمات لها كما تدعي، في حين تعاني كل المواطئ التي داستها أقدام جنود المرشد التشوهات المدنية والاجتماعية، حيث يعم فيها الخراب والدمار، فالأمثلة التي خلفتها ممارسات النظام الإيراني في الدول المجاورة لها ماديا ومعنويا، كفيلة أن تكشف عن زيف الادعاءات والإنكار، التي يمارسها هذا النظام بحق الآخرين، ففي اليمن رائحة الموت تفوح في كل مكان بسبب انقلاب ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا على القيادة الشرعية اليمنية، فيما تتواصل حمم الموت في سورية جراء تدخل قوات إيرانية في الأزمة هناك، فيما يكتسي لبنان زي الدولة الفاشلة جراء سيطرة حزب الله على الأوضاع في البلاد، فيما يشكل العراق غرفة عمليات إيرانية لممارسة سياسة الإنكار، حيث يتم فيه نسج الروايات ورسم السياسات لرجالات المرشد.
أما على سبيل التعامل مع الغرب، فتمارس السلطات الإيرانية أعلى درجات المراوغة والإنكار، خصوصا فيما يتعلق بملفها النووي، الذي تتملص بالالتزام تجاهه، بناء على مجريات أحداث وجولات من الشد والرخي في المفاوضات الجارية بخصوصه في جنيف، حيث تشير مصادر للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران واصلت في الأشهر الأخيرة تخزين اليورانيوم المخصب، وبات مخزونها الآن يتجاوز أكثر من 19 مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني المبرم في 2015، فيما واجهت السلطات الإيرانية هذه المعلومات بالإنكار، مدعية التزامها بحدود التخصيب المتفق عليها مع الدول الكبرى.
وصل الحال بالسلطات الإيرانية إلى إنكار الهجمات والضربات سواء كانت العسكرية أو السيبرانية، التي تستهدف مواقعها ومفاعلاتها النووية، كما حصل في مدينة نطنز وغيرها، حيث ذكر التلفزيون الرسمي أن الدفاعات الجوية الإيرانية أطلقت صاروخا في إطار تدريب فوق مدينة نطنز، التي تقع في وسط البلاد وتضم منشآت نووية، فيما أنكرت وكالة الطلاب الإيرانية الحادثة كليا، ونفت وقوع دوي انفجارات، فيما تواصل نفيها المستمر بأنها تتصدى بكل قوة للهجمات السيبرانية، التي تسببت أخيرا بتعطيل محطات الوقود في أنحاء البلاد كافة، فيما تعاني البلاد تخلفا تكنولوجيا كبيرا بسبب سياسات السلطة الحاكمة، التي أخضعت البلاد لمجموعة من العقوبات.
آخر صيحات النظام الإيراني في سياسة المراوغة والإنكار، جماعة "الوارثون" وهي إحدى الوسائل التنفيذية لسياسة الإنكار، التي تعدها طهران وسيلة هجومية متقدمة لتنفيذ الردود، ولها صلة متكررة بالعمليات الحركية، التي يديرها "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني، التي يقصد منها أن تكون قابلة للإنكار، فهي خلية أعمال حركية مباشرة، تستخدم العراقيين لإخفاء تورط إيران، وهي جماعة واجهة تتبنى عمليات "فيلق القدس"، التي تستخدم الأراضي العراقية، حيث أسست جماعة "الوارثون" لتنفيذ عمليات شبه عسكرية أو لإخفاء مصدر الهجمات العسكرية، التي تشنها إيران داخل العراق أو باستخدام الأراضي العراقية، وتدل قدرة الجماعة على الوصول إلى الطائرات المحركة من طراز "قاصف-2ك" على علاقتها بـ"فيلق القدس" أو إحدى الجماعات التابعة له.
من جهة أخرى، يراوغ النظام الإيراني شعب بلاده بضخ مزيد من الأكاذيب لإيجاد حالة من الاعتزاز بقوة بلاده، حيث سبق وأعلن الأدميرال حسين خانزادي قائد القوة البحرية التابعة للجيش الإيراني، أنه "سيتم تدشين مدمرة وطنية الصنع في مياه جنوب إيران"، وأنها ستكون محلية تماما ومزودة بأحدث الأجهزة، لتضاف إلى إمكانات البلاد الدفاعية، عادا "أن إطلاق هذه الغواصة سيذهل الأعداء، لما فيها من تقنية حديثة ومتطورة، وليس في مستطاع كارهي وحاسدي إيران أن يتصوروها".
ترجع معدات الجيش الإيراني إلى سبعينيات القرن الماضي، وغالبها من مخلفات الترسانة العسكرية السوفياتية، ولم تطلها يد التحديث أو التجديد طوال عقود، الأمر الآخر هو أن معظم معدات الجيش الإيراني تكاد تكون معطوبة، ومرد ذلك أن قطع الغيار الحديثة لم تعد تعرف طريقها إلى إيران منذ فترة طويلة، جراء العقوبات الاقتصادية التي وقعت على البلاد، ولهذا لم تجر عملية إحلال وتبديل في الأسلحة الرئيسة للقوات الإيرانية، وفي المقدمة منها: القوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي، تلك التي تعد "القلب الصلب" لأي بناء عسكري معاصر.

الأكثر قراءة