الإنترنت .. نافذة الأمل الأخير في إيران
اشتعلت الاحتجاجات والتظاهرات في 50 مدينة وبلدة إيرانية أخيرا، استنكارا لجريمة القتل المروعة، التي نفذتها قوات شرطة الأخلاق بحق مواطنة إيرانية، تدعى مهسا آميني ابنة الـ22 عاما، التي لقيت حتفها بعد ثلاثة أيام نتيجة لتلقيها ضربة على الرأس، بحجة خلع الحجاب، وتنفيذا للشريعة والقانون في البلاد، لتواجه السلطات الإيرانية الحادثة بالإنكار لاحقا، ولتضاف ضحية جديدة في سجل شرطة الأخلاق المحسوبة على منظومة القمع والفساد في البلاد، هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها، حيث سبق أن نفذت غيرها شرطة الأخلاق المعروفة فارسيا بـ"غاشت إرشاد"، المصنفة على لوائح العقوبات الأمريكية، لارتكابها جرائم بشعة أخرى بحق إيرانيات، ما تسبب في توجيه انتقادات إقليمية ودولية إلى النظام الإيراني.
سجلت طهران ومدن أخرى في إيران، وقوع مظاهرات مناهضة لإلزامية ارتداء المرأة الحجاب، عقب مقتل الفتاة آميني، رفعت خلالها شعارات "لا للدكتاتورية" و"الموت لخامنئي"، في إشارة إلى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، صاحب السلطة العليا في البلاد، فيما تعد هذه الاحتجاجات والتظاهرات الأكبر منذ 2019، التي قادها العاملون بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
وتعني "غاشت إرشاد" بالفارسية "شرطة الأخلاق"، وهي الجهة المكلفة بإلزام النساء بتغطية الرأس والرقبة. نشأت هذه الشرطة بشكلها الأولي بعد الثورة الإيرانية 1979، لتقوم ميليشيات وجماعات متشددة محسوبة على النظام بفرض ضوابط على سلوكيات النساء وملابسهن، بحجة فرض الحشمة والستر على المجتمع الإيراني بحلته الدينية الجديدة، وبعد أعوام تم دمج هذه الجماعات بأجهزة الدولة الرسمية، لتصبح إحدى أذرع جهاز الشرطة الإيراني رسميا، لتشهد بداية التسعينيات انطلاقة جديدة لشرطة الأخلاق، التي اتبعت استراتيجية مكافحة "الحجاب غير السليم"، ما أثار سخط الشعب الإيراني جراء هذه التصرفات، التي أخذت في قمع النساء بوتيرة مرتفعة حتى وصلت ذروتها 2006، لتطبق شرطة الأخلاق أحكاما عرفية في الشوارع على الإيرانيات المخالفات للقوانين واللوائح التي فرضتها مرجعية الدولة، بدعم مفتوح من "الباسيج"، إحدى أذرع الحرس الثوري الإيراني سيئ الصيت.
شرطة الأخلاق الإيرانية لم يتوقف دورها عند قمع النساء بسبب اللباس، بل وصلت بها الحال إلى ملاحقة الشباب الإيراني واعتقاله، بتهمة قصات الشعر غير الملتزمة أو الغريبة عن المجتمع الإيراني، إضافة إلى ما يرتديه الشباب من لباس غربي، لكن ذلك لم يستمر طويلا، نتيجة لما تسبب فيه من أحداث عنف، احتجاجا على الممارسات بحق الشباب الإيراني، لتكف شرطة الأخلاق يدها عنهم، وتكتفي بملاحقة النساء، ما كلف النظام الإيراني كثيرا من الانتقادات الدولية، فالاحتجاجات والانتقادات لم تقتصر على خصوم النظام الإيراني محليا وخارجيا، بل وصل انتقاد شرطة الأخلاق إلى الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني في 2018 حين انتقدها، واتهمها باستخدام العنف.
تواجه الشرطة الإيرانية الاحتجاجات الشعبية في البلاد بيد من حديد، وعلى الرغم من ذلك انتشرت التظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، مخلفة وراءها عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين، وتعليقا على مجريات الأحداث في إيران، بين مركز حقوق الإنسان، ومقره نيويورك، أن "الحكومة ردت على المتظاهرين بالذخيرة الحية والمسدسات والغاز المسيل للدموع، وفق أشرطة فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيها أشخاص ينزفون بغزارة"، فيما أفادت منظمة "هيومن رايتس" إيران، ومقرها في النرويج، بأن حصيلة أعداد الضحايا تجاوزت 60 قتيلا، والعدد قابل للزيادة، فيما سجلت احتجاجات نهاية الأسبوع الليلية 17 قتيلا، بعد اشتباكات دامية مع قوات الأمن، أحرقت فيها سيارات للشرطة، ورددت شعارات معارضة للحكومة.
وردا على التظاهرات المعارضة للنظام، نزل آلاف المتظاهرين، إلى الشارع في عدد من المدن الإيرانية، بناء على دعوة حكومية منظمة تأييدا لوضع الحجاب، بعد احتجاجات متواصلة منذ سبعة أيام على وفاة أميني، التي كانت قد أوقفتها شرطة الأخلاق بسبب "لباسها غير المحتشم".
من جهتها، أعلنت واشنطن رفع بعض القيود المفروضة على التجارة مع إيران من أجل السماح "لشركات التكنولوجيا بتزويد الشعب الإيراني بمزيد من الخيارات لمنصات وخدمات خارجية آمنة"، جاء ذلك بعد أيام من إعلان إيلون ماسك مالك شركة "سبيس إكس" أنه يعتزم طلب إعفاء من العقوبات المفروضة على إيران من الإدارة الأمريكية، بهدف تقديم خدمات الاتصال بالإنترنت في إيران عبر أقمار ستارلينك الاصطناعية، حيث تتزامن الأحداث مع مساع حكومية لفرض مزيد من التضييق على الشعب الإيراني فيما يتعلق بحريات الإنترنت، بعدما أصدرت لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني مذكرة لتطبيق مشروع "تضييق الإنترنت"، وتحديدا تطبيق "إنستجرام"، الذي يعد المتنفس الأخير للشعب الإيراني، في محاولة رسمية لحجب الإنترنت عن الشعب الإيراني.
كما عد موقع نتبلوكس، الذي يعمل من العاصمة البريطانية لندن على مراقبة حجب الإنترنت في مختلف أنحاء العالم، قيود إيران على الإنترنت ترقى إلى "نمط تعطيل يشبه حظر التجول"، مضيفا أن "الوصول إلى منصات الإنترنت لا يزال مقيدا، والاتصال متقطع لعديد من المستخدمين"، مؤكدا أن شبكة الإنترنت عبر الهاتف المحمول "توقفت لليوم الثالث" وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.
ووفقا لتقرير Datareportal الذي نشر أخيرا، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في إيران بلغ 71.94 مليون شخص من أصل 85.52 مليون نسمة عدد السكان. وبحسب هذا التقرير، فإن أكثر من 55 في المائة من الإيرانيين أعضاء في واحدة أو أكثر من شبكات التواصل الاجتماعي، وفي تقرير مشابه لمؤسسة "إيسبا" الحكومية لرصد الرأي العام الإيراني، يذكر أن تطبيق "واتساب" يستخدم بنحو 71 في المائة، و"إنستجرام" بنحو 50 في المائة، و"تلجرام" بنحو 31 في المائة، وتعد أكثر منصات الشبكات الاجتماعية شيوعا على التوالي بين المستخدمين الإيرانيين، ومن النقاط البارزة في هذا التقرير، نمو في استخدام "إنستجرام" من قبل المستخدمين الإيرانيين بنحو 67 في المائة بين يونيو من العام الماضي، ويونيو من العام الجاري، فيما يعد "واتساب" عند معظم المستخدمين شبكة لتبادل الرسائل وليس شبكة اجتماعية، ليحتل تطبيق "إنستجرام" الشبكة الاجتماعية الأكثر شعبية للمستخدمين الإيرانيين.