هل ينتهي صعود الدولار إلى حركة ارتدادية عنيفة؟ «2 من 2»
تحمل قوة الدولار الحالية عواقب عميقة مؤثرة في الاقتصاد العالمي. الواقع أن حصة كبيرة من التجارة العالمية، ربما النصف، مقومة بالدولار ـ وينطبق هذا في عديد من الدول على الواردات والصادرات. وعلى هذا فإن ارتفاع قيمة الدولار يدفع قسما كبيرا من العالم إلى تقليص الواردات، إلى الحد الذي وجد معه الباحثون تأثيرا سلبيا كبيرا من الناحية الإحصائية في التجارة العالمية.
يهدد الدولار القوي بالتأثير بشكل بالغ القسوة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، لأن الشركات والبنوك الخاصة في هذه الدول التي تقترض من مستثمرين أجانب، من غير الممكن أن تفعل ذلك إلا بالدولار. وتميل أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة إلى دفع أسعار فائدة المقترضين الأضعف إلى الارتفاع على نحو غير متناسب. الواقع أن مؤشر الدولار الواسع كان ليرتفع بدرجة أكبر لو لم تسارع البنوك المركزية في عديد من الأسواق الناشئة إلى رفع أسعار الفائدة بشكل استباقي، لوقف الضغوط التي تدفع العملات الوطنية إلى الهبوط. لكن إحكام السياسات على هذا النحو يلقي بثقله على اقتصاداتها المحلية بطبيعة الحال.
كان صمود الأسواق الناشئة الأكبر حجما حتى الآن في مواجهة أسعار الفائدة الأعلى في الولايات المتحدة وزيادة قيمة الدولار مفاجأة سارة. لكن إلى متى يمكنها أن تصمد إذا استمر الاحتياطي الفيدرالي على مسار إحكام السياسات بقوة؟ لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال الآن، خاصة إذا سجلت أسعار السلع الأساسية مزيدا من الانخفاض في الوقت ذاته، "كما حذر زميلي في جامعة هارفارد جيفري فرانكل"، وانزلقت الولايات المتحدة وأوروبا إلى الركود، فضلا عن التباطؤ في الصين.
في الأمد القريب، سيؤثر الدولار المزدهر في أمريكا بدرجة أقل حدة من شركائها التجاريين، ويرجع هذا في الأساس إلى حقيقة مفادها بأن فواتير التجارة الأمريكية بالكامل تقريبا مقومة بالدولار. لكن الدولار الأقوى على نحو مستمر من شأنه أن يخلف تأثيرا محليا أطول أمدا، لأن الولايات المتحدة ستصبح أكثر تكلفة نسبيا كموقع للإنتاج. ولن يساعد هذا السياحة الأجنبية، التي لا تزال منخفضة بشدة عن مستواها في 2019.
ترى هل من الممكن أن ينقلب الارتفاع الأخير في قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى في الاتجاه المعاكس؟ من المؤكد أن بعض الارتفاعات الكبيرة السابقة في قيمة الدولار، بما في ذلك في منتصف ثمانينيات القرن الـ20 وأوائل العقد الأول من القرن الـ21، أعقبتها في النهاية انخفاضات حادة. لكن مرة أخرى، من الصعب للغاية التنبؤ بأسعار الصرف، حتى لعام واحد. الواقع أن حدوث انخفاض إضافي بنحو 15 في المائة في قيمة اليورو والين مقابل العملة الأمريكية أمر محتمل تماما، خاصة إذا اتخذت الاحتكاكات الجيوسياسية منعطفا آخر نحو الأسوأ. الشيء الوحيد الذي قد نجزم به عن يقين هو أن فترة أسعار صرف العملات الرئيسة الهادئة بدرجة غير عادية، التي بدأت في 2014، أصبحت الآن ذكرى من الماضي.
قد يضيف بعض المراقبين أن الولايات المتحدة ملاذ أكثر أمانا من أوروبا واليابان. وقد يكون هذا صحيحا، رغم أن أمريكا غارقة في حرب أهلية باردة لا نهاية لها ما دام الرئيس السابق دونالد ترمب ضالعا في المعادلة. وسيخضع التكامل في منطقة اليورو، الذي يعد بالتقدم كلما طرأت أزمة، لاختبار شديد القسوة إذا بدأت أسعار الفائدة الحقيقية العالمية في الارتفاع. يقترب التضخم في ألمانيا من تسجيل أعلى مستوياته في 70 عاما، لكن زيادة أسعار الفائدة بقوة أكبر من جانب البنك المركزي الأوروبي، قد تؤدي إلى انفجار الفوارق في الفوائد على ديون الحكومة الإيطالية.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.