خوض عالم أكثر هشاشة «2 من 3»

ننبه إلى أن مخاطر الركود في ازدياد. فتقديراتنا تشير إلى أن الدول التي يمثل اقتصادها ثلث الاقتصاد العالمي، ستعاني انكماشا اقتصاديا يمتد لربعين متعاقبين على الأقل من العام المقبل. حتى في حالة النمو الموجب، فسيكون الشعور بهذا النمو كأنه ركود، بسبب تقلص الدخول الحقيقية وتصاعد الأسعار. وعلى وجه الإجمال، نتوقع خسارة في الناتج العالمي بقيمة أربعة تريليونات دولار تقريبا في الفترة من الآن حتى 2026. ويعادل هذا حجم الاقتصاد الألماني ـ ما يمثل انتكاسة هائلة للاقتصاد العالمي.
ومن الأرجح أن الأمور ستزداد سوءا قبل أن تبدأ بالتحسن. فما زالت مستويات عدم اليقين مرتفعة للغاية في سياق الحرب والجائحة. بل إن من المحتمل حدوث صدمات اقتصادية أخرى. فالمخاطر التي تكتنف الاستقرار المالي تتنامى بسرعة، وعمليات إعادة التسعير غير المنظمة للأصول يمكن أن تتضخم من جراء مواطن الضعف القائمة من الأصل، بما في ذلك الدين السيادي المرتفع والقلق بشأن السيولة في شرائح أساسية من السوق المالية.
وبشأن تحقيق الاستقرار، فكيف إذن يمكن لصناع السياسات تحقيق الاستقرار الاقتصادي؟ نركز على ثلاث أولويات:
الأولوية الأولى هي المثابرة على مسار تخفيض التضخم. وهنا يمكن أن تتسبب أخطاء السياسات في تكلفة باهظة. فعدم التشديد الكافي من شأنه أن يؤدي إلى انفلات التضخم عن ركيزته المستهدفة وترسخ جذوره ـ ما قد يستلزم في المستقبل رفع أسعار الفائدة على نحو مفرط وأطول أمدا، ما يتسبب بدوره في إلحاق ضرر بالغ بالنمو والناس.
من ناحية أخرى، فإن تشديد السياسة النقدية بشكل مفرط وأسرع مما ينبغي ـ والقيام بذلك على نحو متزامن عبر الدول ـ يمكن أن يلقي بكثير من الاقتصادات في هوة ركود طويل الأمد.
حتى الآن، يحدث ارتفاع أسعار الفائدة بعض التخفيض في الطلب المحلي، بما في ذلك الطلب في أسواق الإسكان. غير أن مستوى التضخم ما زال مرتفعا على نحو مزمن وواسع النطاق ـ ما يعني أن على البنوك المركزية مواصلة إجراءاتها لمواجهته. فهذا هو التصرف السليم في البيئة الحالية، اتخاذ إجراءات حاسمة حتى إن كانت النتيجة الحتمية هي تباطؤ الاقتصاد. وليس هذا بالأمر الهين، ولن يتحقق بغير مشقة في الأجل القصير. غير أن المهم هو تجنب معاناة الجميع من مشاق أشد وأطول أمدا بكثير.
والأولوية الملحة الثانية هي وضع سياسة مسؤولة للمالية العامة ـ توفر الحماية للضعفاء دون إذكاء التضخم. فنظرا إلى جسامة أزمة تكلفة المعيشة، ينبغي للحكومات أن تطبق تدابير مالية ليست مؤقتة فحسب، بل أيضا موجهة للمستحقين ـ مع تركيز أكثر دقة على الأسر منخفضة الدخل. وحيث إنه من المرجح أن تظل أسعار الطاقة مرتفعة، فيمكن للحكومات أن تدعم الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط بشكل مباشر ـ وأن تحد من استخدام قيود الأسعار. فنحن نعلم أن تقييد الأسعار لفترة ممتدة أمر يتعذر احتماله ـ فضلا عن عدم فاعليته.
ومن الضروري تجنب الدعم المالي المعمم، لأنه إذا طبق على نطاق واسع، فإن الدفعة التي يتلقاها الطلب من شأنها أن تزيد من صعوبة مكافحة التضخم. وبعبارة أخرى، بينما تضغط السياسة النقدية على المكابح، ينبغي ألا تضغط سياسة المالية العامة على دواسة السرعة. فمن شأن هذا أن يجعل المسار بالغ الوعورة والخطورة.
أما أولويتنا الثالثة فهي بذل جهود متضافرة لدعم اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فارتفاع سعر الدولار، وزيادة تكاليف الاقتراض، والتدفقات الرأسمالية الخارجة، تمثل ضربة ثلاثية لكثير من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وقد ارتفعت احتمالية خروج تدفقات محفظة الأوراق المالية من الأسواق الصاعدة على مدار ثلاثة أرباع العام المقبلة إلى 40 في المائة. ومن شأن هذا أن يفرض تحديا كبيرا أمام الدول ذات الاحتياجات الكبيرة من التمويل الخارجي. وسيساعد الحفاظ على مرونة سعر الصرف في هذا الخصوص. لكن الدول ستستفيد أيضا من اتباع منهج أكثر استباقية ومن اتخاذ خطوات وقائية قبل وقوع أزمة. وهنا يمكن أن يساعد إطار السياسات المتكامل الذي وضعه الصندوق على معايرة أفضل مزيج من السياسات ـ مع دعم هذه السياسات بمساعدة أدواتنا المخصصة للإقراض الوقائي... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي