توقعات اقتصادية صعبة في 2023 .. معاناة أوروبية وأمريكية وتحسن في منطقة الخليج

توقعات اقتصادية صعبة في 2023 .. معاناة أوروبية وأمريكية وتحسن في منطقة الخليج

من المنطقي للغاية أن تتباين التوقعات والتقديرات حول مستقبل الاقتصاد العالمي في 2023، لكن ما يتم الاختلاف حوله بين الخبراء والمؤسسات البحثية يتعلق بالنسب والمعدلات أكثر من تعلقه بالاتجاه العام الذي سيسلكه الاقتصاد الدولي في 2023.
فمع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية وتوقع تواصلها خلال العام الجديد، يظل الإجهاد سمة أساسية للاقتصاد والتجارة الدوليين، ولاسيما في القارة الأوروبية.
ومع عدم إعلان الصين بشكل قاطع تخليها بشكل كامل عن سياسة "صفر كوفيد" التي تحول دون فتح الاقتصاد الصيني بالكامل، وتؤدي إلى إغلاق مناطق إنتاج مهمة من حين إلى آخر، فإن الآثار السلبية في الاقتصاد الدولي ستظل قائمة.
ومع تشديد السياسات المالية على المستوى العالمي وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة فإن توقعات الخبراء تبدو أكثر اصطفافا مع فكرة أن عام 2023 سيتسم بتحديات اقتصادية حادة تراوح بين تباطؤ النمو والركود.
ترجح بعض المؤسسات الدولية أن أكثر من 35 في المائة من الاقتصاد العالمي سينزلق إلى الركود، وأن الاقتصاد الدولي سينمو بأبطأ وتيرة منذ الثمانينيات خلال العام الجديد.
مع هذا يرى آخرون وأبرزهم معهد التمويل الدولي، أن الأمر يميل إلى تباطؤ معدل النمو الاقتصادي أكثر منه ركودا شاملا، وأن نسبة النمو ستبلغ نحو 1.2 في المائة في 2023، وهو مستوى مساو لنمو عام 2009، عندما كان العالم قد بدأ للتو في الخروج من الأزمة المالية.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" البروفيسور إل. سي. سانتوس الاستشاري السابق لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "نواجه توقعات اقتصادية صعبة للغاية، لكن السيناريو الأكثر احتمالا من وجهة نظري ليس ركودا عالميا، إنما سيكون النمو العالمي منخفضا لكن إيجابيا، والأمر الإيجابي أن التضخم المرتفع سيتراجع في عديد من الدول".
ويضيف "ستواصل الحكومات في 2023 إعطاء الأولوية لمساعدة الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا لمساندتها على التغلب على ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، لكن يجب تجنب زيادة الطلب الكلي لتتمكن الحكومات والبنوك المركزية من السيطرة على التضخم، وسنرى في 2023 ضبط السلوك المالي للسيطرة على الديون".
تلك التحديات الاقتصادية لا تنفي من وجهة نظر البعض أن العام الجديد سيشهد نقاطا مضيئة في بعض المناطق.
دانيل كارتر الباحث الاقتصادي يشير إلى منطقة الخليج العربي وأمريكا اللاتينية والصين باعتبارها ستشهد تحسنا اقتصاديا ملحوظا في 2023.
ويؤكد لـ"الاقتصادية" أن المؤسسات الدولية تحاول تصدير صورة كئيبة للاقتصاد الدولي في 2023، وربما يعود ذلك إلى أن أوروبا ستعاني بالفعل وسيراوح الوضع الاقتصادي الأوروبي بين مستويات نمو متدنية في ألمانيا وفرنسا وانكماش اقتصادي في المملكة المتحدة، أما الولايات المتحدة فإن الأمر يشبه المشهد الأوروبي بشقيه النمو المنخفض في بعض الأوقات وربما الركود في أوقات أخرى.
ويضيف "العكس تماما في منطقة الخليج وأمريكا اللاتينية والصين، فارتفاع أسعار الطاقة يعني تحقيق عوائد مالية ضخمة وميزانيات ذات فوائض مالية، ويعزز هذا الوضع القدرة الاستثمارية للحكومات الخليجية والمستثمرين المحليين على حد سواء، كما أن ارتفاع معدلات التضخم يصب إلى حد كبير في مصلحة عديد من دول أمريكا اللاتينية، حيث يتم تصدير المواد الخام، وحتى في الوقت الذي سيشهد فيه جزء كبير من العالم انكماشا اقتصاديا ستحقق أمريكا اللاتينية توسعا 1.2 في المائة، أما الصين فالأمر مرهون بمدى تمسكها بسياسة صفر كوفيد".
مع هذا يعتقد أغلب الخبراء أن قضية التصدي للتضخم ستكون القضية المركزية على المستوى الدولي العام المقبل، فارتفاع الأسعار يؤثر سلبيا في مستويات المعيشة، ما يضر بالفئات ذات الدخل المنخفض والفئات الضعيفة أكثر من غيرها.
وتعتقد الدكتورة ريبكا إديسون أستاذة الاقتصاد الكلي في جامعة لندن أن الأدلة المتزايدة على حدوث تباطؤ في الاقتصاد العالمي في العام المقبل تعني استمرار سياسة التشدد المالي والنقدي في عديد من الدول لخفض التضخم ومعالجة مواطن الضعف المتعلقة بالديون، متوقعة مزيدا من التشديد في عديد من اقتصادات مجموعة العشرين في الأشهر المقبلة.
وتقول لـ"الاقتصادية"، "إن عام 2023 سيشهد زيادة في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، لكن بوتيرة أقل مما حدث 2022، وسيعمل محافظو البنوك المركزية على رفع تكلفة الاقتراض لترويض التضخم، هذا الوضع إذا تواصل فربما تكمن خطورته في أنه سيحول النمو البطيء إلى حالة من الركود، ويحتاج المستثمرون في 2023 إلى أساليب أكثر ديناميكية تتضمن نظرة أكثر تفصيلا إلى القطاعات والمناطق وفئات الأصول الفرعية، للتنقل بينها في فترات التقلب الاقتصادي".
إذن فالرياح المعاكسة العديدة التي واجهت معظم الاقتصادات في 2022 يتوقع أن تستمر في العام الجديد، مع احتمال أن يشهد الوضع انتعاشا في النصف الثاني من 2023، حيث ستخرج الولايات المتحدة ومنطقة اليورو من ركود اقتصادي ضحل نسبيا.
ومن وجهة نظر عدد من الخبراء، ستكون معظم البنوك المركزية على مستوى العالم قد أنهت دورات رفع أسعار الفائدة بحلول نهاية النصف الأول من 2023، فالتضخم على الرغم من أنه سيظل مشكلة المشكلات في الاقتصادات المتقدمة والناشئة، فإن البيانات تشير إلى أنه ربما بلغ ذروته، لكنه لم ينخفض بعد إلى المستويات المطلوبة.
تلك الأوضاع الاقتصادية ستنعكس من وجهة نظر الدكتورة كارين دينان من كلية إدارة الأعمال في جامعة أكسفورد على سوق العمل الدولية.
ولـ"الاقتصادية" تقول "لا تزال سوق العمل الدولية قوية بشكل ملحوظ بنهاية 2022، ومن المحتم أن تضعف خلال 2023، لكن سيكون الضعف بطيئا ومعتدلا".
وتضيف "سيرتبط وضع سوق العمل بالاقتصاد الكلي، فمع احتمال تراجع الاستهلاك في 2023، نتيجة الأسعار المرتفعة وأسعار الفائدة الأعلى، وانخفاض المدخرات، قد نواجه ركودا أطول يحركه المستهلك بدلا من مجرد انخفاضات كبيرة في الاستثمار، وما يرتبط بها من خسائر في التوظيف".
وتخلص الدكتورة كارين دينان من هذا التحليل إلى أن معدل البطالة العالمي سيبدو في أغلب الأحوال صحيا في العام الجديد وسيراوح بين 4 و5 في المائة.
وسط هذا الجدل بشأن الوضع الاقتصادي المتوقع في 2023 تظل قضية التجارة الدولية أحد المرتكزات الأساسية في هذا النقاش، فالقيمة الإجمالية للتجارة الدولية في 2022 بلغت نحو 32 تريليون دولار، لكن من المتوقع أن يتفاقم التباطؤ الذي بدأ في حركة التجارة العالمية في النصف الثاني من العام الجاري في 2023 خاصة مع استمرار التوترات الجيو- سياسية العالمية والظروف المالية الصعبة.
وفقا لتقديرات منظمة التجارة العالمية شهدت التجارة في السلع والخدمات نموا قويا في 2022، فنمت التجارة في السلع بنسبة 10 في المائة مقارنة بـ2021، كما ارتفعت تجارة الخدمات بنسبة 15 في المائة لتصل إلى سبعة تريليونات دولار.
يرى أدم لجن الباحث في مجال التجارة الدولية أن التشديد المستمر في الأوضاع المالية يزيد الضغط على الحكومات المثقلة بالديون، ويؤثر سلبا في الاستثمارات وتدفقات التجارة الدولية. لكنه يعتقد أنه ليس من الضروري أن تتأثر التجارة العالمية بذلك بشكل سلبي، إذ يتوقف الأمر على مرونة الطلب العالمي، ومدى قدرة شركات الشحن والموانئ على التكيف مع تحديات التجارة العالمية.
ويؤكد لـ"الاقتصادية"، وجود مجموعة معقدة من العوامل يمكن أن تؤثر في أنماط التجارة الدولية في 2023، أبرزها تطور سلاسل التوريد العالمية والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، كما أن تفعيل اتفاقيات التجارة الجديدة مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة ومنطقة التجارة الحرة في القارة الإفريقية وتحسين الخدمات اللوجستية، يمكن أن تؤثر في أنماط التجارة العالمية ونموها في 2023.
على أي حال تظل التوقعات الدولية بشأن زيادة التجارة العالمية العام المقبل تحوم حول نسبة 1 في المائة، وذلك بانخفاض حاد عن تقديرات سابقة بلغت 3.4 في المائة، لكن ما يمكن الجزم به في الوقت الراهن أن هناك درجة عالية من عدم اليقين في مسار التجارة الدولية بسبب تحول السياسة النقدية في الدول المتقدمة ومصير الحرب الروسية الأوكرانية ومتى تصمت المدافع.

الأكثر قراءة