رفض عشائري سوري لتحركات ميليشيات طهران
يزداد الجرح السوري عمقا يوما بعد يوم بسبب تجاوزات الميليشيات الإيرانية، التي تنفذها كل يوم بحق سورية وشعبها، الذي مارست كل أشكال الإرهاب تجاهه، واليوم تحولت من قتل وتهجير السوريين، لتصنع على أشلائهم ودمائهم تجارة، تحرم أبناء البلاد من الاستفادة مما تبقى فيها من خيرات، ليترجم أبناء سورية رفضهم بتوزيع المنشورات، الرافضة والمناهضة للنفوذ الإيراني هناك.
القصة بدأت من مدينة الحسكة، التي تقع على مقربة من منطقة المربع الأمني، ذات الإجراءات الأمنية المشددة، في أواخر العام الماضي، بعد أن قام أبناء العشائر السورية هناك بتوزيع منشورات تحث أبناء المنطقة والمناطق المحاذية على رفض النفوذ الإيراني، بعد أن شكلت ممارسات الميليشيات الإيرانية تهديدا للنسيج الاجتماعي والعشائري.
التهديد الإيراني يتمثل في مساع إيرانية لإحداث تغييرات اجتماعية من أجل إضعاف عشائر الحسكة وسهولة السيطرة عليها، من خلال استغلال الميليشيات للوضع الاقتصادي السيئ لتجنيد أبناء المدينة، لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة، ما استدعى شيوخ العشائر لرفض هذه التدخلات، بمواجهة هذه الأنشطة والتمسك بوحدة السوريين ورفض تدخل الأجنبي الميليشياوي في شؤونهم.
يحاول الحرس الثوري الإيراني استغلال حالة التوتر الذي تشهده الحدود الشمالية لسورية بين الجيش التركي وقوات سورية الديمقراطية "قسد"، بفرض سطوته في المناطق المحاذية لمناطق النزاع، ليفرض على أهالي المنطقة نظام "الإتاوة"، من خلال تجنيد بعضهم، فيما يقابل الرفض بدفع المبالغ المالية أو مشاركته بمصالحه الاقتصادية للتخلص من تدخلاتهم.
وتحقيقا لنفوذها افتتحت القوات الإيرانية دورات تجنيد في ريف القامشلي الجنوبي، عبر الحاج مهدي القيادي في حزب الله الذي أعلن رفع رواتب منتسبي قوات المهام إلى أكثر من 100 دولار، حيث بلغ عددهم حتى مطلع الشهر الحالي أكثر من 1200 منتسب، كما يحاول افتتاح مقرين إضافيين قرب طريق m4 جنوب المدينة، حيث يملك الحاج مهدي مقرين سابقا الأول يدعى مقر مكتب النقل وهو المقر الرئيس لاجتماع قيادات المهام، والثاني مقر الكم أو الثروة الحيوانية، الذي يعد مستودعا للسلاح ومركزا لتدريب العناصر الجديدة.
وبحسب المعلومات القادمة من هناك، فإن إحدى دورات التجنيد بلغ عدد المشاركين فيها 300 عنصر معظمهم من المطلوبين للتجنيد الإجباري في جيش النظام أو المنشقين، وذلك مقابل تعهد الحاج مهدي بحمايتهم من الملاحقة الأمنية، ويكون راتب الفرد منهم 100 دولار أمريكي، لكن نتيجة للخلافات بين رجالات الحرس الثوري وبعض المحسوبين على القوات الروسية في مطار القامشلي أدى ذلك لتعليق افتتاح الدورة.
انتشرت في الآونة الأخيرة صور قاسم سليماني وحسن نصر الله بشكل واسع في المدينة، إذ توجد هذه الشعارات على سيارات الدفاع الوطني، ومداخل المقار العسكرية التابعة للدفاع الوطني، وبات من الطبيعي أن تسمع في شوارع المربع الأمني أناشيد عراقية تمجد السرايا والحشد الشعبي وقاسم سليماني.
كل هذه المستجدات كانت نتيجة لظهور فصيل جديد في مدينة الحسكة يدعى "سرايا الخرساني" يعرف بتبعيته المباشرة للحرس الثوري الإيراني، الذي افتتح مقرا وسط المدينة بدعم من قائد الدفاع الوطني المدعو عبدالقادر حمو، حيث تم افتتاح المقر بعد زيارة قام بها الحاج مهدي، برفقة قيادات عراقية للمدينة، وتم تعيين القيادي العراقي أحمد الكناني والسوري أبوالحسن للمتابعة مع عبدالقادر حمو، لتوسيع وتحصين المقر الجديد.
ومع البدء بفتح باب الانتساب للفصيل ودفع رواتب مغرية للعناصر انتسب العشرات من المطلوبين وأصحاب السوابق، ليكون المقر الجديد بجانب مقر استقطاب حزب الله في المدينة، والبالغ عدد منتسبيه أكثر من 200، ويشكل الفصيلان مرجعا داعما لنشاطات قائد الدفاع الوطني، عبدالقادر حمو المعروف بنشاطاته المشبوهة في تجارة المخدرات وترويجها في المحافظة.
بدايات "سرايا الخرساني" كانت من العراق حيث تأسس الفصيل في 1995، ويقوده حاليا المدعو علي الياسري أبوالقاسم، وتتبع للحرس الثوري الإيراني وتحمل شعار الحرس الثوري نفسه، وتعرف هذه السرايا بولائها المطلق للولي الفقيه، وتشير مصادر عراقية إلى دور مباشر لهذا الفصيل في قتل المتظاهرين عبر قناصين خلال احتجاجات بغداد 2019، كما قاتل الفصيل في سورية في كل من ريف دمشق وحلب.
تسعى إيران إلى زيادة نفوذها وترسيخه في محافظة الحسكة شمال شرق سورية، بأن تؤمن بشكل عاجل وسريع طريقا بديلا لميليشياتها عبر العراق، خصوصا بعد الاستهداف الأمريكي المتكرر لمعبر القائم قرب دير الزور، حيث ترى أن تمددها في الحسكة تأمين خط إمداد بديلا، نظرا لقرب الحسكة من منطقة سنجار وربيعة وتل عفر العراقية، التي ينتشر فيها جزء من قوات الحشد الشعبي.
كما أنها تروج عقديا عبر محاولة فتحها هذا الطريق إلى استعادة ما يعرف في العقيدة الشيعية "الطريق" وهو يمتد من الكوفة إلى شمال العراق ثم قرب مدينة القامشلي وصولا إلى حلب.
وتريد إيران من تمددها في الجزيرة السورية أن تكون شريكة وفاعلة في أي اتفاق يحصل بخصوص مستقبل المنطقة، خاصة مع بوادر التقارب التركي - الروسي - الإيراني بخصوص مواجهة تهديد حزب العمال الكردستاني، والسعي لإعادة فتح العلاقات بين أنقرة ودمشق، في الوقت الذي تطالب به الدول الثلاث القوات الأمريكية بالانسحاب من منطقة شرق الفرات.
وتعمل إيران عبر ميليشياتها الطائفية بشكل معلن إلى تكرار تجربة العراق ودفع القوات الأمريكية للانسحاب أو تخفيف نشاطها عبر مزيد من الضغط على القواعد الأمريكية، وإذا ما صدقت تهديدات وكلاء إيران في الحسكة باستهداف طرق الدوريات الأمريكية سيشكل هذا تهديدا حقيقيا لطرق إمداد وتحرك قوات التحالف الدولي في المحافظة.
من الصعب نجاح الجهود الإيرانية في استغلال السخط العشائري على "قسد" لكسب ولائهم، خصوصا أن أبناء هذه العشائر على صلات قربى بعشائر العراق، التي عانت أعواما عديدة الممارسات الإيرانية التي هددت وجودهم وتاريخهم وهويتهم، بوادر المقاومة الشعبية من أبناء العشائر بدأت تظهر عبر الملصقات والمنشورات، التي انتشرت في مدينة الحسكة، التي ربما ستتحول إلى تحرك عشائري على الأرض لمواجهة النفوذ الإيراني شعبيا.