سلع الأثرياء في زمن التضخم.. يخوت وطائرات وأرباح فلكية

سلع الأثرياء في زمن التضخم.. يخوت وطائرات وأرباح فلكية

كباقي زملائه من العمال، يتوقع أدريان أن كل يوم قد يكون الأخير في العمل، ففيروس كورونا الذي ظهر منذ أسابيع قليلة لم يرحم مصنع أو شركة إلا وأغلقها، والتضخم المقبل سيلتهم الجميع بحسب المؤشرات، يتأمل بلدته الهولندية "أوس" الواقعة شمال براينت، خالية من المارة تقريبا، يتذكر متحسرا كيف ضجت المدينة بالاحتفالات منذ أعوام قليلة بعد النجاح في بناء فنادق من الرمال فقط، لتنافس "الأوتيلات" الجليدية في السويد وفنلندا، حتى "الخطوط المتوهجة" التي اخترعوها في 2014 لتضيء الشوارع في الظلام لتوفير الطاقة، لم يعد لها جدوى، كل هذا التقدم يبدو أنه لن يجدي في المستقبل الغامض.
لكن بعكس ما توقع أدريان، حين ذهب إلى مقر شركته "هيسن ياكتس" في بلدته أوس، العاملة في تصنيع اليخوت الفاخرة، وجد نفسه يستمع إلى تعليمات تشير إلى ارتفاع الطلبات عليهم وزيادة ساعات العمل لإنجاز المطلوب، وهكذا بدلا من تهيئة نفسه لإجازة سيعاني فيها تقشفا، بات مطالبا بالتحمل لأطول فترة ممكن مقابل "تقشف" في الراتب".
ما عاشه أدريان في 2019 بعد ظهور كوفيد- 19، أكدته بعد ذلك شركة "هيسن ياكتس" نفسها، حين أعلنت في بيان رسمي نهاية 2022، أن سوق اليخوت الفاخرة تعرضت لطفرة بعد انتشار الجائحة، خاصة في اليخوت التي يزيد طولها على 40 مترا، وبلغت المبيعات 134 يختا بتلك المواصفات في 2021، بزيادة قاربت الـ20 في المائة عن الأعوام السابقة لهذا الوقت، أما الأكثر إثارة، أن قائمة الطلبات لديهم وصلت حتى 2025، فهناك 12 يختا قيد الإنشاء والتسليم.
الأمر ذاته لم يقتصر على "اليخوت الفاخرة"، بل شمل أيضا الطائرات الخاصة، فبحسب المسح السنوي الذي تجريه "هني ويل" لشركات إدارة الطائرات الخاصة، كشفت أن 2020 مثلا سجل زيادة في المبيعات قدرها 15 في المائة عن العام الذي سبقه، بل بسبب هذه الزيادة، بات من المتوقع تسليم 8500 طائرة خاصة جديدة خلال العقد المقبل بقيمة 275 مليار دولار.
المثير للدهشة، أن تلك الزيادات والأرقام المتفائلة، جاءت في وقت سجل فيه العالم خسائر لم تتكرر منذ الحرب العالمية الثانية، فبحسب جيفري أوكاموتو، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي، فإن العالم خسر ما قيمته 15 تريليون دولار في 2019 فقط، ووصلت نسبة تباطؤ النمو العالمي إلى 6.0 في المائة، نتيجة سياسات الإغلاق وتوقف المصانع، بل أوضح البنك الدولي أيضا أن عددا من يعيشون في فقر مدقع وصل إلى 684 مليون شخص في 2022 ثاني أسوأ عام على مستوى جهود الحد من الفقر في العقدين الماضيين.
لكن على الجانب الآخر من تلك الأرقام المؤسفة، فإن تقرير الثروة العالمية الصادر عن كريدت سويس، أظهر بلوغ الثروة العالمية في نهاية 2021 إلى 463.6 تريليون دولار، ولا تزال الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى حتى الآن مع أكثر من 140 ألف فرد من أصحاب الثروات الفائقة، وربما كان هنا مربط الفرس، أو كما يقال في الحكمة العربية "مصائب قوم عند قوم فوائد"، لأن ظهور فيروس كورونا الذي صب آثاره السلبية على كثيرين، كان له آثاره الإيجابية على ناحية أخرى.
ففي تحليل لخافيير سيرانو، مدير الاستراتيجية وأبحاث السوق في شركة "هني ويل"، حول ظاهرة ارتفاع الطلب على الطائرات الخاصة خلال العامين الماضيين، وجد أن إغلاق خطوط الطيران التجارية في 2020 نتيجة سياسات الوقاية التي أقرتها منظمة الصحة العالمية، وارتباك مواعيد الرحلات الجوية بعد ذلك، جسد لرجال الأعمال الذين اعتادوا السفر على الخطوط العادية في الدرجات الفاخرة مشكلة حقيقية لتسيير أعمالهم، فاضطروا إلى شراء الطائرات الخاصة لضمان استقرار تجارتهم، هذا من ناحية، من ناحية أخرى فضل البعض هذا النوع من الثراء مقابل أن يحمي نفسه من أي عدوى قد تنتج نتيجة الاختلاط بمسافرين آخرين.
الأمر ذاته هو ما أكدته "هيسن ياكتس" وهي تشير إلى أن ارتفاع الطلب على اليخوت الفاخرة، كان بسبب خوف الأثرياء من الإصابة بالفيروس القاتل قبل اختراع الأمصال، وبالتالي فكروا في طريقة يبتعدون فيها قدر المستطاع عن اليابسة وكل ما قد يتسبب في إصابتهم، ومن هنا اختاروا اليخوت الفاخرة التي تصلح للإقامة الطويلة في المياه، حيث تشمل كل أنواع الرفاهية المعتادين عليها، بداية من حمامات السباحة وصالات استقبال الأصدقاء والأماكن المخصصة للحفلات وحجرات مريحة لأطفالهم وأسرهم حتى لا يكونوا في حاجة إلى الأرض في أي شيء.
سوق المنتجات الفاخرة لم تتوقف عند اليخوت والطائرات، ففي ظل أعوام التضخم كان هناك انتعاش في تلك التجارة، وهو ما يدلل عليه أن من اعتلى قائمة أغنى الرجال في العالم في نهاية 2022، بحسب مؤشر بلومبيرج، كان رجل الأعمال الفرنسي برنارد أرنو بثروة 170.8 مليار دولار، ومجال عمله شركات تعمل في السلع الفاخرة مثل "دوم بيرينيون" و" كريستيان ديور" وتيفاني آند كو"، وسط تراجع عمالقة التكنولجيا التي أرهقتهم الخسائر التي يدفعونها سنويا نتيجة اختراقهم القوانين أو تسريب بيانات العملاء..
2023 يبدو أنه لن يختلف كثيرا، هذا ما أكده محللو بنك "باركليز" الذين أشاروا إلى أن سوق سلع الأثرياء ما زالت إيجابية، لكن تلك المرة ستكون في دول الشرق الأوسط وتحديدا دول الخليج التي تمكنت من التوسع في مجال الترفيه فصارت قبلة لكثيرين من مالكي الثروات الضخمة، فضلا عن جذب السائحين التي نجحت فيها دول كثيرة خليجية في الوقت الذي تباطأ فيه أكبر اقتصادات العالم، سواء أمريكا أو الصين أو أوروبا، وهو ما أكدته الأرقام العالمية.
ويبقى السؤال، هل ستنجح المنطقة كما توقع لها محللو "باركليز" أن يكونوا هم قاطرة هذا الانتعاش والسوق الأكبر للرفاهية وسلع الأثرياء بحلول 2030 المفترض فيه أن يمثل الشرق الأوسط فقط 8 في المائة من مبيعات السلع الفاخرة على مستوى العالم؟

الأكثر قراءة