التقارب على وقع المصائب .. أبعاد إنسانية وفرص جيوسياسية
الناس أمام المصائب سواسية. بهذه الكلمات يوصف حال المنكوبين في جنوب تركيا وشمال سورية أمام الكارثة التي حلت بهم، بوقوع الزلزال الأخير، الذي لم تحصر نتائجه حتى اليوم، إلا أن الثابت الوحيد أن الموت والدمار حل في كل مكان من المناطق المنكوبة، التي تجاوزت حدود الدولتين، وجعلت شعوب تلك المناطق في الدولتين عاجزة عن التعرف على موتاها، تاركة آلامها وأحزانها خلفها، أملا في إنقاذ من تتخافت أصواتهم من المحاصرين تحت الأنقاض.
الجميع يعرف أن الدولتين هما في الأساس إقليم واحد، وربما لا يكون ذلك أكثر من تأكيد المؤكد، بالنظر إلى الروابط الجغرافية والبشرية القوية بينهما، وما صنعته تداعيات عقد من الحرب من تداخلات سياسية وعسكرية وتشابكات ديموغرافية، لكنها اصطبغت بتفاعلات سلبية على الجانبين، عبر اندماجهما في صراع الأيديولوجيات والمشاريع الجيوسياسية المتنافسة، والحسابات السياسية المعقدة، التي بدا في نهاية المطاف أنها كانت مضللة، بدليل أن محاصيلها لم تكن سوى استنزاف للطاقات والإمكانات.
العالم كعادته يسلط النظر على ما يريد، ويصرفه كما يريد، مع قليل من الإنسانية، لكن روابط الدم والأخوة هي الفيصل، بعد أن تغافلت قوافل المساعدات عن منكوبي سورية، لكن الدول العربية كان لها كلام آخر، حيث توافدت قوافل الإغاثة والمساعدة، التي غطت السماء بجسور جوية نحو مطارات سورية، فيما كانت فرق الإنقاذ حاضرة، لتجتمع أعلام الدول العربية بين أنقاض البيوت المدمرة على سواعد رجال الإنقاذ.
توفر كارثة الزلزال فرصة للقفز على الحواجز التي صنعتها الخلافات بين أنقرة ودمشق على مدار الأعوام الماضية، وبالتالي التنازل عن كثير من الشروط التي وضعها الطرفان للالتقاء وإتمام المصالحة. كما قد يتوافر العذر لقيادتي الدولتين للتواصل والتوافق على سياسات معينة لمواجهة آثار الكارثة على المديين القريب والبعيد، وغالبا ما يكون للمآسي والكوارث التي تصيب الدول والأقاليم دور فعلي في إشاعة روح التضامن بين الخصوم، ووضع عديد من الحسابات السياسية جانبا، أو التخفيف من تأثيراتها، قدر الإمكان، من أجل تحسين القدرة على إدارة هذا النوع من الأزمات الهائلة بفاعلية أكبر.
وعليه، فمن المرجح أن يلجأ الطرفان إلى تنشيط خطوط التواصل بينهما، وربما الاتفاق على لقاءات على مستويات عليا في المرحلة المقبلة، إذ يفرض التعامل الدولي مع الكارثة تنسيق الطرفين سياستهما في الحد الأدنى تجاهها، ولا سيما أن أغلبية الدول أعلنت نيتها تقديم مساعدات للطرفين، باعتبارهما ركني الكارثة الرئيسين. وفي مرحلة معينة قد يجد كل من أنقرة ودمشق أنفسهما أمام وضع يستوجب تنظيم هذه المساعدات بصورة فاعلة، خاصة تلك القادمة إلى الشمال السوري، التي قد تستخدم مطارات حلب واللاذقية إذا استمر التعثر اللوجستي بين تركيا ومناطق الشمال نتيجة الأعطال والخراب الواسع الذي أصاب الطرقات.
وقد لا يعني ذلك أن الطريق بات سالكا تماما لإخراج العلاقات بين دمشق وأنقرة من عنق الزجاجة، إذ ما زالت هناك عوائق مهمة تكبح مسار التقارب التركي - السوري، من بينها الرفض الأمريكي لأي تطبيع مع النظام السوري حتى في ظل كارثة الزلزال، إذ لا ترى واشنطن في ذلك، على ما يبدو، مبررا كافيا لمضي أنقرة ودمشق في تطبيع علاقاتهما. كما أن الحسابات السياسية قد تدخل على الخط من جديد، فقد يرى أردوغان، مثلا، أن الوقت تأخر كثيرا لإمكانية توظيف ورقة التقارب مع النظام السوري في الانتخابات المقبلة، وأن ظهور مشكلات جديدة يضعف هذه الورقة.
طالبت ألمانيا بفتح جميع المعابر بين تركيا ومناطق سيطرة المعارضة السورية من أجل ضمان تدفق المساعدات عقب زلزال الإثنين الدامي. ورأت أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية، أن فتح كل المعابر الحدودية بين تركيا وسورية ضروري "حتى يمكن نقل المساعدات الإنسانية سريعا إلى سورية"، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية.
وقالت السياسية المنتمية إلى حزب الخضر في برلين، الثلاثاء، "إنه لا يوجد في الوقت الراهن سوى معبر حدودي واحد مفتوح (باب الهوى) وقد تضرر هذا المعبر بسبب الزلزال، لذلك من المهم فتح المعابر الحدودية كلها...".
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الوزيرة، قولها "إن الواجب المطلق الآن هو وصول المساعدات الإنسانية إلى الأماكن التي تحتاج إليها".
وأضافت بيربوك "إن الإمدادات بمستلزمات الحياة للسكان في شمال غرب سورية صعبة بالفعل، ولهذا السبب، على كل الأطراف الدوليين، بما في ذلك روسيا، استخدام نفوذها لدى النظام السوري، بحيث يمكن وصول المساعدات الإنسانية إلى الضحايا هناك نظرا لأن كل دقيقة تمر لها أهميتها".
من جانبه، أكد زعيم الكتلة البرلمانية لحزب المستشار الألماني، أن روسيا تتحمل واجب المساعدة الآن في سورية.
وقال "إذا كانت روسيا مستعدة لتقديم المساعدة، فعليها أن تعمل على فتح الحدود التي لا يزال فيها عدد من المنافذ المغلقة، من أجل توصيل المساعدات الإنسانية ومستلزمات الرعاية الطبية إلى المحاصرين".
فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في عشر ولايات تضررت من جراء الزلزال جنوب تركيا، موضحا أن حكومته خصصت مائة مليار ليرة "5.26 مليار دولار" مبدئيا للمساعدات الطارئة وأنشطة الدعم.