الكتب التي غيرت التاريخ

" القانون الثامن من قوانين البناء المعرفي"
ليس العبرة أن يكتب الإنسان الكثير، بل المفيد والجديد والمثير، بل والانقلابي، ويقول ديورانت كان الأفضل لنابليون بدل كل الفتوحات وإزهاق أرواح مليون شاب أن يؤلف مثل سبينوزا أربعة كتب.
ودارون أحدث من الضجة وما زال منذ قرن ونصف، من خلال كتابين كتبهما الأول بعنوان أصل الأنواع أصدره عام 1859 والثاني بعنوان أصل الإنسان، ما جعل كمية الردود لا نهائية بمن فيهم التركي المحدث هارون يحيى، الذي كتب في المعجزات القرآنية، وصب جل هدفه أن يقول هذه النظرية مادية فاسدة، وقد فعل جماعة التصميم الذكي في أمريكا شبيه ذلك، حتى تدخلت المحكمة العليا في الموضوع.
وشاهدنا ليس صدق دارون من كذبه، بل أثر الكتب المزلزلة في التاريخ.
ونيكولاوس كوبرنيكوس البولندي الذي كتب حول النظام الشمسي لم يأت بشيء خارق، سوى أنه خرق السماء والكنيسة بنظريته الاختراقية التي قالت إن الأرض كوكب تافه تابع لنجم عظيم متقد في السماء.
وهكذا فالعديد من الكتب تركت أثرها الهائل المغير في ضمير البشر، حسب طبيعة الطرح الفكري الذي تقدمت به، وحاليا يوجد من كتاب الجرائد والمجلات في العالم العربي الآلاف، وكمية المجلات والجرائد تبلغ الآلاف، ولكنها عمليا لا تقدم الكثير والمفيد، فإما اختنقت بهامش الحرية، وإلا كانت مأجورة لحزب، أو مجندة لشخص ثري.
والحديث عن حرية الصحافة يجب أن يفهم بصورة مقتضبة جدا.
وهذا القانون يسري في كل العالم بفوارق مختلفة، والحقيقة موجعة ومقلقة، وهناك العديد من القضايا التي أثيرت ثم خنقت وأحرقت، ذلك أن هذا يرجع إلى من خلف الأحداث ومن يوجهها.
والكثير يسألني عن القراءة والكتب، وأجدني هنا أركز على العديد من القوانين المعرفية؛ التي أتناولها من حين لآخر، ولعل أولها أن مغيرات التاريخ هي كتب الوحي، فهي روح العالم، من القرآن والإنجيل والزبور والتوراة، وكلم الله موسى تكليما، فهي وحي الله وكلماته... كما أشار إلى ذلك القرآن.
وكذلك أوحينا لك روحا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور.
وأول شيء في القراءة تدبر القرآن، فهو أهم من حفظه؛ فوجب إنشاء معاهد تفهيم القرآن، بعيدا عن وعاظ السلاطين ومزوري النصوص بدون إخفاء، فالقرآن محفوظ رسمه، ولكنه قال إن هناك من سيكتم البينات والهدى ولا يبينها للناس.
بل لو كتبت العزلة لأحد، لاكتفى بكتاب واحد فقط هو الكتاب الحكيم والسبع المثاني من القرآن العظيم.
وكذلك فإن الكتب الضخمة في التاريخ الإنساني، تبقى مراجع للهداية والاستئناس، مثل كتاب إقليدس الهندسي، أو لوغاريتم الرياضيات، والستوماشيون لأرخميدس، وقاموس الفلسفة، والفهارس والمعاجم ومفردات القرآن الكريم.
وما أريد أن ندفع القارئ للالتهام المعرفي لنمو الدماغ وترشيد الثقافة من ينابيع للمعرفة لا تنتهي، من كل بستان زهرة ومن كل حقل فكرة.
ولعل أفضل ما يمكن أن نقدمه للقارئ هو فتح شهيته لبناء خزانة معرفية في بيته، في 20 حقل معرفي، فينضج في مدى عشر سنين من القراءة الهادفة الحكيمة.
ولقد سألني الأخ نبيل كيف تتفتح شهيته للقراءة، قلت له إن النور يحرض البصر والنغم الجميل يوقظ السمع، والرائحة النفاذة قد تثير غريزة المرأة، وكذلك الكتاب الجيد فأين هو؟
لقد اقترحت عليه لترويض مفاصله العقلية أن يبدأ بالقصة، ثم اعتمدنا أن نذهب معا إلى حقل معرفي ومكتبة جيدة؛ فأختار له عشرة كتب جميلة من قصص بديعة، مثل البجعات البرية، أو السجينة، أو ساعات القدر في تاريخ البشر، أو الإنسان يبحث عن المعنى، أو العبودية المختارة، وقصة آخر الرحلين، وأورويل 1984م.
فإذا نشطت مفاصل الدماغ من عقال فيمكن الانتقال إلى كتاب في التاريخ مثل كتاب ويلز معالم تاريخ الإنسانية، أو قصة الفلسفة لويل ديورانت أو العلم في منظوره الجديد لروبرت آغروس.
"وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم..".
إنها رحلة ممتعة شيقة لمن سلك طريق العلم فأخبت قلبه وأناب.
"ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي