حظر المنصات .. أمن قومي أم إرهاب تكنولوجي؟
تشكل منصة تيك توك الترفيهية المقبلة من الصين، وسيلة للتسلية وأداة لصنع المشاهير، في حين يعدها البعض مصدرا للدخل، لجني الأموال، وخوض التحديات، فيما تنظر بعض الحكومات إلى هذه المنصة بعين الحذر، خصوصا تلك التي تعيش منافسة لتسيد العالم، كالولايات المتحدة، التي تعد هذا التطبيق وسيلة صينية للتجسس، ويجب عليها إيقافه وحظره.
تقود واشنطن حملة دولية لحظر تطبيق تيك توك المملوك لشركة بايت دانس الصينية، فيما تعد الصين هذه الممارسات الأمريكية، حربا مفتوحة عليها في المجالات الرقمية، تحديدا المتعلقة بالإنترنت، حيث اتهمت بكين الحملة الأمريكية بممارسة الإرهاب التكنولوجي ضدها.
تعد الإدارة الأمريكية تطبيق تيك توك خطرا يهدد أمنها القومي، واتخذت إجراءات قاسية وصلت حد حظر استخدامه في الأجهزة الرسمية في الكونجرس والبيت الأبيض والقوات المسلحة، إضافة إلى أكثر من نصف الولايات الأمريكية، كما سارت على الخطى الأمريكية دول أخرى، النرويج والدنمارك ونيوزيلندا وبلجيكا.
لم يتوقف الأمر عند تلك الحدود، بل وصل إلى المفوضية والبرلمان الأوروبيين ومجلس الاتحاد الأوروبي، وصولا إلى حظر حلف شمال الأطلسي "الناتو" التطبيق من أجهزة موظفيه في آذار (مارس) الماضي، بعد الاتهامات التي طالت "تيك توك" بالتجسس والإضرار بخصوصية المستخدمين.
عمليات الحظر ليست غربية تماما، حيث يضاف إليها عمليات حظر بالنكهة الهندية، بعد إعلان الهند حظرا على "تيك توك" ضمن عشرات التطبيقات الصينية الأخرى في 2020، بعد وقت قصير من اشتباك بين القوات الهندية والصينية على حدود الهيمالايا المتنازع عليها.
كما أصدرت باكستان وأفغانستان قرارات متعاقبة بالحظر على التطبيق لأسباب أخلاقية، وحظرت تايوان هي الأخرى التطبيق وتطبيقات صينية أخرى من الأجهزة الحكومية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
ولإنقاذ الشركة الصينية وقف الرئيس التنفيذي للتطبيق، شو زي تاشو، أمام الكونجرس الأمريكي، مقدما شهاداته وتأكيداته بأهمية سلامة المستخدم بعيدا عن أي تدخل حكومي، مبينا أن عمل شركته خاص بشكل كامل، رافضا تسيس ملف الشركة، ودخولها في حيز المواجهة بين البلدين.
ونفذت شركة بايت دانس سياسات حثيثة لدرء المخاوف الغربية والتجاوب بفاعلية مع الانتقادات الموجهة إليها، ويأتي على رأسها مشروع تكساس الذي ترصد له 1.5 مليار دولار بغرض نقل بيانات المستخدمين الأمريكيين إلى خوادم محلية تملكها وتديرها شركة أوراكل للبرمجيات، وبحيث تتم إدارة الوصول إليها من قبل موظفين أمريكيين عبر كيان منفصل يحمل اسم "أمن بيانات تيك توك أمريكا".
ويعمل على مشروع بيانات تيك توك أمريكا 1500 شخص ويتم تشغيله بشكل مستقل عن "بايت دانس" ومراقبته من قبل مراقبين خارجيين، ما يجعلها "بيانات أمريكية مخزنة على أراض أمريكية من قبل شركة أمريكية يشرف عليها موظفون أمريكيون"، وفق تصريحات الرئيس التنفيذي للتطبيق أمام الكونجرس في مارس الماضي.
لماذا كل هذه المخاوف من تيك توك، يتفرد التطبيق بصدارة المحتوى الرقمي البصري، حيث يتم استخدامه لأغراض التسلية والترفيه مقابل استخدامات أكثر جدية للتطبيقات الأخرى، ما يمنحه فرصا أسرع للانتشار والرواج، ويبلغ عدد مستخدميه بنحو 1.1 مليار، فيما صنف السادس على مستوى العالم في ترتيب المنصات من حيث أعداد المستخدمين النشطين.
"تيك توك" التطبيق الأكثر تحميلا في الولايات المتحدة خلال 2021 و2022، وسط توقعات بأن تتجاوز أرباحه من الإعلانات في الداخل الأمريكي 11 مليار دولار بحلول 2024، إذ تصنف الولايات المتحدة الأعلى عالميا من حيث عدد المستخدمين النشطين لهذا التطبيق، حيث يصل عددهم فيها إلى 150 مليون بنسبة 15 في المائة، من إجمالي المستخدمين حول العالم، وهي نسبة كبيرة للغاية بالنسبة إلى دولة واحدة.
وبحسب تصنيف المستخدمين النشطين، يأتي ترتيب الدول التي تلي واشنطن، إندونيسيا والبرازيل والمكسيك وروسيا وفيتنام والفلبين وتايلاند وتركيا والسعودية، كما تعد أمريكا الدولة الغربية الوحيدة ضمن قائمة الأعلى استخداما للتطبيق الصيني، ويأتي تيك توك في المركز الأول عالميا بمتوسط 24 ساعة شهريا.
بدورها، أجرت "جوجل" للمعرفة والمعلومات استطلاعا لآراء الشباب الأمريكي بين 18 و24 عاما، وتوصلت إلى أن 40 في المائة، من المستطلعة آراؤهم يبحثون على "تيك توك" أو "إنستجرام" عند رغبتهم في البحث عن مكان لتناول الغداء وليس خدمات الخرائط أو محركات البحث، كما أنهم كانوا أكثر اهتماما بالأشكال الغنية بصريا للبحث والاستكشاف.
بدورها، نشرت منظمة "كونسيومر ريبورت" لأبحاث الإنترنت، في 29 أيلول (سبتمبر) 2022، نتائج دراسة أجرتها بالتعاون مع الشركة الأمنية "ديسكونيكت"، على 20 ألف موقع إلكتروني، بهدف البحث عن برمجيات "تيك توك" للتتبع والمعروفة بـ"بكسيلز" Pixles التي تجمع بيانات المستخدمين حتى لو لم يكونوا من مستخدمي التطبيق، بما في ذلك البروتوكول وأرقام الهوية والصفحات التي تتم زيارتها وما يتم الضغط عليه أو كتابته.
وكشفت الدراسة عن زراعة التطبيق لتلك الآليات في المواقع الألف الأعلى زيارة، وعلى مواقع تعليمية وحكومية ومؤسسية، وأن مئات المنظمات تسمح بمشاركة البيانات مع "تيك توك" بما في ذلك إدارة أريزونا للأمن الاقتصادي التي تتضمن معلومات عن زيارات صفحاتها للعنف المنزلي والمساعدات الغذائية، وأشارت الشركة إلى أن "جوجل" و"ميتا" يستخدمان التقنية ذاتها، إلا أنها عدت النتائج صادمة نظرا إلى درجة الانتشار وكثافته التي ترى أنها لا تتناسب مع عمر التطبيق الذي يعد حديثا نسبيا.
في حال إقرار تشريع أمريكي حظره على المستوى القومي سيعد ذلك سابقة هي الأولى من نوعها لممارسات لطالما أدرجتها واشنطن ضمن ما سمته "السياسات القمعية للدول المعادية للإنترنت"، ولطالما استخدمت عصا التصنيف ضد الدول التي تسلك إجراءات المنع ذاتها.
وردا على ذلك، توجهت 12 منظمة للحقوق المدنية وحرية التعبير، بما في ذلك الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، إلى التوقيع على رسالة احتجاج تعارض فرض حظر شامل على "تيك توك"، ووصف هذا الأمر بأنه "سابقة خطرة" لتقييد حرية التعبير.