سباق الانتخابات الأمريكية .. سيناريو قديم وتردد شعبي
انطلق سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية مبكرا، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ترشحه لخوض الانتخابات عن مقعد رئاسة الولايات المتحدة، وجاء الإعلان بعيد أيام من مثوله أمام القضاء، ليكون الترشح بمنزلة حصانة تحميه من القضايا التي تلاحقه، وفرصة لتسوية حسابات قديمة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.
كما أعلن الأخير رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في نوفمبر 2024، من خلال تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، قال فيها "إن كل جيل لديه لحظة يتعين عليه فيها الدفاع عن الديمقراطية، والدفاع عن حرياته الأساسية، وأعتقد أن هذه لحظتنا، وهذا سبب ترشحي لإعادة انتخابي رئيسا للولايات المتحدة، انضموا إلينا، لننجز المهمة".
على الرغم من الشهرة الكبيرة التي يحظى بها مرشحو الرئاسة الأمريكية، إلا أن التوقعات تشير إلى مفاجأة قد تغير مسار التوقعات المتعلقة بالانتخابات، حيث تظهر الاستطلاعات في الأوساط الأمريكية نفورا شعبيا من فكرة ترشح ترمب وبايدن على حد سواء لاعتبارات عدة، لكن كلا المرشحين يمسك بأسلحته تجاه الآخر.
يفضل كثير من الناخبين الأمريكيين مرشحا أصغر سنا من بايدن، وفي هذا الإطار، قالت نيكي هايلي المرشحة الجمهورية للرئاسة الأمريكية، "إن بايدن قد يموت في منصبه حال أعيد انتخابه، ولذا فإن التصويت له يعني التعويل على نائبته هاريس"، وقد سبق أن دعت هايلي -عندما أعلنت ترشحها لسباق الرئاسة- جميع المرشحين الذين تزيد أعمارهم على 75 عاما إلى اختبار معرفي، لينطبق ذلك على بايدن وترمب.
خطوة بايدن المبكرة فيما يتعلق بالانتخابات ترجع إلى أداء الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، فضلا عن دعم كبار المانحين والمساهمين له على الرغم من الوضع الاقتصادي المتردي وفتور بعض الديمقراطيين من قرار ترشحه لولاية ثانية، وعلى الرغم من ذلك يمثل ترشح بايدن المبكر قبل نحو 19 شهرا حدثا غريبا على طقوس الرئاسة الأمريكية، لأن الرؤساء الأمريكيين يترشحون في الأغلبية العظمى من الحالات لولاية ثانية، إذ يرون أن الفترتين الرئاسيتين لا تعدوان كونهما استحقاقا تاما لهم، وأنه من العار الخروج من المنصب بعد ولاية واحدة فقط، كما حدث مع ترمب.
ترشح ترمب سيزيد من الفوضى في الحزب الجمهوري، ويمنح الأفضلية للحزب الديمقراطي في لقاء الإياب من معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بالنظر إلى الفوضى والانقسام الداخلي في الحزب الجمهوري، الذي يتبنى سياسات غير شعبية تنفر الناخبين وتعادي المجتمع، وهو ما يعني أن السباق الرئاسي المحتمل بين بايدن وترمب، سيعطي الرئيس الحالي الأفضلية على نظيره السابق، مع ازدياد ضعف ترمب بعد ارتباط اسمه بذكرى اقتحام الكونجرس وبعدد من الفضائح والتهرب الضريبي من ناحية، وعدم وجود مرشح ديمقراطي يتفوق على بايدن.
يعزز بايدن موقفه بإعطائه فرصة "لإنهاء مهمته"، لدرجة أنه أطلق حملته الانتخابية في الذكرى الرابعة لإعلانه عن حملته السابقة في عام 2020، مستبقا إعلان ترشحه الرسمي للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 في خطاب حالة الاتحاد في شباط (فبراير) الماضي، وفيه عدد إنجازاته التي من المرجح أن يركز عليها في السباق الرئاسي المقبل.
تشمل إنجازات الرئيس الأمريكي الحالية توفير 12 مليون وظيفة جديدة، وانخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ ما يزيد على نصف قرن، ومكافحة فيروس كوفيد - 19، واستمالة الشرائح الاجتماعية المتأثرة بنهج ترمب، إذ يرى بايدن أن إدارته حققت عددا كبيرا من الإنجازات التي ستدعم حملته الانتخابية المقبلة، وفي مقدمتها: مشروع قانون البنية التحتية بقيمة 1.2 تريليون دولار، وزيارته كييف في فبراير الماضي، وحشد الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
يقدم بايدن نفسه بأنه السياسي الأقدر والأكثر خبرة من منافسه ترمب، بامتلاكه المهارات والخبرات اللازمة بعد أن قضى ما يزيد على نصف قرن في مناصب عليا تؤهله للفوز من جديد في انتخابات 2024، حيث حصد أول عضوية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ديلاوير في عام 1972، وبقي محافظا عليها طيلة 36 عاما قبل أن يصبح نائبا للرئيس في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ويسعى بايدن للاحتفاظ بالبيت الأبيض، بتحفيز تحالف الناخبين الشباب والناخبين الأمريكيين من أصل إفريقي ولا سيما النساء، إلى جانب "ذوي الياقات الزرقاء" من الوسط الغربي والمعتدلين والجمهوريين الساخطين الذين ساعدوه على الفوز في انتخابات 2020، إلا أن هنالك مخاوف من تقدم العمر بالرئيس.
كثرة زلات بايدن اللفظية ونسيانه المتكرر يعدان من نقاط ضعفه، حتى إن صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية وصفت ترشحه لولاية جديدة بأنه "مقامرة عالية المخاطر" للحزب الديمقراطي والولايات المتحدة والعالم بأسره، وأكدت أن الحزب الديمقراطي يخشى تدهور صحته فجأة أو وقوع حادث يؤكد تراجع قدراته العقلية.
كما أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "إن بي سي نيوز" أخيرا أن 70 في المائة من الأمريكيين، وأكثر من نصف الديمقراطيين بقليل، يعتقدون أنه لا ينبغي لبايدن الترشح مرة أخرى، فيما أظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة "جالوب" تراجع رضا المواطنين الأمريكيين عن أداء الرئيس بايدن إلى أدنى درجاته خلال فترة رئاسته ليصل إلى 37 في المائة.
وأظهر استطلاع الرأي الذي أجرته وكالة "أسوشيتد برس" في منتصف أبريل 2023، أن العمر عامل رئيس بين ناخبي الحزب الديمقراطي، إلا أن بايدن رفض تلك المخاوف، وقال "قررت الترشح.. أشعر أنني بحالة جيدة، وأنا متحمس"، بيد أن استطلاعات الرأي تلك تؤكد تراجع تأييد الناخبين الديمقراطيين لبايدن بعد أن طالب 51 في المائة منهم الحزب الديمقراطي بإيجاد مرشح آخر في ظل رفضهم إعادة ترشح أكبر رئيس في التاريخ الأمريكي مجددا، ذلك وفقا لاستطلاع أجرته شبكة "إن بي سي".
لم تقتصر الاستطلاعات على ذلك بل استمرت حتى أظهر استطلاع رأي أجرته شبكتا "سي بي إس" و"يوجوف" أن 54 في المائة من الناخبين ذوي الميول الديمقراطية قبلوا فكرة ترشح بايدن مرة أخرى، بينما قال 27 في المائة "إن الفكرة أصابتهم بالتوتر".