مستقبل العولمة .. روايات متحاربة
تعميق الخلافات حول ما إذا كانت العولمة "جيدة" أو "سيئة" يجعل إدارة هذه الظاهرة أكثر صعوبة. لذلك يجب فهم "الفصل" الصيني الأمريكي الجديد على أنه جزء من هذا الانهيار التحليلي الأوسع. وفقا لهارولد جيمس أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون. متخصص في تاريخ الاقتصاد الألماني والعولمة.
ويضيف جيمس، العولمة تجمع العالم معا من خلال حركة الأشخاص والأشياء والأفكار والمال وأشياء كثيرة أخرى. لكن الحديث عن العولمة أصبح مثيرا للانقسام بشكل متزايد، مع التقييمات المتنافسة للعملية التي تقسم الآن العالم المعولم نفسه.
الدول ذات الدخل المتوسط -الأسواق الناشئة- لا تزال متحمسة بشأن الاستفادة من الأسواق العالمية والديناميكية التي تحركها العولمة، وبينما يرى عديد من الدول منخفضة الدخل فرصا للقفز إلى رخاء أكبر باستخدام التقنيات الجديدة، فإن العالم الغني غير سعيد عموما في الأسواق العالمية. في المجتمعات الصناعية الناضجة، مثل الولايات المتحدة، تقابل فكرة العولمة بالريبة، إن لم يكن الغضب. تماشيا مع الحالة المزاجية، ضرب لاري فينك رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك على وتر حساس العام الماضي عندما أعلن نهاية العولمة، وكان السياسيون في جميع أنحاء العالم الغربي يروجون لـ"دعم الأصدقاء" وأشكال أخرى من الانفصال عن الصين.
معظم هذه الأوصاف هي بدائل جديدة لشعار قديم، أوقفوا قطار العالم - أريد النزول. ومع ذلك، على الرغم من كل قوتها، فإن الخطاب حول التشرذم العالمي لا يتوافق مع الواقع. قد يكون مفهوم إزالة العولمة موجودا في كل مكان في الخطاب السياسي، لكن لا تؤكده الإحصائيات. لا تتوسع التجارة العالمية فحسب، بل تتوسع التجارة بين الولايات المتحدة والصين أيضا. تستمر اتصالات الإنترنت وتدفقات البيانات في النمو بشكل كبير، وبعد الوباء، يتحرك الناس مرة أخرى عبر الحدود.
إن تعاسة الدول الغنية هي التي تجعل النقاشات المعاصرة شديدة الحدة. مع تلاشي جاذبية العولمة، يصبح من المغري رؤية الاقتصاد العالمي على أنه لعبة محصلتها صفر: إذا كنت تفوز، فلا بد أني أخسر، لكن إذا تمكنت من التأكد من أنك تخسر، فسأفوز. ومن ثم، فإن استراتيجية الولايات المتحدة هي الحفاظ على الريادة التكنولوجية على الصين، ليس أقلها حرمانها من أشباه الموصلات الأكثر تقدما. حتى المثقفون ذوو التفكير العالمي الذين يحبون فكرة المنافسة يصرون الآن على أن الولايات المتحدة يمكن أن تسود في هذا السباق.
ومع ذلك، فإن هذا التركيز على أن تكون "رقم واحد" يؤدي بطبيعة الحال إلى استجابة تصادمية، خاصة من الاقتصادات الكبيرة الأخرى التي تطمح إلى اللحاق بالولايات المتحدة والتغلب عليها. إن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستفعل أي شيء لمنع الصين من أن تصبح رقم واحد يقود الصين إلى تبني خطاب محصلته صفر.
علاوة على ذلك، على الرغم من أن الصين لا تنخرط تقليديا في تحالفات، فإن الشعور بأنها مهددة قد دفعها إلى إقامة علاقات أوثق مع روسيا، وهي دولة أخرى مسلحة نوويا ذات موقف مناهض للغرب. في السياق الحالي، تبدو العلاقة الأوثق مع روسيا وسيلة فاعلة لزيادة سعي الصين إلى الهيمنة على العالم.
وبالتالي، فإن رواية الفصل توجد تأثير اليويو الذي يحاول فيه كل من الولايات المتحدة والصين الانسحاب، فقط لإدراك أنهما لا يزالان يعتمدان على الاقتصاد المعولم - وبعضهما بعضا. بعد إحداث موجات في العام الماضي بدعوتها إلى دعم الأصدقاء، تتراجع الآن جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، "وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي"، إلى حد ما في محاولة لإصلاح العملية المعطلة للمشاركة المتبادلة.
في غضون ذلك، تشهد الهند نسخة أخف من القلق نفسه. على الرغم من أن الهنود يقدرون قوة علاقاتهم الاقتصادية والشخصية مع الولايات المتحدة ويعدونها أساسا للتنمية الفاعلة، إلا أنهم قلقون بشأن دوافع الغرب.
في الهند، كما هو الحال في معظم الاقتصادات الناشئة الأخرى، تعكس هذه النظرة مناهضة الاستعمار "أو إنهاء الاستعمار". تصبح العولمة شكلا من أشكال الانتقام من انتهاكات الإمبراطورية، وينظر إلى محاولات القوى الاستعمارية السابقة الغنية لفصل أو وقف العولمة على أنها نسخ جديدة من الاضطهاد الاستعماري القديم. الصراع على مستقبل العولمة هو صراع حول الموروثات التاريخية.
إن الخلاف حول ما إذا كانت العولمة جيدة أم سيئة يجعل إدارتها أكثر صعوبة. المؤسسات القديمة التي كان من المفترض أن تنسق السياسات تتعرض لضغوط. أصيبت منظمة التجارة العالمية بالشلل منذ أكثر من عقد من الزمن بسبب تعثر جولة الدوحة للمفاوضات وعدم تحقيق مزيد من التخفيض العالمي للحواجز التجارية، ثم وضع دونالد ترمب مزيدا من الملح في جراحها بسياساته التجارية القومية العنيفة. وبالمثل، في حين أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يزالان حيويين، يجب عليهما الآن العمل مع عدد كبير من المؤسسات التعاونية الجديدة الأصغر حجما التي تركز على نطاق ضيق.
في مطلع القرن، ناقش السياسيون والاقتصاديون ما إذا كان ينبغي لصندوق النقد الدولي إعادة اختراع نفسه كمقرض دولي يلجأ إليه كملاذ أخير. ثم جاءت الأزمة المالية لـ2008، عندما وضعت نفسها كجزء من هيكل يضم المؤسسات الإقليمية والبدائل التي طورتها الصين وأوروبا "مبادرة سندات تشيانغ ماي لـ2000، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وآلية الاستقرار الأوروبية، وما إلى ذلك". الآن، إدارة الأموال الدولية تتعلق بتنسيق شبكة أكثر كثافة من الهيئات الإقليمية. تتطلب هذه المهمة اتصالا فاعلا، لكن هذا الحوار في الأغلب ما يعرقله ويصيبه الخلافات حول اللغة والتكافؤ السياسي للعولمة.
هل هناك طريقة للخروج من المأزق؟ هل يمكننا تخليص أنفسنا من الشكوك التي تحول دون تعاون عالمي أقوى؟ أحد المتطلبات الأساسية هو أن يدرك الجميع أن الجمع بين التكنولوجيا الجديدة والترابط المعزز له آثار غير معروفة بشكل أساسي "وبالتالي لا يمكن السيطرة عليها". لا أحد يستطيع أن يتوقع بدقة أي بلد سينتهي به المطاف في المرتبة الأولى.
يمكن لعمليات العولمة المترابطة والتغيير التقني أن تقود العالم بسهولة إلى الفخ. ليست النتائج غير مؤكدة فحسب، بل إن حالة عدم اليقين تسبب الشلل. وبالتالي فإن مهمة الحكومة هي توفير بعض الضمانات. وكلما كان القيام بذلك أكثر فاعلية، قل سبب وجود العقول المشبوهة، وقل انقسام العالم بسبب القلق بشأن "الفوز" و"الخسارة".