قمة باريس .. إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي

قمة باريس .. إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي

أمام نحو 40 من رؤساء الدول والحكومات مجتمعين في باريس لمحاولة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، إلى "صدمة تمويل عام" لمواجهة الفقر واحترار المناخ.
وقال ماكرون خلال افتتاح قمة "ميثاق مالي عالمي جديد" المنعقدة في باريس منذ أمس، إن الدول "ينبغي ألا توضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ، علينا أن نحدث صدمة تمويل عام ونحتاج إلى مزيد من التمويل الخاص".
وأشار إلى أنه من دون "تغيير النظام برمته، يمكننا أن نجعله يعمل بشكل أفضل بكثير إذا وظفت هذه الأموال وهذه السيولة في خدمة تقدم الكوكب وهذا التحدي المزدوج الذي ذكرته، الفقر والمناخ، والتنوع البيولوجي".
وأكد الرئيس الفرنسي أمام رؤساء الدول والحكومات وبينهم عدد من الأفارقة "هذه القمة هي قمتكم، أنتم الذين تقفون على خط المواجهة" في مكافحة تغير المناخ وتزايد الفقر وعدم المساواة.
وتعهد أن يكون "هذا الاتفاق المالي الجديد أكثر احتراما لسيادة" كل الدول، داعيا إلى توفير زيادة هائلة في التمويل العام والخاص لمعالجة تزايد عدم المساواة. وقال ماكرون إنه حتى الآن لم يتم القيام بما فيه الكفاية في أي من القطاعين. وحذر الرئيس الفرنسي من أنه "دون القطاع الخاص، لن نتمكن من مواجهة معظم هذا التحدي".
وفي الاجتماع الذي بدأه ماكرون، يناقش ممثلو أكثر من 100 دولة وبنوك تنمية دولية ومنظمات إغاثة سبل جعل النظام المالي الدولي أكثر عدلا.
ولن يتم اتخاذ قرارات ملزمة في القمة التي تستمر لمدة يومين، ولكن من المتوقع أن تكون هناك مبادئ توجيهية للتغلب على تزايد الفجوة بين الدول الصناعية ودول الجنوب العالمي، التي تتأثر بشكل خاص بعواقب تغير المناخ.
من جهته، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش دعواته إلى التغيير قائلا إن "الهيكلية المالية الدولية فشلت".
وأضاف أن القواعد التي تخصص بموجبها الأموال من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي "أصبحت غير أخلاقية للغاية" و"الجمود ليس خيارا".
من جهتها، دعت فانيسا ناكاتي الناشطة الأوغندية الشابة رؤساء الدول والحكومات إلى التزام دقيقة صمت تكريما "لجميع الذين يعانون والجياع والمشردين والذين يتركون المدرسة".
وإن كان من المستبعد أن تفضي المحادثات الجارية في قصر برونيار في وسط باريس إلى قرارات ملموسة، إلا أنها تستفيد من ثقل الضيوف المشاركين وبينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والمستشار الألماني أولاف شولتس ووزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين.
وقالت يلين إن واشنطن "ستضغط" من أجل أن يشارك دائنو الدول الفقيرة والنامية في مفاوضات لإعادة هيكلة ديونها.
وأعلنت كريستالينا جورجييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي أنه تم تحقيق هدف تخصيص 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة للدول الفقيرة، وهي أصول احتياطية لصندوق النقد الدولي يمكن استخدامها للتنمية والتحول المناخي.
وقالت جورجييفا خلال القمة "تم تحديد الهدف عند 100 مليار". وأضافت "حققنا الهدف، لدينا 100 مليار".
ورحب ماكرون على تويتر بهذا الإعلان مغردا "هذا الهدف لديه فرصة جيدة لأن يتحقق هذا العام!".
وتشارك السعودية ممثلة في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والصين من خلال رئيس وزرائها لي تشيانج ويشارك أيضا في القمة الرئيس الكيني وليام روتو إضافة إلى نحو 20 زعيما إفريقيا رفع عديد منهم الصوت أخيرا ضد الدول الغنية التي تضخ المليارات لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.
ونشأت فكرة القمة في تشرين الثاني (نوفمبر) خلال مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب27) في مصر، عقب الخطة التي قدمتها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي. فقد أعادت إحياء الأمل في إحراز تقدم بشأن هذه المسألة التي باتت عقبة بوجه مفاوضات المناخ بين الدول الفقيرة والدول الغنية.
ودعت موتلي التي حضت على إعادة توجيه التمويل الدولي نحو قضايا المناخ، إلى "تحول مطلق" في النظام المالي وليس فقط "إصلاح مؤسساتنا"، مضيفة "نأتي إلى باريس اليوم بقلب حزين لكن بأمل".
من جهتها، قالت إستير دوفلو، الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد خلال مقابلة مع "الفرنسية" "تفرض تكلفة باهظة على أفقر البلدان من خلال الطريقة التي نقرر أن نعيش بها اليوم".
والهدف من القمة هو تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق عن اتفاقات بريتون وودز في عام 1944 مع إنشاء صندوق النقد والبنك الدوليين.
وتقول الدول النامية إن الحصول على تمويل من المؤسستين صعب في حين أن حاجاتها هائلة لمواجهة موجات الحر والجفاف والفيضانات، وأيضا للخروج من الفقر.
ومن أجل تحقيق ذلك، سيتعين على الدول النامية باستثناء الصين إنفاق 2400 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030، وفق تقديرات مجموعة من الخبراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك زيادة إنفاقها على الطاقة المتجددة من 260 مليارا إلى نحو 1،9 تريليون دولار سنويا على مدى العقد، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ومن بين الطروحات العديدة التي تناقش، تكتسب فكرة فرض ضريبة دولية على انبعاثات الكربون من النقل البحري زخما.
ويتحدث قادة العالم عن ضرائب أخرى ولكن أيضا عن إصلاحات مؤسسية وإعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة وتعزيز دور القطاع الخاص.
وتدعم موتلي بقوة فكرة تعليق سداد الديون في حال حدوث كارثة طبيعية. فالأعاصير "لا تفرق" بين الدول الغنية والفقيرة، لكنها قد "تتسبب في خسارة أعوام من التنمية" وفق ما ذكر فاتومانافا باولولي لوتيرو رئيس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، رأس الحربة في هذه المعركة من أجل تمويل جديد.
وستوضع الدول الغنية في مواجهة وعدها بتقديم 100 مليار دولار سنويا لمساعدة الدول الفقيرة في مواجهة احترار المناخ. وهو وعد يفترض أن يتم الوفاء به هذا العام، بعد ثلاثة أعوام من التأخير، وهو ما أدى إلى تراجع عميق في الثقة بين الشمال والجنوب.
وأشار هارجيت سينج من "كلايمت أكشن نتوورك" إلى أن هذا المبلغ يبدو سخيفا، لكن "التمويل العام هو البذرة التي ستثمر تريليونات".

الأكثر قراءة