"انقلاب النيجر" .. ساحة جديدة لصراع النفوذ
أغلقت السلطة العسكرية في النيجر التي يقودها الجنرال عبدالرحمن تشياني، قائد الحرس الرئاسي أجواء البلاد، تزامنا مع نهاية فترة الإنذار الذي وجهته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" إلى السلطات الانقلابية ودعوتها إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب، الذي وقع في 26 يوليو من العام الحالي، وتسليم زمام الأمور للرئيس المخلوع محمد بازوم.
تبعات الانقلاب كشفت عن نفوذ دولي يؤيده ويدينه في آن واحد، حيث أدانت الولايات المتحدة الانقلاب العسكري في النيجر ورفضت التعامل مع نتائجه، مكتفية بالحفاظ على وجودها العسكري المتمثل بالقاعدة الجوية في أغاديز، كما أنها لم تجل رعاياها المقيمين في البلد.
أما الأسباب الحقيقية للانقلاب فهي تكمن خلف عوامل عدة، يمكن إجمالها في وجود حالة من انعدام الاستقرار السياسي، بكل ما يتفرع عنه من وضع اقتصادي متدهور، وبيئة أمنية مضطربة، إضافة إلى عدم وجود مؤسسات راسخة للحكم المدني، وهذا الحال ليس حصرا على النيجر وإنما ينتشر في دول إفريقية عدة.
إيكواس..
تبنت مجموعة "إيكواس" التي تضم تحت مظلتها 15 دولة من دول غرب إفريقيا مسؤولية إفشال الانقلاب العسكري في النيجر، باعتماد خطة التدخل العسكري لإفشال الانقلاب، بقيادة جيوش أربع دول من المجموعة هي نيجيريا وساحل العاج وبنين والسنغال.
وردا على "إيكواس" أبلغ المجلس العسكري الحاكم في النيجر الجماعة الاقتصادية، التي كانت تريد إرسال وفد إلى نيامي، بأنه لا يستطيع استقبالها في الوقت الحالي لأسباب "أمنية".
وجاء في رسالة وزارة الخارجية الموجهة إلى ممثلية الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في نيامي، "السياق الحالي بما فيه غضب السكان واستياؤهم، بعد العقوبات التي فرضتها إيكواس، لا يسمح باستقبال الوفد المذكور في أجواء هادئة وآمنة".
مبادرة أمريكية..
أكد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في تصريح صحافي أخيرا على أن النهج الدبلوماسي هو "السبيل الأفضل" لحل الوضع في النيجر.
وشهدت الأحداث في النيجر مبادرة أمريكية تبنتها وزارة الخارجية لاستعادة الشرعية، من خلال التفاوض الدبلوماسي المباشر، مؤكدة مضيها باستمرار في البحث عن حل سياسي سلمي للأزمة النيجرية على الرغم من التجاوب مع المبادرة.
الانقلاب وفرنسا..
شكل الانقلاب ضربة موجعة للنفوذ الفرنسي في القارة السمراء، حيث كانت المتضرر الأكبر، ما دفعها للرفض بشدة لما قام به العسكر النيجري المنقلب على السلطة الموالية لها، مطالبة بإفشاله، ووصل بها الأمر التلويح بدعم خطة للتدخل العسكري، وربما المشاركة فيها بطريقة غير مباشرة من خلال القاعدة العسكرية الفرنسية في النيجر التي تضم نحو 1500 جندي فرنسي.
كما رفضت باريس قرار السلطات الانقلابية وقف برامج التعاون العسكري الفرنسي مع النيجر بحجة عدم شرعية الحكومة العسكرية، ما دفعها إلى إجلاء رعاياها من النيجر.
واتهم الانقلابيون فرنسا بالفعل في بيان نشر أخيرا، بالرغبة في "التدخل عسكريا" لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه.
وأضاف البيان، "في إطار بحث فرنسا عن سبل ووسائل للتدخل عسكريا في النيجر، عقدت بالتواطؤ مع بعض أبناء النيجر، اجتماعا مع هيئة أركان الحرس الوطني في البلاد للحصول على التصريحات السياسية والعسكرية اللازمة".
لكن الانقلاب لم يبق في دائرته الضيقة بل أخذ أبعادا أخرى في الداخل الأوروبي الرسمي، شكلت نقطة خلاف جديدة، فعلى الرغم من تبني الاتحاد الأوروبي صراحة الموقف الفرنسي، إلا أن ألمانيا وإيطاليا عبرتا عن تحفظهما على العمل العسكري وطالبتا بالاستمرار في الجهود الدبلوماسية السلمية لحل الأزمة القائمة في النيجر.
هذا التحفظ سيجلب خلافات مستقبلية بين باريس وبرلين وروما، في ظل الخلاف الكبير بين فرنسا وألمانيا على تزعم الموقف الأوروبي، والذي يعيش أياما صعبة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وتبعاتها في مجالات الطاقة، والأمن، والاقتصاد.
التحفظ الألماني الإيطالي قد تكون دوافعه الخوف من تدفق المهاجرين غير النظاميين من النيجر والدول المجاورة لها عبر الصحراء إلى ليبيا، ومنها إلى الدول الأوروبية.
الانقلاب وروسيا..
لكن المؤكد أن الانقلاب كان بمنزلة ورقة رابحة في يد اللاعب الروسي في القارة الإفريقية، حيث عبرت موسكو من خلال وزارة خارجيتها عن رفض أي تدخل عسكري، مطالبة بتنظيم حوار وطني جامع من أجل استعادة السلم والقانون والنظام، كما أظهرت منذ الأيام الأولى للانقلاب موجة تعاطف واسعة مع روسيا ورفع أعلامها في مقابل الحليف التقليدي فرنسا.
كما تفيد معلومات بإجراء اتصالات بين السلطات الانقلابية وجماعة فاغنر الروسية من أجل تخويلها دورا أساسيا في حماية النظام العسكري الجديد.
بدوره دافع قائد الشركة الأمنية الروسية يفغيني بريغوجين عن انقلاب النيجر، عادا أنه يندرج في إطار النزعة التحررية الإفريقية الجديدة من الاستعمار الغربي، ومع أن روسيا قد ترغب في اختراق النيجر والتمدد في منطقة الساحل عبرها، كما أن السلطات الانقلابية قد تضطر إلى الاعتماد عليها لمواجهة التهديد الخارجي، إلا أن الضغوط الأمريكية قد تؤدي إلى كبح هذا المسار والإبقاء على المصالح الغربية في النيجر.
وأضاف، "نحن دائما إلى جانب الخير، إلى جانب العدالة، وإلى جانب أولئك الذين يقاتلون من أجل سيادتهم ومن أجل حقوق شعوبهم،
وتعليقا على النفوذ الروسي في النيجر، قال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، في تصريح صحافي، "إن جماعة فاغنر الروسية المرتزقة تستغل عدم الاستقرار في النيجر. أعتقد أن ما حدث وما زال يحدث في النيجر لم يكن بتحريض من روسيا أو من قبل فاغنر لكنهم يحاولون الاستفادة منه"، مضيفا "كل مكان ذهبت إليه مجموعة فاغنر، تبعها إليه الموت والدمار والاستغلال، وارتفع مستوى انعدام الأمن فيه، ولم ينخفض".
إلا أن هنالك إشارات مفادها أن قادة الانقلاب طلبوا المساعدة من فاغنر، المعروف وجودها في دولة مالي المجاورة، وأن جيش النيجر قد طلب مساعدة فاغنر، حيث تواجه البلاد احتمال التدخل العسكري الخارجي، فيما تحظى جماعة فاغنر بوجود آلاف المقاتلين في دول من بينها جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وتتمتع بمصالح تجارية مربحة ولكنها تعزز لروسيا العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع تلك الدول.