صناعة الكرة .. السعودية تدشن عصرا جديدا في تاريخ اللعبة

صناعة الكرة .. السعودية تدشن عصرا جديدا في تاريخ اللعبة
صناعة الكرة .. السعودية تدشن عصرا جديدا في تاريخ اللعبة

عادت المركزية الغربية إلى الواجهة مجددا، مع توالي الانتقادات الصادرة عن أكثر من جهة داخل أوروبا، فيما يشبه الحملة المنظمة ضد السعودية، على خطة الاستثمار في كرة القدم. فقدرة الأندية السعودية على استقطاب نجوم من العيار الثقيل، في عالم المستديرة، من أجل الدفاع عن ألوان فرق في الدوري المحلي، أقض مضجع دوائر كروية وإعلامية في أكثر من دولة في القارة العجوز.
بدأت الحكاية عند المناوئين حين استطاع فريق النصر السعودي، نهاية 2022، ضم النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى صفوفه، في صفقة انتقال حر تمتد حتى 2025، قادما من فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي. لتنطلق بعدها مسيرة اقتناص الفرق السعودية ألمع الأسماء في سماء كرة القدم "بنزيمة ومحرز وهندرسون وبروزوفيتش وبونو..." ما أخرج للعلن عنصرية دفينة في الوجدان الأوروبي، فكتبت صحيفة "الرياضي" The Athletic تقول، "الرسالة واضحة: السعودية تريد تعطيل كرة القدم".
وعبر ألكسندر تشيفرين رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا"، في تصريح مماثل، عن امتعاضه من التوجه السعودي الجديد، "أعتقد أن هذا خطأ في كرة القدم السعودية بشكل أساسي، لقد كان خطأ مشابها في الصين عندما أحضروا لاعبي كرة القدم الذين كانوا في نهاية مسيرتهم". ولم تتردد قيادات كروية في أوروبا في إبداء مخاوفها من أن يسحب الدوري السعودي البساط من الدوريات الأوروبية، وبلغ بهم الأمر حد الهجوم المباشر على المخطط مطالبين بـ"إيقافهم ووضع حد لهم، لأنه يهدد مسابقاتنا الأوروبية".

جذور الصناعة الكروية في السعودية
فيما تعود أصول الحكاية في السعودية إلى وقت مبكر، حين أدركت المملكة أن الرياضة أضحت ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي داخل عدد من الدول، خاصة أن أرقام صناعة كرة القدم في ارتفاع، فقد بلغت في 2022 ما قيمته 3،2 مليار دولار، مع توقعات تفيد بتسجيل نسبة نمو سنوية تبلغ 4 في المائة، ما يرفع الرقم إلى خمسة مليارات دولار في 2028. لذلك حرصت على اعتماد الرياضة أساسا متينا من أسس تنزيل "رؤية 2030".
ودشنت السعودية مشروع الاستثمار في مجال كرة القدم الدولية باستحواذ صندوق الاستثمارات العامة للمملكة، بعد معركة طويلة وصعبة، على نادي نيو كاسل يونايتد الإنجليزي، في السابع من أكتوبر 2021. وصف خبراء الرياضة العملية حينها بالمغامرة غير محسوبة العواقب، قبل أن تثبت النتائج المبهرة للفريق أنه استثمار مربح، فعام بعد امتلاك النادي انتقل من أسفل ترتيب الدوري الإنجليزي، واحتل المركز الرابع في العام الثاني ليضمن المشاركة في دوري أبطال أوروبا، لأول مرة منذ 20 عاما. كل ذلك أفضى، بشكل مفاجئ وكبير إلى زيادة القيمة السوقية للنادي، كما رفع مكانته في التصنيف العالمي للقيم التجارية لأندية كرة القدم حول العالم.
نجاح ملهم لم يكن سوى قص شريط لعصر جديد يرى كثيرون أنه سيغير كثيرا من ملامح كرة القدم في العالم كله، خاصة بعدما فتح شهية صندوق الاستثمارات العامة لكتابة تاريخ جديد للعبة، لكن هذه المرة بطبعة سعودية خالصة، يكون محورها الدوري السعودي المحلي. فقرر امتلاك الأندية الأربعة ذات القاعدة الجماهرية، ودخل على خط منافسة قوية مع الدوريات الخمسة الكبرى "الإنجليزي والإسباني والإيطالي والألماني والفرنسي"، على صعيد الإنفاق وجلب صناع الفرجة والمتعة.
في السياق ذاته، دشنت رابطة الدوري "استراتيجية التحول" الرامية إلى زيادة مستوى التنافسية وجذب المستثمرين وبناء جيل مميز في اللعبة من خلال الاحتكاك مع أبرز نجوم العالم. كما رفعت التحدي عاليا، حين سطرت كهدف لها إدخال الدوري ضمن قائمة أقوى عشرة دوريات في العالم. وبدت معالم التحدي واضحة في حجم الإنفاق، فالأرقام تتحدث عن 352 مليون جنيه استرليني حتى الآن، وهو خامس أعلى إجمالي في عالم كرة القدم.

أوروبا ومساعي احتكار اللعبة
ينطبق على عويل الأوروبيين ضد ما يرونه "استهدافا" سعوديا لكرة القدم، قول الشاعر، "وغير تقي يأمر الناس بالتقى/ طبيب يداوي وهو عليل"، فالتباكي على اللعبة بالتحذير من أن المال أضحى مصدر تهديد لمتعة كرة القدم، قد يكون مقبولا - في حال صحته - من أي كان ما عدا الأوروبيين، فهم أول من قام بتسليع الأندية والاتحادات الكروية. فضلا عن كون أنديتهم من أسست فكرة استقطاب النجوم من أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وكأن لسان حالهم يقول، إن "ما يجوز للأوروبيين لا يجوز لغيرهم".
ادعاء للموضوعية يذكر هؤلاء الرياض بالتجربة الصينية التي أزعجت كثيرا الإنجليزيين حين انطلقت، قبل نحو عقد ونصف من الزمن تقريبا، بتشجيع من الرئيس الصيني شي جين بينج الذي حث رجال المال والأعمال على الاستثمار في كرة القدم. وكانت البداية، فبراير 2010، حين استحوذت شركة صينية على نادي جوانجزهو الصيني. وكله طموح لحظتها لأن تصبح الصين قوة إقليمية ثم عالمية في مجال كرة القدم، توازي مكانتها على الصعيد الاقتصادي.
لكن المفارقة لا تستقيم مع وجود الفارق، فالتجربة الصينية غير القصة السعودية التي بدأت بالاستثمار التدريجي في صناعة كرة القدم. فضلا عن انبثاقها من رؤية بمنظور شمولي، ترمي تنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن النفط، من خلال تطوير صناعات جديدة "الصناعة الرياضية". هكذا نكون أمام خريطة طريق للنمو واضحة الإحداثيات، برعاية من صندوق الاستثمارات العامة للمملكة، عكس ما جرى في الصين حين تحول الأمر إلى ساحة صراع بين أشخاص يبحثون عن النفوذ والسيطرة.
تعدد جبهات الاشتغال يضمن وقعا أقوى وتأثيرا أكبر للمشروع السعودي، فخلاف الصين التي جعلت الدوري المحلي محور اهتمامها، تشهد المملكة نهضة في مدارس تعليم كرة القدم للناشئة، في مختلف مناطق وربوع المملكة، . فضلا عن كون المشروع استثمارا ذكيا في الرأسمال البشري، فأغلب السكان تقل أعمارهم عن 35 عاما، ما يضمن التأهيل الصحي والنفسي لشريحة واسعة من المجتمع السعودي.
عام بعد آخر، ترتفع الأرقام والمؤشرات في مجال اقتصاد الرياضة الذي بات رافدا من روافد الاقتصاد العالمي، بما يدره من مداخيل خرافية تتوزع ما بين سوق الانتقالات والبث التلفزيون وغير ذلك. منافع جمة يرفض الأوروبيون أي مزاحمة لهم فيها، فأي محاولة لاقتحام هذا المجال تواجه بالرفض والتحامل على صاحبها، ما يكشف مجددا نفاق الغرب، وداء عضالا يعشش في العقل الأوروبي غير القادر على التحرر من مركزية نحو باقي العالم.

الأكثر قراءة