"بريكس" الاقتصادية .. الدعوات مستمرة والتكتل في تصاعد

"بريكس" الاقتصادية .. الدعوات مستمرة والتكتل في تصاعد
"بريكس" الاقتصادية .. الدعوات مستمرة والتكتل في تصاعد

تضمنت رؤية السعودية 2030 في برامجها أن تكون المملكة أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث آسيا وأوروبا وإفريقيا، ونظرا إلى مكانتها الجغرافية، حيث تحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، واليوم تثبت الرؤية بأنها تحمل أبعادا جيوسياسية، من خلال المكانة السياسية المتوازنة ذات الثقل الاقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي.

وتقع السعودية في أقصى الجنوب الغربي من قارة آسيا حيث يحدها غربا البحر الأحمر، وشرقا الخليج العربي والإمارات وقطر، وشمالا الكويت والعراق والأردن، وجنوبا اليمن وسلطنة عمان، ما دفع التكتلات العالمية بمختلف توجهاتها لعقد الشراكات مع المملكة، التي تعد ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بإنتاج نحو 11 و10.9 مليون برميل يوميا من النفط.

ولتنويع الخيارات والشراكات الاستراتيجية، وتوسيع محافظ الاستثمار والتجارة، دعت مجموعة بريكس الاقتصادية السعودية إلى الانضمام لعضويتها في ختام أعمال القمة الـ15 لدول المجموعة، المكونة أساسا من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، التي انعقدت في جوهانسبرغ، في 24 أغسطس 2023، كما دعت المجموعة دولا أخرى إلى الانضمام إليها، وهي الأرجنتين وإثيوبيا وإيران ومصر، والمقدر أن تنال العضوية الكاملة بدءا من الأول من يناير 2024.

وتعد الدعوة بمنزلة مسار مستمر من الشراكة مع هذا التكتل الصاعد، التي تشكل فرصة ثمينة لتحقيق مصالحها، وتطوير تجارتها واستثماراتها، وتحسين مقدرتها على الوصول إلى أسواق جديدة، وتطوير مرونتها في توسيع محفظة شركائها على الساحة الدولية، وتنفيذ خططها التنموية الكبرى، وتمكين نموذجها.

وتكمن أهمية وجود السعودية ضمن مجموعة بريكس، أن للسعودية دورا إيجابيا ومؤثرا في تعزيز استقرار أسواق الطاقة العالمية من خلال دورها الفاعل في السوق البترولية العالمية، ومن هذا المنطلق تقدم سياسة السعودية البترولية على أسس متوازنة، تأخذ في الحسبان مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة.

وتلعب السعودية دورا مهما ومؤثرا في الجهود الدولية الرامية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، كما تؤدي دورا مهما في صياغة نظام اقتصادي عالمي يسهم في تحقيق هدف المجموعة المتمثل في تشجيع النمو القوي والمتوازن المستدام في إطار المحافظة على مصالح جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

كما أن السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي لديها القدرة على سد أي نقص في أسواق الطاقة، ما يعكس كفاءتها الإنتاجية في النفط، وهذا ما أثبتته الفترة الماضية، عندما أسهمت في سد عجز عدد من الدول التي توقف إنتاجها إبان الأحداث الأخيرة في المنطقة، كونها تملك إمكانات ضخمة في عمليات الإمدادات للأسواق العالمية.

وتجد الرياض في بريكس مساحة مهمة لتعزيز طموح الاستقلالية في تنويع تحالفاتها، التي تتطلع إليها، بعيدا عن اعتماد مصالحها على الدول الغربية فقط، التي تجمعها بها علاقات سياسية واقتصادية قوية، كما تعمل الحكومة السعودية على تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، وترى في الانضمام إلى بريكس وسيلة للوصول إلى أسواق جديدة، ومزيدا من الفرص الاستثمارية، في ظل تنامي فرصة اللاعبين الآسيويين والاقتصادات النامية والناشئة أو من هم خارج مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بإعادة تشكيل عديد من عناصر وديناميات التصميم الجديد لنظام عالمي، وميزان القوى العالمي.

تتجلى مكانة التكتل الاقتصادي بريكس في كونه يمثل دولا يزيد مجموع سكانها على ثلاثة مليارات نسمة، وتحوز على حصة وازنة في الاقتصاد العالمي، أما بخصوص الطموح الجيوسياسي فإنه على الرغم من الخلافات والتباينات بين دول المجموعة، فقد أعرب زعماء بريكس عن اعتقاد مشترك بأن النظام الدولي يخضع لهيمنة الدول والمؤسسات الغربية، ولا يخدم مصالح الدول النامية.

وشهدت قمة بريكس الأخيرة في جوهانسبرغ الدعوة إلى نظام عالمي متعدد يحترم سيادة الدول، ويدعو إلى إعادة النظر في مسألة فرض العقوبات، وتعزيز خيارات الدول في التعامل بعملاتها المحلية في تجارتها الثنائية أو متعددة الأطراف، يبدو ذلك في صلب أولويات دول مجموعة بريكس والدول المرشحة للانضمام إلى هذه المجموعة.

بدوره، لفت الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى أنه مع انضمام ستة أعضاء جدد للتكتل، فإنه بات الآن ممثلا لنحو 46 في المائة من سكان العالم، ويستحوذ على حصة أكبر من ناتجه الاقتصادي.

إلى ذلك، بعض دول بريكس، وكذلك المنضمون الجدد إلى المجموعة، لا يطمحون إلى أن يكون تصنيفهم وكأنهم على ضفة معاكسة أو معادية للغرب، والواقع أن التصنيف المفترض هذا لا يعكس هويتهم السياسية، ولا تاريخ العلاقات التاريخية الوثيقة مع الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة، كما أن الدول الأعضاء غير متفقين على كثير من الأولويات والتوجهات والسياسات المثيرة للجدل داخل المجموعة، ولا سيما بين الصين والهند، وتباين مواقف الدولتين واستراتيجياتهما فيما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية والاقتصادات الآسيوية الكبرى.

وترى دول شرق أوسطية أن بريكس منظمة اقتصادية تركز على نظام مالي يوازي سويفت، وتهتم دول العالم بسلاسل التوريد العالمية، بعد فقدان الجاذبية في الحكم العالمي الحالي، وأن مثل هذه التكتلات تشير إلى أن العالم بحاجة إلى حكم أكثر عدلا من تلك الذي يهيمن عليه الغرب، حيث يعيش العالم اليوم رسم خريطة جيوسياسية متقدمة وحديثة نظرا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من تداعيات في سلاسل التوريد والغذاء، إضافة إلى انخفاض النمو الاقتصادي العالمي والتضخم بما يشمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ختاما، بدأت تلوح في الأفق الحاجة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما يحتم على الدول مراجعة حساباتها الاقتصادية وتحالفاتها السياسية، ومن ثم إعادة تعريف مصالحها الجيوسياسية للتكيف مع أوضاع جديدة قادرة على تأمين الاكتفاء الذاتي لاحتياجات ومتطلبات الدولة خلال أزمات عالمية معقدة، لا يبدو لها سقف زمني واضح، ولا عواقب واضحة ومحددة يمكن التحكم بها.

الأكثر قراءة